حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » كم كان عمر الزهراء (ع) حين زواجها من أمير المؤمنين (ع)؟ هل صحيح أن الإجماع هو على التسع من عمرها؟
ج »
 
▪️يوجد اختلاف كبير بين العلماء في تحديد عمر سيدتنا الزهراء سلام الله عليها حين زواجها من أمير المؤمنين عليه السلام، وتترواح هذه الأقوال بين تسع سنوات وعشرين سنة.
 
▪️مرد هذا الاختلاف إلى أمرين:
 
- الأول: الاختلاف في تاريخ مولدها، فهل ولدت قبل البعثة بخمس أم بعدها بخمس أو باثنتين؟ 
 
- الثاني: الاختلاف في تاريخ زواجها من أمير المؤمنين عليه السلام، حيث إن ثمة خلافاً في أنها تزوجت بعد الهجرة إلى المدينة بسنة أو بسنتين أو بثلاث.
 
▪️المعروف عند كثير من المؤرخين - كما ينقل التستري في تواريخ النبي (ص) والآل (ع) - أنها ولدت قبل البعثة النبوية بخمس سنين، وهذا ما ذهب إليه محمد بن إسحاق وأبو نعيم وأبو الفرج والطبري والواقدي وغيرهم، وعلى هذا سيكون عمرها حين الزواج ثماني عشرة سنة أو يزيد.
 
▪️ ونقل العلامة الأمين "أن أكثر أصحابنا" على أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنين، وعلى هذا سيكون عمرها حين الزواج تسعاً أو عشراً أو أحد عشر عاماً، تبعاً للاختلاف في تاريخ الزواج.
 
⬅️ الظاهر أنه ليس هناك إجماع على أنّ عمرها عند الزواج بها كان تسع سنوات، فقد ذهب الشيخ المفيد في "مسار الشيعة" أنها ولدت بعد مبعث النبي (ص) بسنتين، وهو ظاهر الشيخ الطوسي في المصباح، بل نقل الشيخ عن رواية أنها ولدت في السنة الأولى لمبعثه الشريف، وحينئذ إذا كانت قد  تزوجت في السنة الأولى من الهجرة فيكون عمرها حين الزواج ثلاث عشرة سنة، وإذا تزوجت في السنة الثانية للهجرة سيكون عمرها أربع عشرة سنة، وإذا تزوجت في السنة الثالثة سيكون عمرها خمس عشرة سنة.
 
 وقد رجح التستري وغيره من علمائنا القول بولادتها بعد البعثة بخمس، استناداً إلى بعض الأخبار المروية عن الأئمة(ع).. وكيف كان، فتحقيق المسألة واتخاذ موقف حاسم يحتاج إلى متابعة.. والله الموفق.

 
 
  مقالات >> أصول فقه
أخبار التداوي والخبروية والنطاق الجغرافي الخاص
الشيخ حسين الخشن



في ثنايا البحوث السابقة تمت الإشارة إلى التراث الروائي الطبي والذي يحتمل أن يكون بعضه صادراً عن المعصوم (ع)، استناداً إلى خبرته وليس من باب التلقي عن الوحي، وبعضه الآخر وارد في نطاق نطاق جغرافي خاص، وفي هذا الملحق سوف نتطرق إلى هذا التراث.

ولا يخفى أنّ ثمة اعتقاداً لا زال سائداً في بعض الأوساط الإسلامية بشأن مسألة الاستشفاء والتداوي، ويتلخص هذا الاعتقاد بأن قضيّة التداوي تعتبر قضية غيبية يرجع فيها إلى النصوص، ووصايا النبي (ص) وأهل بيته (ع)، وليس إلى أهل الخبرة من الأطباء، فهل إنّ لهذا الكلام نصيباً من الصحة؟  

وبيان الموقف من هذا الاعتقاد يفرض علينا من الناحية المنهجية أن نتوقف في البداية عند المبدأ الأساس في قضية التداوي والاستشفاء، فهل هي قضية غيبية تعبدية وتؤخذ من النصوص الدينية؟ أم أنها قضية تعتمد على معطيات مادية يرجع فيها إلى أهل الاختصاص؟ ثم ننتقل بعد ذلك للتوقف عند النصوص الدينية الكثيرة الواردة في التداوي، لنتسائل عن كيفية التعامل مع هذه النصوص؟

وهذا ما نوضحه من خلال النقاط الأساسية:

  1. الشفاء وقانون العليّة

إنّ القاعدة القرآنية العامة التي تحدثنا عنها في بعض الكتب[1] تؤكد على أنّ سنّة الله تعالى جرت على ارتباط المسببات بأسبابها، وفق قانون العلّيّة الحاكم على هذا الكون، فمن رام الرزق فعليه بالكد والعمل، ومن أراد النصر فعليه بإعداد العدّة والعدد، ومن رغب بالشفاء والعافية، فعليه استعمال الدواء المناسب، هذه هي القاعدة الصحيحة المستفادة من القرآن الكريم والسنة النبوية، وعلى الإنسان أن يتحرك وفقها، ليكتشف أسباب الأمراض وعوارضها، بالملاحظة والتجربة، ويتعرّف على مضادّاتها وطرق علاجها بالوسائل العلميّة، دون أن يعني ذلك المسّ بقدرة الله وصفاته، فالله سبحانه هو الشافي حقيقة، لكنّه يشفي من خلال الأسباب الطبيعيّة، وبتوسط الأدوية التي أودع فيها خاصية الشفاء، تماماً كما يرزق العباد بتوسط أسباب الرزق المتعددة.

 إنّ ذلك لا يعني إلغاء دور الدعاء، وطلب العافية من الله سبحانه، فإنّنا نطلب منه أن يَمُن علينا بالعافية مع خلال استعمالنا للدواء، وأخذنا بأسباب الشفاء، ومنه يتضح معنى قوله تعالى على لسان ابراهيم: {وإذا مرضت فهو يشفين} [الشعراء 80]. فإبراهيم (ع) لا يريد القول بأنّ الله تعالى يشفيه بشكلٍ مباشر، وبعيداً عن أسباب الشفاء، وهذا ما يشهد به السياق، أعني قوله تعالى قبل هذه الآية: {والذي هو يطعمني ويسقين} [الشعراء 79]، فمن المعلوم أنّ سنته تعالى جرت على أن لا يطعم الإنسان بشكل مباشر، بعيداً عن طلب الرزق، والأخذ بأسبابه، وإنّما يطعمه من خلال الطريقة المألوفة في الأخذ بالأسباب.

وأمّا ما جرى أو يجري مع بعض الناس من الأولياء أو المؤمنين العاديين أو غير المؤمنين من حصول الشفاء دون استعمال الدواء، بل بعد لجوء الإنسان إلى الله تعالى أو توسله إليه بحق نبي من الأنبياء (ع) أو ولي من الأولياء، كما حصل للسيدة مريم (ع) التي حدثنا القرآن الكريم أنّ رزقها كان يأتيها من عند الله، قال تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب} [آل عمران 37]. إنّ هذه الحالات هي حالات خاصة واستثنائية، تدخل في إطار المعاجز والكرامات، وفي بعض الحالات يدخل الأمر في نطاق الاستدراج، ولكنّ الحياة لا تتحرك على أساس المعاجز ولا تسير على أساس العجائب، فهذا الطريق إذن طريق استثنائي وغير مضمون النتائج وليس متاحاً لكلّ الناس، وهكذا لا يمكن التعويل على مجرد الدعاء وحده، لأنّ الله تعالى قد لا يستجيب الدعاء لبعض الموانع، أو لفقد بعض شروط الاستجابة، أو لبعض المصالح التي لا يعلمها غيره، الأمر الذي يحتّم علينا التحرك وفق القاعدة العامة، أعني قاعدة العلّية وارتباط الأمور بأسبابها. وإنّ الشواهد القرآنية والحديثية التي تؤكد هذا المبدأ أكثر من أن تحصى، ويكفي أن نشير هنا إلى أنّ رسول الله (ص) أمر بالتداوي وأمرُه لم يكن تعبدياً، لأنّه (ص) فسّر ذلك بأنّ "الذي خلق الداء خلق الدواء"[2]، وسأله رجل: "أأعقل ناقتي وأتوكل أو أدعها وأتوكل؟ فقال (ص) "إعقلها وتوكل"[3].

ربما يقال:[4]

واعتراضاً على ما سلف قد يقولن قائل: صحيحٌ أنّ حكمة الله اقتضت أن لا يجري الأمور إلا بأسبابها ، كما ورد في الحديث، ولكنْ ليس بالضرورة أن تكون الأسباب طبيعيّة أو ماديّة، بل ربما كانت الأسباب غيبية، وما ورد من اللجوء إلى الدعاء والاستشفاء بالقرآن الكريم وبأسماء الله تعالى - اذا صحت النصوص الداعية اليها - هي من جملة الأسباب الغيبية التي لا تتعارض مع قاعدة العلية، وفي ضوئه ، يحسن الجمع بين الوسيلتين ابتداء لمن يمكنه ذلك، لا لمجرد استكمال بعض الشكليات، بل لكون الدعاء والاستغاثة بالله تعالى وبأسمائه وصفاته لهما آثار تكوينية حقيقية وإن لم تتفطن إليها العلوم البحتة لطبيعتها التجريبية. أمّا من لا تتوافر له الأسباب الطبيعية لأي سبب كان، فإنّه أيضاً يحسن له أن يتجه الى الله تعالى بالدعاء ليكشف عنه ضره ويدفع عنه ما ألمّ به من بلاء. نعم ليس من الصواب الركون الى الدعاء والتضرع والاستغاثة بالله تعالى وترك الأسباب والوسائل الطبيعية وإهمالها كليّة تحت دعاوي وأحجيات فاسدة لا يقرها عقل ولا شرع. 

وأضفْ إلى ذلك أنّ قصر قانون العليّة والسببية على الأسباب الطبيعية والمادية وحذف الأسباب الغيبية منها أو حصر تأثيرها فقط في دائرة الخوارق، يؤدي الى إنحسار دور الدعاء وتضييق مساحته جداً إن لم يؤد إلى إلغائه بالفعل، حيث تكاد تنحصر فاعلية الدعاء حينها في الحاجات الأخروية. بل لا يبقى عندها، أي معنى معقول للدعوة الى الجمع بين الأسباب المادية وبين الدعاء، لأنّه والحال هذه سيغدو دور الأخير ثانوياً أو إجرائياً (طقوسياً) فقط. أمّا عند افتقاد المرء للأسباب الطبيعية وانقطاعه عنها لضعف أو فقر أو عجز، في أية قضية أو محنة أو معضلة تلم به، فإنّه في هذه الحالة - وحسب هذا الفهم - يكاد ينتفي دور الدعاء نهائياً! فلا يبقى معنى مفهوم للدعاء وللإلتجاء إلى الله تعالى حينها. فلا يبقى أي تأثير للدعاء والإستغاثة بالله تعالى حينما يحاط الإنسان ويحاصر بالعجز أو الفقر أو المرض أو الكرب أو الضر أو الظلم وسائر النوازل والكوارث الدنيوية فيما إذا افتقد الأسباب الطبيعية! وبعبارات أوضح إنّ المظلوم إذا لم تتوافر لديه وسيلة مادية يتشبث بها لرفع الظلم وإنّ المريض بمرض عضال، إذا لم يكن بوسعه أن يدفع نفقات العلاج الباهظة، وإنّ ركاب طائرة آيلة للسقوط دون أن يمتلكوا وسيلة إنقاذ، وإنّ ركاب باخرة وسط بحر هائج مائج ورياح عاتية مدمرة وما شاكل، فإنّهم في مثل هذه الأحوال لا قيمة لتوجههم الى الله تبارك وتعالى لكي يرفع عنهم تلكم الابتلاءات الماحقة المهلكة، لأنّ الدعاء لا تأثير مباشر له ولا تأثير مستقل له. فإنّ الدعاء بطلب العافية من الله تعالى يكون من خلال تناول الدواء، وهكذا الدعاء لدفع كل كرب وكشف كل ضر لا يتم إلا عبر اتخاذ الأسباب والوسائل الطبيعية. ولأنّ قانون العلية (المادي) هو الحاكم على الكون!

ويلاحظ على ذلك:

إنّنا لم ندع الأدعية يؤتى بها لمجرد التيمن والبركة وعلى نحو شكلي، بل إنّ الأدعية - كما دلّت على ذلك أدلتها – قد يكون لها تأثير مستقل في الشفاء والرزق، لكنّ هذا لا يشكّل قاعدة عامة، وإنّما هو طريق استثنائي، والكلام عن وجود علّة أخرى غيبيّة خارج نطاق الكرامة، يحتاج  إلى إثبات، وإن شئت فقل: هذه علة جزئية، لها ظروفها وشروطها الخاصة، وهذا ليس موضع تشكيك. وإنما محل الكلام في وجود علة غيبية تامة مستقلة وموازية للعلل الطبيعيّة بحيث يستغنى بها عن اللجوء إلى العلل الطبيعية، وهذا شيء لا ننكر إمكانه، بيد أنّ الكلام ليس في الإمكان بل في الوقوع والإثبات، فأين الدليل على وجود هذه العلة؟ إنّ أدلة الدعاء لا يستفاد منها وجود علّة تامة ومستقلة بموازاة الأسباب والعلل الطبيعيّة. بل يمكنك القول: إنّ علّة من هذا القبيل ليس لا دليل عليها فحسب، بل الدليل قائم على نفي وجودها، والدليل هو أنّها لو كانت موجودة لكان بإمكان الإنسان الاكتفاء بها ولم يلزمه الرجوع إلى العلل الطبيعية، مع أنّنا لم نجد أحداً من الأنبياء والأئمة (ع) قد أشار إلى ذلك، بل سيأتي أن ثمّة إلزاماً للعباد في حالات المرض بالرجوع إلى الأطباء بغية الأخذ بالعلل الطبيعية. وهكذا فإنّ سيرة الأنبياء(ع) كانت جارية على الرجوع إلى الأسباب المادية وفقاً لقانون الأسباب، دون أن ينقطعوا في هذه الأثناء عن الله طرفة عين أبداً، ولم يكتفوا في حركة الرسالة وما يواجهها من تحديات، باللجوء إلى الغيب والاعتماد على الدعاء إلى الله تعالى، لينزّل عليهم الرزق أو يحقق لهم النصر، لقد كانوا يعتمدون الأسباب الطبيعية، وكان المدد الإلهي يأتيهم بعد استنفاذ كل الإمكانات والوسائل،  قال تعالى: { حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } [ يوسف 110]،

 وفي مورد آخر يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًاً إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب 9- 11].

وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214].

وقال سبحانه في الإشارة إلى معركة بدر التي أعدّ لها المسلمون واستعدوا: { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} [الأنفال: 9] .

وقال تعالى:{ أمن يجيب المضطر إذا دعاه و يكشف السوء و يجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون}. [النمل 62].

وقال تعالى: {واذكرعبدنا أيوب إذ نادى ربه إنّي مسني الشيطان بنصب وعذاب  أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} [ص: 41].

وقال سبحانه: { وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم الى البر فمنهم مقتصد} [ لقمان: 32].

وهذا لا يعني بتاتاً أنّ الدعاء في الحالات الطبيعية ليس مطلوباً أو غير مرغوب به، كلا، فاللجوء إلى الله تعالى والتوجه إليه مطلوب ومحبوب في حالات الشدة والرخاء، في السراء والضراء، وفي حالات اليسر والعسر، والغنى والفقر، لكن الدعاء في هذه الحالات لا بدّ أن يترافق مع الأخذ بالأسباب مع تيسرها، وإلا فمن غير المعلوم أنّه يكون محلاً للإجابة.

 باختصار: إنّ الاعتماد على السبب الغيبي لو كان متاحاً على نحو مستقل بهذه السهولة فأدرى الناس بذلك وأعلمهم بهذا الطريق هم الأنبياء والأئمة (ع) ولو كانوا عالمين به لاستخدموه وعملوا به وأرشدوا النالس إليه، مع أننا نجدهم قد لجأوا إلى الأسباب المادية وأمروا الناس بذلك. فالشرع نفسه قد ألزمنا بالمداواة والرجوع إلى أهل الخبرة بل وحرّم علينا اللجوء إلى الدعاء وحده في حالة حاجة المريض إلى العلاج، فلو أنّ شخصاً جريحاً بحاجة ماسة إلى عمليّة جراحيّة عاجلة لكون حياته مهددة بالخطر، ترك العمل والأخذ بالأسباب الطبيعية ما أوقعه في الهلاك لكان قد أعان على سفك دمه، ولا يجوز له أبداً أن يمتنع عن الطبيب بحجة أنّه يدعو الله تعالى بالشفاء، وأنّه الشافي! وأيضاً لا يجوز لولي الطفل أن يتمنع عن أخذ ابنه إلى أهل الخبرة للعذر نفسه، وإلا كان شريكاً في دم ابنه إذا أصابه مكروه، بينما لو كان الدعاء يمثّل طريقاً مستقلاً للشفاء ومضمون النتائج لأمكن الاستغناء عنه ولما ألزمنا الشارع بالرجوع إلى الأطباء، إذ سيكون إلزامنا بالرجوع إليهم غير مبرر ما دام لدينا طريق مباشر وبعيد عن مشاق التداوي وتكاليفه الباهظة. وهكذا فإنّ الله تعالى ألزم الناس بطلب الرزق، ولم يقبل منهم أن يطلبوا الرزق بالدعاء والجلوس في بيوتهم، مع أنّه لو كان ثمة باب مستقل لطلب الرزق من خلال الدعاء لما كان هذا الشخص ملوماً، بل إنّه قد ورد في بعض الروايات أنّ شخصاً كهذا لا يستجاب دعاؤه، ففي الحديث عن الإمام الصادق (ع): "عَنِ النَّبِيِّ (ص) إِنَّ أَصْنَافاً مِنْ أُمَّتِي لَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ دُعَاؤُهُمْ رَجُلٌ يَدْعُو عَلَى وَالِدَيْه ورَجُلٌ يَدْعُو عَلَى غَرِيمٍ ذَهَبَ لَه بِمَالٍ فَلَمْ يَكْتُبْ عَلَيْه ولَمْ يُشْهِدْ عَلَيْه ورَجُلٌ يَدْعُو عَلَى امْرَأَتِه وقَدْ جَعَلَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ تَخْلِيَةَ سَبِيلِهَا بِيَدِه ورَجُلٌ يَقْعُدُ فِي بَيْتِه ويَقُولُ رَبِّ ارْزُقْنِي ولَا يَخْرُجُ ولَا يَطْلُبُ الرِّزْقَ فَيَقُولُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ لَه عَبْدِي ألَمْ أَجْعَلْ لَكَ السَّبِيلَ إِلَى الطَّلَبِ والضَّرْبِ فِي الأَرْضِ بِجَوَارِحَ صَحِيحَةٍ فَتَكُونَ قَدْ أُعْذِرْتَ فِيمَا بَيْنِي وبَيْنَكَ فِي الطَّلَبِ لِاتِّبَاعِ أَمْرِي ولِكَيْلَا تَكُونَ كَلاًّ عَلَى أَهْلِكَ فَإِنْ شِئْتُ رَزَقْتُكَ وإِنْ شِئْتُ قَتَّرْتُ عَلَيْكَ وأَنْتَ غَيْرُ مَعْذُورٍ عِنْدِي ورَجُلٌ رَزَقَه اللَّه مَالاً كَثِيراً فَأَنْفَقَه ثُمَّ أَقْبَلَ يَدْعُو يَا رَبِّ ارْزُقْنِي فَيَقُولُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ ألَمْ أَرْزُقْكَ رِزْقاً وَاسِعاً فَهَلَّا اقْتَصَدْتَ فِيه كَمَا أَمَرْتُكَ ولِمَ تُسْرِفُ وقَدْ نَهَيْتُكَ عَنِ الإِسْرَافِ ورَجُلٌ يَدْعُو فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ "[5].

ومما يؤشر على عدم الاكتفاء بالدعاء عن اللجوء إلى الوسائل والأخذ بالأسباب ما دلّ على أنّ استجابة الدعاء ليست مضمونة، بل لها ضوابطها وشروطها، كما لها موانعها، ولعل أحد أسباب عدم استجابة الدعاء بشكل تام هو الحؤول دون ترك الناس للأسباب الطبيعية واللجوء إلى الدعاء في عمليات الاستشفاء وطلب الرزق، الأمر الذي يزهّد الناس في الإقبال على الأخذ بأسباب العلم من علم الطبّ أو غيره.

وقد اتضح أننا لم نلغ دور الدعاء أبداً، بل هو باب أمل كبير يظلّ مفتوحاً أمام العباد، وثمرته جلية وكبيرة، وهي ليست ثمرة إيمانية وأخروية فحسب، بل هي ثمرة فعليّة، فالدعاء كثيراً ما يساعد الإنسان نفسياً ومعنوياً، على نحو جزء العلة، بحيث إذا اجتمع مع الأخذ بالأسباب يؤثر أثراً كاملاً، كما يمكن أن يؤثر تأثيراً تاماً، وذلك في حالات الكرامة، ومن الطبيعي أنّ الشخص الداعي حيث إنّه غالباً ما يحتمل أو يظن بأنّه ممن يستجاب له، سواء كان آيساً من الأسباب الطبيعية أو غير آيس فسوف يجد حافزاً قوياً للرجوع واللجوء إلى الدعاء والذكر ونحو ذلك، ولهذا يجدر به اللجوء إلى الله تعالى، باعتباره مسبب الأسباب، ومن جهة أخرى، فإنّه حيث لا يُحرز أن طريق الدعاء مضمون بشكل تام وأنه سوف يستجاب له، فلا يصح له الاكتفاء بالدعاء في الموارد التي يكون الرجوع إلى المداواة بالأسباب ضرورياً، ومتاحاً، نعم لو كان الشخص آيساً من الأسباب الطبيعية فسيكون اللجوء إلى الدعاء أكثر أهمية ووضوحاً، وذلك كمن لو كان الشخص مريضاً بمرض عضال، ولم يكن بوسعه أن يدفع نفقات العلاج الباهضة ، أو كان من ركاب طائرة آيلة للسقوط دون أن يمتلكوا وسيلة إنقاذ، أو من ركاب باخرة وسط بحر هائج مائج ورياح عاتية مدمرة وما شاكل.

وفي ضوء ذلك فإنّ ما جاء في الآيات والروايات حول استجابة الدعاء لا تنافي ما قلناه لأنها تتحدث عن حالة لها شروطها وضوابطها.

  1. المفيد وتوقيفية الطب!

هذا ولكنّ للشيخ المفيد رأياً مختلفاً في الطبّ لا يخلو من غرابة، إنْ حمل على ظاهره، وحاصل ما يراه: أنّ مسألة الطب والمداواة مسألة توقيفيّة، ترتبط بالوحي دون سواه، قال رحمه الله:

"الطب صحيح، والعلم به ثابت، وطريقه الوحي، وإنّما أخذه العلماء عن الأنبياء (ع)، وذلك أنّه لا طريق إلى علم حقيقة الداء إلا بالسمع، ولا سبيل إلى معرفة الدواء إلاّ بالتوقيف، فثبت أنّ طريق ذلك هو السمع عن العالم بالخفيات تعالى"[6].

وبالإمكان أن نثير أمام هذا الكلام عدة ملاحظات:

أولاً: أنّ الأخذ به على ظاهره، والالتزام بتوقيفية علم الطب، وأنّ طريقه هو الوحي فحسب، يعني نسف علم الطب وإلغائه من رأس، والتنكر لكلّ الجهود العلميّة الطبية الهادفة للتعرف على أسباب الداء، وخصائص الدواء من خلال التجربة والملاحظة.

ثانياً: إن الداء هو اعتلال جسدي له أسبابه الطبيعية المفهومة، أو التي يمكن تفهمها والتعرف عليها، كما أنّ الدواء هو علاج ومضاد يحوي خصائص طبيعية معينة، من شأنها في حال اكتشافها واستخدامها القضاء على المرض أو محاصرته، فلا الداء أمر غيبي ولا الدواء أمر توقيفي، و عليه فالسبيل الأمثل لمعرفة المرض وأعراضه، والدواء وخصائصه، هو التجربة والملاحظة الدقيقة، لا الوحي والغيب، لأنّ النبيّ محمد (ص) كغيره من الأنبياء لم يُبعث طبيباً، بل بُعث هادياً ورسولاً للناس كافة، أجل هو طبيب النفوس والقلوب، كما وصفه علي (ع) فيما روي عنه: "طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّه قَدْ أَحْكَمَ مَرَاهِمَه، وأَحْمَى مَوَاسِمَه يَضَعُ ذَلِكَ حَيْثُ الْحَاجَةُ إِلَيْه، مِنْ قُلُوبٍ عُمْيٍ وآذَانٍ صُمٍّ، وأَلْسِنَةٍ بُكْمٍ، مُتَتَبِّعٌ بِدَوَائِه مَوَاضِعَ الْغَفْلَةِ، ومَوَاطِنَ الْحَيْرَةِ".[7]

ثالثاً: إن الروايات الواردة عن النبي (ص) والأئمة من أهل بيته لا تساعد على القول بتوقيفية الطب، ونذكر مجموعتين من هذه الأخبار:

الأولى: ما دلّ على لزوم التداوي

 وروايات هذه المجموعة الحاثة على الرجوع إلى الأطباء تؤكد مبدأ الرجوع إلى أهل الخبرة والتخصص، وتشهد لمبدأ العليّة المتقدم، وإلا لو كان الطب أمراً تعبدياً وغيبياً فلا موجب لذلك، ومن أخبار هذه المجموعة:

الرواية الأولى: خبر ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ: "كَانَ الْمَسِيحُ (ع) يَقُولُ: إِنَّ التَّارِكَ شِفَاءَ الْمَجْرُوحِ مِنْ جُرْحِه شَرِيكٌ لِجَارِحِه لَا مَحَالَةَ .."[8].

الرواية الثانية: إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْحَسَنِ الْمُتَطَبِّبِ قَالَ قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه ع إِنِّي رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ ولِيَ بِالطِّبِّ بَصَرٌ وطِبِّي طِبٌّ عَرَبِيٌّ ولَسْتُ آخُذُ عَلَيْه صَفَداً فَقَالَ: لَا بَأْسَ، قُلْتُ: إِنَّا نَبُطُّ الْجُرْحَ ونَكْوِي بِالنَّارِ، قَالَ: لَا بَأْسَ، قُلْتُ: ونَسْقِي هَذِه السُّمُومَ الأَسْمَحِيقُونَ والْغَارِيقُونَ، قَالَ: لَا بَأْسَ، قُلْتُ: إِنَّه رُبَّمَا مَاتَ! قَالَ: وإِنْ مَاتَ، قُلْتُ: نَسْقِي عَلَيْه النَّبِيذَ؟ قَالَ: لَيْسَ فِي حَرَامٍ شِفَاءٌ، قَدِ اشْتَكَى رَسُولُ اللَّه (ص) فَقَالَتْ لَه عَائِشَةُ: بِكَ ذَاتُ الْجَنْبِ، فَقَالَ أَنَا أَكْرَمُ عَلَى اللَّه عَزَّ وجَلّ، مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَنِي بِذَاتِ الْجَنْبِ، قَالَ فَأَمَرَ فَلُدَّ بِصَبِرٍ"[9].

الرواية الثالثة: وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : "إنّ نبياً من الأنبياء مرض فقال : لا أتداوى حتى يكون الذي أمرضني هو الذي يشفيني ، فأوحى الله عز وجل لا أشفيك حتى تتداوى فإنّ الشفاء مني والدواء مني، فجعل يتداوي فأتى الشفاء"[10].

الرواية الرابعة: وروى ابنا بسطام في " طب الأئمة (ع)" عن جعفر بن عبد الواحد، عن النضر بن سويد ، عن عاصم بن حميد ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر ( ع ) هل يعالج ؟ فقال : نعم ، إن الله جعل في الدواء بركة وشفاء وخيراً كثيراً، وما على الرجل أن يتداوى ، فلا بأس به"[11].

الرواية الخامسة: وفي "طب الأئمة (ع)" ، عن محمد بن إبراهيم العلوي ، عن أبيه إبراهيم بن محمد ، عن أبي الحسن العسكري ( ع ) ، عن آبائه قال : قيل للصادق ( ع ) : الرجل يكتوي بالنار وربما قتل وربما تخلص ؟ قال : قد اكتوى رجل على عهد رسول الله ( ص ) وهو قائم على رأسه"[12].

الرواية السادسة: موثق يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه ع الرَّجُلُ يَشْرَبُ الدَّوَاءَ ويَقْطَعُ الْعِرْقَ ورُبَّمَا انْتَفَعَ بِه ورُبَّمَا قَتَلَه قَالَ يَقْطَعُ ويَشْرَبُ"[13].

الرواية السابعة: خبر يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشرب الدواء وربما قتله وربما يسلم منه وما يسلم أكثر؟ قال : فقال: أنزل الله الداء وأنزل الشفاء وما خلق الله داءً إلا جعل له دواء فاشربه وسمّ الله تعالى"[14].

الرواية الثامنة: في قرب الإسناد ، عن الحسن بن ظريف ، عن الحسين بن علوان، عن جعفر ، عن أبيه ( ع ) ، عن جابر قال : قيل : يا رسول الله أنتداوى ؟ قال : نعم، فتداووا فإنّ الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء.."[15].

الثانية: النبي ( ص) والأئمة (ع) يراجعون الأطباء

وإنّ خير دليل على صحة ما ذكرناه، من أنه لا تعبّد في قضايا الطب، لجهة استعمال الدواء أو تشخيص الداء، هو ما جاء في سيرة النبي (ص) و أهل بيته(ع)، فقد أمروا بالتداوي، لأنّ الذي "خلق الداء خلق الدواء"، ولم يسجل التاريخ لهم(ع) موقفا سلبياً من الطبّ والأطباء، بل كانوا أنفسهم يستدعون الأطباء للمعالجة أو يأذنون بذلك، ولا يمانعون منه إذا ابتلوا هم أو أصحابهم ببعض الأمراض، ففي الحديث عن الإمام الصادق (ع) إنّ قوماً من الأنصار، قالوا: يا رسول الله إنّ لنا جاراً اشتكى بطنه، أفتأذن لنا أن نداويه؟ قال :بماذا تداوونه؟ قالوا: يهودي عندنا يعالح من هذه العلّة، قال:  بماذا؟ قالوا: يشقّ بطنه فيستخرج منه شيئاً، فكره ذلك رسول الله(ص)، فعاودوه مرتين أو ثلاثاً، فقال: افعلوا ما شئتم، فدعوا اليهودي فشقّ بطنه، و نزع منه رجرجاً كثيراً، ثم غسل بطنه، ثم خاطه وداواه، فصح، فأخبر النبي(ص) فقال: "إنّ الذي خلق الأدواء خلق لها دواء.[16]"

وقد روي عن السيد عائشة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره أو في آخر عمره فكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه فتنعت له الانعات وكنت أعالجها له"[17].

وأخرج مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم، أن رجلاً في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابه جرح، فاحتقن الجرح الدم. وأنّ الرجل دعا رجلين من بنى أنمار. فنظرا إليه. فزعما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما: أيكما أطب؟ فقالا: أو في الطب خير يا رسول الله؟ فزعم زيد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء"[18].

وفي الحديث أنّ علياً (ع) لما ضربه ابن ملجم بالسيف على رأسه "جُمع له أطباء الكوفة، فلم يكن منهم أحد أعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هاني السكوني، وكان مطبباً صاحب كرسي يعالج الجراحات، وكان من الأربعين غلاماً الذين كان خالد بن الوليد أصابهم في عين التمر فسباهم، وإنّ أثيراً لمّا نظر إلى جرح أمير المؤمنين(ع) دعا برئة شاة حارة واستخرج عرقاً منها، فأدخله في الجرح، ثم استخرجه، فإذا عليه بياض الدماغ، فقال له: "يا أمير المؤمنين إعهدْ عهدك، فإنّ عدو الله قد وصلت ضربته إلى أمّ رأسك، فدعا علي(ع) عند ذلك بصحيفة ودواة وكتب وصيته.[19]"

وفي خبر محمد بن سنان ، عن الرضا ( ع ) قال: سمعت موسى بن جعفر ( ع ) وقد اشتكى، فجاء المترفقون بالأدوية ، يعنى الأطباء.."[20].

هكذا تأخّر المسلمون!

وهكذا فليس غريباً أن يتأخر المسلمون في علم الطب، بعد أن كانوا رواداً في هذا المجال وأغنوا بمؤلفاتهم التراث الطبي في الشرق والغرب، كما يقول الدكتور فليب حتي[21]، ليس مستغرباً أن يتأخروا، بعد أن سادت بينهم فكرة الطب التعبدي، الذي يفتشّ أصحابه عن طرق وأساليب المداواة في النصوص والروايات، بدل التعرف على أسباب الأمراض وعوارضها، اعتماداً على التجربة والملاحظة الحسية، ومن ثم يعمل على اكتشاف مضادتها الحيوية، من خلال ما أودعه الله في هذا الكون الفسيح، من مكونات الشفاء وخصائصه.

ويحضرنا هنا نصٌّ لأحد علماء المسلمين وهو الشيخ محمد القرشي المعروف بابن الأخوة المتوفّى عام 729هـ في كتابه "معالم القربة في أحكام الحسبة" حيث يتحدّث عن عزوف المسلمين عن علم الطب مع أنّه من فروض الكفاية، بل لم يجد في مرحلته الزمنية تلك طبيباً في بلاد المسلمين إلا وهو من أهل الذمّة! ويضيف: "ولا نرى أحداً يشتغل به (علم الطب) ويتهافتون (يقصد طلاب العلم المسلمين) على علم الفقه، ولا سيما الخلافيّات والجدليّات، والبلد مشحون من الفقهاء ممّن يشتغل بالفتوى والجواب عن الوقائع، فليت شعري كيف يرخّص الدين في الاشتغال بفرض كفاية قد قام به جماعة (يقصد علم الفقه) وإهمال ما لا قائم به!" ويقصد علم الطب، وبعد أن يطرح سؤالاً عن سبب إهمال علم الطب، فإنّه يقدّم جواباً صريحاً عن ذلك مفاده أنّ علم الطب لا يشكّل وسيلة للسلطة، وفحوى كلامه أنّ علم الفقه قد أصبح آلة للدنيا ووسيلة للسلطة! يقول: "هل لهذا سبب؟ إلّا أنّ الطبّ ليس يتيسّر التوصّل به إلى تولّي القضاء والحكومة والتقدّم به على الأقران، والتسلّط به على الأعداء"[22].  

وليس أقل غرابة من ذلك، انتشار فكرة التداوي بالتمائم والأحراز، أو تلاوة سور القرآن الكريم، اعتماداً على نظرة خاطئة، وفهم مبتور لبعض الآيات والروايات التي تؤكد على ضرورة اللجوء إلى الله سبحانه، وطلب العون منه، بما لا ينافي مبدأ الأسباب والمسببات كما تقدّم.

وقد وصل الأمر ببعض الناس إلى حدّ الاستشكال في مراجعة الأطباء، لأنّ ذلك بزعمهم ينافي إخلاص التوحيد لله سبحانه، لأنه هو الشافي والمعافي وبيده الأمور كلّها، مع أنّ من الواضح أنّ استعمال الدواء والرجوع إلى أهل الخبرة من الأطباء، لا ينافي كون الله هو الشافي، باعتبار أنه تعالى هو الذي خلق خاصية الشفاء في الدواء، وهو علّة العلل.

دليل معارض

وفي المقابل، فقد يستدل للقول بتوقيفة الطب بما ورد في بعض الأخبار حول أنّ الطبيب هو الله تعالى، من قبيل: صحيح زِيَادِ بْنِ أَبِي الْحَلَّالِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قَالَ مُوسَى (ع): يَا رَبِّ مِنْ أَيْنَ الدَّاءُ؟ قَالَ مِنِّي. قَالَ: فَالشِّفَاءُ؟ قَالَ: مِنِّي. قَالَ: فَمَا يَصْنَعُ عِبَادُكَ بِالْمُعَالِجِ؟ قَالَ: يَطِيبُ بِأَنْفُسِهِمْ فَيَوْمَئِذٍ سُمِّيَ الْمُعَالِجُ الطَّبِيبَ"[23].

ولكن يلاحظ على هذه الرواية:

أولاً: إنّها لو حملت على ظاهرها من أنّ الطب لا دور له في العلاج وإنّما دوره نفسي فحسب فلا يمكننا القبول بهذا الظاهر، لمخالفته للمحسوس وما أصبح شبه بديهي عن أن الداء له أسبابه المادية القابلة للعلاج من خلال بعض العناصر التي أودعها الله في هذه الطبيعة.   

ثانياً: إنّ تفسير الطبيب بما جاء فيها ينطوي على مغالطة لغوية، يقول الشيخ يوسف البحراني: "لا يخفى ما في هذا الحديث من الإشكال ، إذ لا يظهر هنا وجه مناسبة بين المشتق والمشتق منه ، فإنّ أحدهما من " طيب " بالياء المثناة والآخر من " طبب " بالبائين الموحدتين ، ولعل قوله (عليه السلام) : " تطيب أنفسهم " إنما هو بالبائين لا بالياء ، فإن الطب كما يكون للبدن يكون للنفس أيضا كما قال في القاموس: " الطب مثلث الطاء : علاج الجسم والنفس " فالاشتقاق متجه، وما في النسخ من الكتابة بالياء المثناة من تحت في اللفظ المشار إليه، فالظاهر أنه غلط من النساخ"[24].

  1. نظرة تأملية في الروايات الطبية

وبعد هذا الكلام حول علاقة الوحي بالطب، لا بدّ لنا أن نطلّ على تراثنا الإسلامي الذي يضمّ مجموعة وفيرة من الروايات الواردة عن النبي (ص) والأئمة من أهل البيت (ص)، وتتحدّث عن خصائص الأدوية والعقاقير، وكيفية التداوي بالأعشاب وغيرها، وبيان منافعها ومضارها، أو حول التداوي بالقرآن الكريم.. وقد ألّفت في هذا الصّدد مصنّفات عديدة مثل كتاب "طبّ الأئمّة" لابني بسطام، و"طب الإمام الرّضا (ع)" المعروف بالرسالة الذّهبيّة، و"طبّ الإمام الصّادق(ع)"[25]، وطب الأئمة للسيد عبد اللله شبر، وكذا "الطّب النبويّ" لابن القيم الجوزية، إلى غير ذلك من العناوين والأسماء التي كثر تداولها مؤخراً، وراج سوقها، كتابة وطباعة، وقراءة وعملاً بمضمونها.

وفي تقييم عام وأوّلي لتراثنا الطبي يمكننا تصنيفه إلى عدّة مجاميع:

  • التداوي بالقرآن

المجموعة الأولى: هي الروايات التي تحثّ على المداواة بالقرآن وسوره وآياته، وتَعتبر أنّ ذلك هو الأسلوب الناجع، وربما الوحيد في معالجة الأمراض، ويتبنّى هذا الاعتقاد بعض العلماء، ومنهم الشيخ الصدوق رحمه الله، حيث قال:

"وأمّا أدوية العلل الصحيحة عن الأئمة (ع)، فهي آيات القرآن، وسوره، والأدعية على حسب ما وردت به الآثار بالأسانيد القوية والطرق الصحيحة .[26]

ويعتمد أصحاب هذا الاعتقاد أو الاتجاه على ما ورد في الكتاب والسنة، مما يؤكّد أنّ الشفاء بيد الله تعالى، أما ما ورد في القرآن فهو من قبيل قوله سبحانه: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين} [الشعراء 80]، وقوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً} [الإسراء 82]، وأمّا السنة فمن قبيل ما رواه الحسين بن بسطام وأخوه عبد الله في ( طب الأئمة عليهم السلام ) عن محمد بن يزيد الكوفي عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال سألته عن رقية العقرب والحية والنشرة ورقية المجنون والمسحور الذي يعذب فقال : يا بن سنان لا بأس بالرقية والعوذة والنشرة إذا كانت من القرآن ومن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله وهل شئ أبلغ في هذه الأشياء من القرآن ؟ أليس الله يقول:{ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} [الإسراء: 82] ؟ أليس يقول الله جل ثناؤه: { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله} [الحشر: 21] ؟ وسلونا نعلمكم ونوفقكم على قوارع القرآن لكل داء"[27].

ولكن هذا الاعتقاد غير دقيق بنظرنا، فالتداوي بآيات القرآن وسوره، أمر غير ثابت، ويفتقر إلى الدليل الصحيح.

وأمّا قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82]، فلا يُراد به - بحسب الظاهر - أنّ القرآن الكريم عقار ودواء لأمراض الجسد، وإنّما هو شفاء لأمراض القلوب والأرواح، وأمراض المجتمع، فعن أمير المؤمنين(ع): "إنّ في القرآن شفاءً من أكبر الداء، وهو الكفر والنفاق والبغي والضلال"[28].

يقول العلامة الطباطبائي رحمه الله في تفسير الآية المتقدمة: فالقرآن شفاء ورحمة للقلوب المريضة، كما أنّه هدى ورحمة للنفوس غير الآمنة من الضلال، وبذلك تظهر النكتة في ترتب الرحمة على الشفاء"، ويضيف: "فمعنى قوله: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} [الإسراء 82]: وننزل إليك أمراً يشفي أمراض القلوب ويزيلها، ويعيد إليها حالة الصحة والاستقامة، فتتمتّع بنعمة السعادة والكرامة" .[29]

وأمّا الروايات الواردة في الاستشفاء بآيات القرآن الكريم، فيلاحظ على الاستدلال بها:

أولاً: أنّها - بحسب التتبع - ضعيفة الإسناد، ومنها الرواية المتقدمة، ومنها مرسلة ابني سابور في طب الأئمة، عن أبي عبد الله(ع): "ما اشتكى أحد من المؤمنين شكاة قط، فقال بإخلاص نية، ومسح موضع العلّة: {ونُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً} [الإسراء: 82] إلاّ عُوفيَ من تلك العلة، أية علة، ومصداق ذلك في الآية حيث يقول: {شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}"[30].

ثانياً: أنه لو استظهر منها أنّها بصدد بيان العلّة المستقلة والمنحصرة للشفاء فيكون مضمونها مقطوع الفساد فلا بدّ من ردّها، فنحن نعلم حساً وجود علل أخرى أودع الله فيها خاصية الشفاء، وأما لو استظهر منها أنها بصدد بيان العلة التامة غير المنحصرة  فهذا مما يحتاج إلى دليل صالح لإثبات ذلك، وما ذكر لا ينهض بإثباته، لا يمكن القول بعدم تمامية ذلك، لأنّ معنى كونها علة مستقلة أنه يكتفي المؤمنون بها عند التداوي والحال أنّه لا يمكن الاكتفاء بها في حالات المرض الذي يكون ترك الرجوع فيه إلى الأسباب الأخرى للتدوي معرضاً للنفس للخطر. ولا يبعد أنّ تكون هذه الروايات - فيما لو صحت - بصدد بيان أنّ لآيات القرآن الكريم ها دوراً نفسياً يؤثر بشكل إيجابي على المريض المعتقد بها، وهذا أمر لا شك فيه. فيكون سبيلها سبيل الروايات الواردة في مسألة التداوي بالأحراز والرقى والعوذات، مما يأتي الحديث عنه في الملاحظة الثالثة التي نسجلها على المجموعة الثانية. 

  • التداوي بالأحراز والرقى

المجموعة الثانية: ما ورد حول التداوي بالرقى والتمائم والأحراز .. وقد نقلها العلماء في كتب الأدعية وكذلك في كتب الحديث، فذكروا لكلّ داء رقية، ولكلّ وجع عوذة، قال في النهاية : "قد تكرر ذكر الرقية والرقى والرقي والاسترقاء في الحديث والرقية: العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع وغير ذلك من الآفات"[31].

وملاحظتنا على هذه الروايات:

أولاً: ضعف السند، فهذه الأخبار على كثرتها لم يعثر فيها على خبر صحيح[32]، وهي في معظمها مروية في طب الأئمة (ع)، ولم يوردها أصحاب المجاميع الحديثية المعروفة، كالمحمدين الثلاثة.

وثانياً: استخدام الرقى والأحراز ليس محرماً شرط أن لا يكون فيه إشراك، أو استخدام أمور محرمة، وهذا واضح ودليله بيّن، فهو على طبق القاعدة، وتؤيده بعض الأخبار، من قبيل: محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) أنتعوذ بشئ من هذه الرقي ؟ قال: لا ، إلا من القرآن إنّ علياً ( عليه السلام ) كان يقول: إنّ كثيراً من الرقى والتمايم من الإشراك"[33].

وفي خبر جعفر بن عبد الله بن ميمون السعدي، قال حدثنا نصر بن يزيد القاسم[34]

قال: قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام ): "إنّ كثيراً من التمايم شرك"[35].

وفي الحديث الذي رواه الحميري بإسناده عن جعفر عن أبيه أنّ علياً (عليه السلام) سئل: عن التعويذ يعلّق على الصبيان؟ فقال: علقوا ما شئتم إذا كان فيه ذكر الله" [36].

وبالإضافة إلى ذلك، فتذكر بعض الأخبار شرطاً آخر لاستخدام الرقى والأحراز وهو أن يسترقي بما يعرفه، ففي الحديث المروي في قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن العلوي عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن المريض، يكوي أو يسترقي؟ قال: لا بأس إذا استرقى بما يعرفه"[37].

 وقد ذكر المجلسي وجهان في تفسير قوله (ع):" بما يعرفه " وهما:

  • "بما يعرف معناه من القرآن والأدعية والأذكار، لا بما لا يعرفه من الأسماء السريانية والعربية والهندية وأمثالها كالمناظر المعروفة في الهند . إذ لعلها يكون كفرا وهذياناً".
  •  "ما يعرف حسنه بخبر أو أثر ورد فيه ، والأول أظهر . والأحوط أن لا يكون معه نفث لا سيما إذا كان في عقدة"[38].

ونفي البأس في هذا الخبر وغيره[39] عن استعمال التمائم، إنما هو في مقام نفي احتمال الحظر.

ثالثاً: والملاحظة الأساسية على هذه الروايات، أنّها كما يظهر للمتأمل في ألسنتها[40] لا ترمي إلى القول بارتباط الشفاء بشكل مباشر بالأحراز أوالرقى أو العوذات ونحوها، بل تهدف إلى تأكيد مبدأ الإرتباط بالله تعالى، واللجوء إليه في كلّ المصاعب والشدائد، ومن الطبيعي أنّ هذا اللجوء إلى الله تعالى له تأثير بالغ في تحقيق حال من الاستقرار النفسي والروحي لدى الشخص، وهذا يسهم في حصول الشفاء ولو بشكلٍ غير مباشر، لأنّ من الثابت علمياً والمشاهد بالعيان، أنّ الألم أو التوتر النفسي الذي يصيب الإنسان بفعل الحزن والخوف والاضطراب والقلق هو منشأ الكثير من الأمراض، كما أنه يمكّن المرض من الفتك بجسم الإنسان، ما يجعل الدواء غير ذي جدوى، إلاّ إذا اقترن بتقبّل المريض لمرضه، وإنّ أفضل أسلوب يعتمده الإنسان في محاولة التغلّب على المرض، هو اللجوء إلى الله، والركون إلى حسن تدبيره وقضائه، ومن هنا تأتي هذه الأدعية والأحراز والعوذات، كغذاء روحي ونفسي يبعث على الأمل والتفاؤل لدى المريض، ويحضّه على التسليم بما قسم له الله تعالى، مما يساعده على التوازن وعدم السقوط أمام المرض، أمّا أن يكون لها تأثير مباشر ومستقلّ في الشفاء، بعيداً عن قانون العلّية وعن الأخذ بالأسباب الطبيعية، فهذا أمر لا تساعد عليه الأدلّة، ولا هو ثابت إلاّ على نحو الكرامة، وهي حالة استثنائية ونادرة، كما أسلفنا، وما قلناه هنا يجري بعينه في الطائفة الأولى، أعني ما ورد في الاستشفاء بالقرآن الكريم.

  • ما ورد حول التداوي وشروطه الشرعية

المجموعة الثالثة: ما ورد في موضوع التداوي، والأخبار هنا يمكن تصنيفها أيضاً إلى عدة أصناف:

الصنف الأول: الأخبار التي أمرت بالتداوي والاستشفاء، ورواياتها كثيرة، وقد قدمنا العديد منها، وقلنا إنّ هذه الطائفة لا ريب في صحتها وانسجامها مع قواعد الشريعة وقانون السببية الحاكم على هذه الكون.

ضوابطه وشروطه الشرعية، وقد مرت العديد من

الصنف الثاني: ما دلّ على ترك المسارعة إلى استخدام الأدوية، وروايات هذه الطائفة لا تثير إشكالية، لأنها ناظرة إلى ما تؤكده التجارب من أن للدواء مضاعفات جانبيّة وأضرار صحية، فلا ينبغي استخدامه إلا عند الضرورة، وطبيعي أنّ ذلك لا يشمل الأمراض التي يؤدي ترك معالجتها إلى استفحالها وتفاقمها بحيث يكون معالحجتها في بدايتها سبباً لدرء الخطر المهلك في حال ترك العلاج، وروايت هذه الطائفة كثيرة[41].

الصنف الثالث: ما منع من التداوي بالحرام، كالخمر أو النبيذ أو غيرهما مما حرم الله تعالى، وأخبارها كثيرة، ولكن الفقهاء حملوها هلى عدم انحصار التداوي بالحرام، وإلا جاز على مقتضى القاعدة من أن الضرورات تبيح المحظورات.

الصنف الرابع: ما يتصل بضمان الطبيب إذا أفسد، من قبيل ما روي عن الإمام عليّ ( عليه السلام ) : مَن تَطَبَّب أو تَبَيطَرَ ، فَليَأخُذِ البَراءَةَ مِن وَلِيِّهِ ، وإلاّ فَهُوَ لَهُ

ضامِنٌ"[42].

 إلى غيرها من أصناف الروايات الواردة في هذا السياق.

  • الآداب الشرعية

المجموعة الرابعة: ما يندرج في سياق الآداب الشرعية، التي يحثّ عليها الإسلام ويرّغب بها، وذلك من قبيل:

  1. التسمية قبيل الطعام، ففي الحديث عن أمير المؤمنين علي (ع) في وصيته لكميل: "إذا أكلت الطعام فسم باسم الذي لا يضرّ مع اسمه داء..[43]".
  2. الحثّ على الأكل باليمين أو أن يأكل المرء مما يليه، فعن رسول الله (ص) مخاطباً أحدهم: "سمّ الله، وكلْ بيمينك، وكلْ مما يليك"[44].
  3.  الحث على خلع النعال أثناء الطعام، فعن رسول الله (ص): "اخلعوا نعالكم عند الطعام فإنّه سنُّة جميلة"[45].
  4.  ما ورد حول كراهة الأكل متكئاً[46]، أو ماشياً[47].
  5. احترام النعمة، فلا يقطع الخبز بالسكين، ولا يرمى على الأرض، ولا يوضع عليه شيء حتى القدر الخاص بالطعام.
  6. الجلوس باتجاه القبلة[48].

إلى غير ذلك من التعاليم والآداب والرسوم، والتي يجدر بالمرء المسلم مراعاتها، لأنّها تندرج في سياق السنن الإسلاميّة الطيّبة وبعض ما تقدم وتحديداً ما تقدم في الفقرتين الأولى والثانية هو من السنن العامة التي لا تختصّ بالمائدة.

  • النصائح والإرشادات الطبيّة

المجموعة الخامسة: ما يندرج ويصنّف في دائرة النصائح الطبيّة والإرشادات الصحيّة العامة، التي أثبت كل من التجربة والعلم صحتها، والأخبار الواردة في هذا المقام تشكّل مجموعة لا بأس بها من قبيل:

  1. ما ورد عن رسول الله(ص): "المعدة بيت كلّ داء والحِمْيَة رأس كلّ دواء"[49]، ورُويت هذه الحكمة عن الإمام علي(ع)[50]، وقيل: إنّها من حكم الحرث بن كلدة، طبيب العرب المشهور[51]. وتشير بعض الروايات أن الحمية لا تقتضي ترك الأكل من رأس بل تنظيم عملية الأكل وترك الإكثار منه، فعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ليست الحمية من الشئ تركه إنما الحمية من الشيء الاقلال منه"[52]، وهذا ما يؤكد عليه أهل الخبرة في عصرنا.
  2.  ما ورد حول تأثير الصوم الإيجابي على الصحة، كما في قول النبي (ص) -فيما روي عنه -: "صوموا تصحّوا"[53].
  3. الإرشاد إلى عدم الأكل على الشبع، أو الدعوة إلى تجويد المضغ، أو عرض الإنسان نفسه على الخلاء قبل النوم، فقد ورد في الحديث عن الإمام علي (ع) من وصيته لابنه الحسن(ع): "يا بني ألا أعلّمك أربع خصال تستغني بها عن الطب؟ فقال: بلى يا أمير المؤمنين(ع)، قال: لا تجلس على الطعام إلا وأنت جائع، ولا تقم عن الطعام إلا وأنت تشتهيه، وجوّد المضغ، وإذا نمت فاعرض نفسك على الخلاء.[54]"
  4. ما ورد عن علي (ع) في السياق عينه:" كم من أكلة منعت أكلات"[55].
  5. ما ورد في الحثّ على غسل اليدين قبل الطعام وبعده، ففي الحديث عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع): "غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ وبَعْدَه زِيَادَةٌ فِي الْعُمُرِ وإِمَاطَةٌ لِلْغَمَرِ[56] عَنِ الثِّيَابِ ويَجْلُو الْبَصَرَ"[57].
  6. وورد عن علي (ع) :" الهم نصف الهرم"[58].
  7. الدعوة العامة إلى ااهتمام بنظافة الجسد والبيت والمسجد وغير ذلك.

إلى غير ذلك من الوصايا ذات الطابع الوقائي، مما أثبتت التجربة صحّتها، وأكّدها أهل الاختصاص، وهذه المجموعة لا تثير إشكالية في المقام، بل هي تشكّل شاهد صدق لصالح الرسول (ص) والرسالة، ولعلّ الله تعالى أراد تعليم أوليائه هذه القضايا تعزيزاً لموقعهم، ولأنّ إرادة الله تعالى ربما اقتضت أنّ يظهر للعباد شيئاً من الإعجاز الغيبي على يدي نبيّه (ص) تأكيداً لصدقية خاتم الأنبياء وصاحب الرسالة الخاتمة.

على أن صحة الجسد هي مسؤولية شرعية، ولا يجوز للإنسان التفريط بصحته، وأن يورد نفسه موارد الهلكة، فالله تعالى يريد للمؤمن أن يكون صحيح الجسد والبنية، ومتوازناً من الناحية النفسية والعقلية، لأنه بذلك يكون أقدر على القيام بمشروع خلافة الله على الأرض.

  • الأخلاقيات الطبية

المجموعة السادسة: هي الأخبار التي يتمحور مضمونها حول ما يسمى بالأخلاقيات الطبية، التي تتحدث عن مواصفات الطبيب وضرورة تنزهه عن الأطماع، وكذلك ما يتصل بتنظيم العلاقة مع المريض، وآداب التعامل معه، وقد تطرقنا إلى بعضها في كتاب "من حقوق الإنسان في الإسلام"، فراجع.

  • الآثار الوضعية غير الصحية

المجموعة السابعة: ولدينا مجموعة من الأخبار تشير إلى آثار وضعية تترتب على أكل أو الإستفادة من الكثير من الثمار أو البقول أو النباتات غيرها، وذلك من قبيل ما ورد في أكل العنب مثلاً، حيث تتحدث العديد من الأخبار عن أنّ أكله يذهب الغم[59]. وأنّ أكلَ السفرجل، يقوي القلب، ويورث الشجاعة[60]، إلى عشرات الروايات الواردة في شأن خواص الأطعمة والأشربة والفواكه والأعشاب والمياه وغيرها.

وهنا الطائفة قد تكون واردة على نحو بيان المقتضي.

 كما أننا ندعو إلى إخضاع هذه المجموعة للدرس، فإنْ كانت الآثار الوضعية آثاراً نفسية فقد تصدقها التجربة، والبحث العلمي، فإذا كان السفرجل يقوي القلب ويساعد على كون الولد جميلاً، فهذا أمر قد تصدقه التجربة العلميّة، وليس ثمة ما يمنع من الأخذ بها تسليماً وإيماناً إذا لم يثبت من قول أهل الخبرة ضررها ولا نفي تأثيرها الإيجابي. وكيف كان فإنّ هذه الطائفة لا بد أن نتعامل إزاءها بما نتعامل به مع الطائفة الآتية في بعض الضوابط.

  • الروايات العلاجية

المجموعة الثامنة: هي الروايات التفصيلية ذات الطابع العلاجي، وهي تبلغ المئات، وربّما لامست حدود الألف[61].

وهذه المجموعة من الأخبار بحاجة إلى دراسة توثيقيّة موضوعيّة تحليليّة، بهدف غربلتها، وتصنيفها ووضعها في نصابها الصحيح، وهذه الدراسة التفصيلية وإن لم يسع المقام للقيام بها بشكلٍ تفصيلي، فإنّنا نقتصر على تسجيل عدة ملاحظات منهجية وأساسية، في التعامل معها، مع الإشارة إلى أنّ بعض هذه الملاحظات لا تختصّ بهذه الروايات بل هي ضوابط عامة، وعلينا أن نضيف إلى هذه الضوابط أو الملاحظات ملاحظة أخرى، وهي ما تقدّم في فقرة "المفيد وتوفيقية الطب"، وفي ضوء ذلك سوف يتّضح الموقف في التعامل مع هذه الأخبار.

  1.  علم الرجال والتسامح في أدلة السنن

وأول خطوة على هذا الصعيد هي عرضها على مشرحة علم الرجال، لتقييم أسانيدها ومعرفة ما يصح منها وما لا يصح، وإنّ دراسة كهذه لم تحصل لحدّ الآن، رغم أنها ضرورية، خاصة مع ملاحظة حصول الوضع والكذب في الروايات الطبية، كما سيأتي الاعتراف بذلك من أحد كبار العلماء المطّلعين والضليعين بالأحاديث  والمصنّفين فيها، عنيت بذلك الشيخ الصدوق (رحمه الله)، لكنّ الشائع عند العلماء والفقهاء عدم الاهتمام بأسانيد هذه الروايات، وأمثالها مما لا ربط له بالحكم الشرعي، وفقاً لقاعدة التسامح في أدلة السنن، يقول العلامة المجلسي وهو يقيّم مصادر كتابه "بحار الأنوار"، تعليقاً على كتاب "طب الائمة:"

"إنّه ليس في درجة سائر الكتب لجهالة مؤلفه، ولا يضر ذلك، إذ قليل منه يتعلّق بالأحكام الفرعية، وفي الأدوية والأدعية لا نحتاج إلى الأسانيد القويّة".[62]

أقول: إنّ ما ذكره عن عدم الاعتداد بكتاب طب الأئمة (ع) لجهالة مؤلفه وعدم كونه في رتبة سائر الكتب في الاعتبار هو صحيح، كما أنّ طريق النجاشي إلى صاحبي الكتاب والذي ورد أيضاً في كلام الشيخ الحر في بعض إجازاته، ضعيف بأبي الحسين صالح بن الحسين النوفلي، كما أنّ ابني بسطام (عبد الله والحسين) لم تثبت وثاقتهما، على أنّ النسخة الواصلة إلينا من الكتاب لا يؤمن من تعرضها للعبث[63].

لكن الملاحظة التي يمكن تسجيلها هنا: أنّ قاعدة التسامح المذكورة غير ثابتة، بل ثبت وهنها في علم الأصول، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنّ الروايات الطبّية وإنْ لم ترتبط بالعمل والسلوك، لكنها ترتبط بصحّة الإنسان، مما لا يصح التساهل فيها وتعريضها للمخاطر، فلا يسوغ وضع الأحاديث ذات الطابع العلاجيّ - قبل توثيقها - في متناول عامة الناس، كوصفات وإرشادات طبيّة منصوص عليها، خوفاً من آثارها السلبيّة المحتملة.

  1. احتمال الخبروية

ولو صحّت الروايات سنداً، فإنّ التساؤل الآخر الذي يطرح نفسه: ما هي علاقة النبي (ص) كمعصوم بالطب، فهل أنّ ما يصدر عنه في هذا المجال - إن ثبت صدوره - يعتبر وحياً إلهياً ينطبق عليه قوله تعالى: {إنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم  4] أم أنّ سبيله هو سبيل الخبرة المكتسبة من تجارب الحياة؟

وقد تمّت الإجابة على ذلك فيما تقدّم، وقلنا إنّه وفي خارج دائرة القضايا العقدية والشرعية فإنّ احتمال الخبروية مطروح، ومن هذه المجالات علم الطب ونحوه، فإنّ ما صدر عنه (ص) في هذا المجال يمكن أن يكون منطلقاً من موقع الخبرة التي اكتسبها (ص) من تجارب الأمم الواصلة إليه، مضافاً إلى تجربته الخاصة، ومعه تغدو الروايات الطبّية - حتى على فرض صحتها - خاضعة للسياق التاريخي والظرف الزمني الصادرة فيه، فهي تراث طبي، انطلق من ثقافة ذلك المجتمع وخبراته المتراكمة، التي أضحت ثقافة متواضعة، بالقياس إلى الثورة العلمية الكبيرة على المستوى الطبّي مما توصل إليه الإنسان في القرن الأخير. فلو ورد أن السيدة الزهراء (ع) كانت تعالج جراحات رسول الله (ص)[64] أمير المؤمنين (ع) بوضع شيء من الرماد عليها أو أنّ إماماً أمر بذلك، فهذا ليس بالضرورة أن يستفاد منه أنّ ذلك مطلوب شرعاً وأنّ هذا علاج غيبي تعبدي، وبالتالي نفتي باستحباب ذلك شرعاً وندعو إلى اعتماده كقاعدة عامة، بل علينا درس المسألة جيّدة، فربما كان الأمر المذكور مضراً في أيامنا، لاختلاف الظروف والأجسام .

هذا وقد جزم ابن خلدون بنفي كون ما أثر عنه في الطب داخلاً في الشرعيات، وإنما سبيله سبيل العاديات، قال: "والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل وليس من الوحي في شئ وإنما هو أمر كان عاديا للعرب ووقع في ذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجبلة لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل فإنه صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليعلمنا الشرائع ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات. وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع، فقال: أنتم أعلم بأمور دنياكم فلا ينبغي أن يحمل شئ من الطب الذي وقع في الأحاديث المنقولة على أنه مشروع فليس هناك ما يدل عليه اللهم إلا إذا استعمل على جهة التبرك وصدق العقد الايماني فيكون له أثر عظيم في النفع وليس ذلك في الطب المزاجي وإنما هو من آثار الكلمة الايمانية".  وقد عرضنا لهذا الموضوع فيما تقدّم، وسجّلنا على القول بالخبرة بعض الملاحظات"[65].

طبعاً ما ذكرناه إنما هو من باب قصور الدليل على الغيبيّة في البين، ولكنّ احتمال ذلك لا يمكن نفيه، ولذا قد يكون من المهم درس الروايات الطبيبّة من أهل الخبرة، فربما اكتشفوا فيها بعض الفوائد أو الأسرار الطبيبّة، وهذا قد يشكّل دليلاً على كون الخبر متلقى من الوحي، ونحن ندعو إلى رعاية دراسات تخصصية ومؤتمرات علميّة تعمل على دراسة التراث الطبي، بطريقة علمية، بحيث يتشارك في هذا العمل كل من الأطباء والفقهاء، كل في مجاله ليصار إلى نتائج على صعيد غربلة هذا التراث بما يمكن معه من تقديم مادة منه منقحة ومحققة وموثقة ومأمونة من الناحية الصحية.

  1. مشرحة علم الطبّ

ثم وبصرف النظر عمّا تقدم في الخطوتين الأولى والثانية، فإنّ ثمّة خطوة ثالثة، تتصل أو تركز على دراسة المضمون أيضاً، لأنّ التعبّد لا معنى له في الروايات الطبية، وربما كان الأسلوب الأجدى في دراسة المضمون، هو عرضه على مشرحة علم الطب، استناداً إلى الحقائق والمعطيات الطبية الثابتة، فإنّ المعصوم لا يتكلّم بما يخالف الحقائق التكوينية، لأنّه يصدر عن نبع صافية. ومن الطبيعي أنّ دراسة هذه الروايات من قبل أهل الاختصاص قد تنتهي إلى نتائج طيبة وتثبت دقة بعض هذه "الوصفات" المروية، وهذا يعدّ شاهد صدق لصالح الرسسالة الإسلامية، ولكنّها – أعني الدراسة - قد تنتهي إلى نتائج غير إيجابية، بمعنى أن يشخص أهل الطب أن هذه " الوصفة" ليست صحيّة وفق معطيات العلم، وهذا الأمر ممكن وحاصل.

 ومن الأحاديث التي يرى البعض أنّها مخالفة للمعطيات العلمية اليقينية:

  1.  ما رواه أبو هريرة عن رسول الله (ص" :(إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإنّ في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء".[66]
  2. ومما يخالف المعطيات الطبيّة الثابتة واليقينية: ما ورد في بعض الأحاديث من نفي العدوى وتأثيرها، فقد روي عنه (ص (:"لا عدوى ولا طيرة ولا هامة..[67]" ، فهذا الخبر وأمثاله إن لم يتمّ توجيهه وحمله على بعض المحامل، فلا بد من التوقف بشأنه وردّ علمه إلى أهله، لمنافاته لما هو محسوس وبديهي في علم الطب من واقعية العدوى، ولذا يتم الحجر الصحي على المصاب بالامراض المعدية، كما أنّه يتنافى مع ما ورد عن النبي (ص) ممّا يؤكد واقعية العدوى، كقوله (ص) فيما روي عنه (ص): "فرّ من المجذوم فرارك من الاسد[68]" ، أو قوله (ص) فيما روي عنه لأصحاب الإبل:" لا يورد ممرض (أي ذو عاهة) على مصح"[69]، وقد تعرّضت لهذا الأمر في كتاب "الإسلام والبيئة" فليراجع[70].
  3. خبر السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام ) " أن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) كان يورث الخنثى فيعد أضلاعه، فإن كانت أضلاعه ناقصة من أضلاع النساء بضلع ورث ميراث الرجل، لأن الرجل تنقص أضلاعه عن ضلع النساء بضلع ، لأنّ حواء خلقت من ضلع آدم ( عليه السلام) القصوى اليسرى فنقص من أضلاعه ضلع واحد "[71].

إنّ ما تضمنّه هذا الخبر من نقص أضلاع المرأة عن أضلاع الرجل بضلع واحد، هو كلام لا يعقل صدوره عن أمير المؤمنين (ع)، لأنّ ذلك مما يكذبه العيان والتجربة، فقد أكدّ علم التشريح بشكل قاطع وحاسم على مساواة أضلاع المرأة لأضلاع الرجل، وهما اثنا عشر ضلعاً من كل جانب، ومعلوم أنّ أحد معايير قبول الخبر هو عدم معارضته للحسّ والحقائق العلميّة.

هذا ناهيك عن أن ثمّة روايات أخرى واردة عن أئمة أهل البيت (ع) تكذب فكرة أن تكون حواء قد خلقت من ضلع آدم (ع) من أصلها[72]، وقد ناقشنا هذه الفكرة في كتاب "المرأة في النص الديني - قراءة نقدية في روايات ذم المرأة".

وطبيعي أنّ علينا الالتفات إلى أمر وهو أن ما جاء في الرواية إن كان منافياً للحقيقة العلمية التي نص عليها علماء الطب فلا بدّ من ردّها، أما إذا كانت منافية للنظريّة العلميّة فلا يصح التسرع في ردها ما دامت صحيحة[73].

  1. النطاق الزمني والجغرافي للروايات

والخطوة الرابعة في المقام بعد دراسة السند والمتن، هي ملاحظة مدى الإطلاق الأزماني في هذه الروايات، وصلاحيتها لإعطاء قاعدة عامة لكلّ الأشخاص والشعوب ولمختلف الأمكنة والأزمنة، فربما كانت هذه الروايات أو بعضها واردة في ظرف أو مناخ معين، وهذا أمر غير مستبعد لأنّ الأخبار صادرة في بيئة خاصة وهذه البيئة يحكمها مناخ خاص ولذا فمن الطبيعي أن يؤخذ ذلك في نظر الاعتبار في تناول الأطعمة والأشربة أو استخدام بعض العقاقير المنصوصة، بل إنّه قد يكون من الضروري أن تراعى خصوصيات الأفراد في هذا المقام لأن اختلاف الأشخاص في الحالات الصحية والجسمية والعمرية له دور كبير في فاعلية بعض العقاقير أو عدم فاعليتها، ألا ترى أن من البديهي لدى الأطباء أنهم يأخذون بنظر الاعتبار حالات الأشخاص قبل تحديد الوصفات العلاجية، ولذا فإنّ علينا الالتفات إلى أن تناول بعض الخضار أو البقول أو الأطعمة أو غيرها حتى لو ذكرت الروايات أنها مفيدة للمريض الفلاني فإننا مع ذلك لا بدّ أن نرجع إلى أهل الخبرة، لأن ما يكون مفيداً لشخص قد يكون ضاراً لآخر، وما يكون ناقعاً لابن بيئة معينة قد يكون ضاراً لابن بيئة أخرى.

كلام الشيخ الصدوق في التراث الطبي

وقد تنبّه الشيخ الصدوق إلى هذا الأمر، وتحدث في كلام له عن تعرّض التراث الطبي للوضع والدسّ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أشار إلى أنّ بعض هذا التراث وارد في نطاق جغرفي محدود، ولا يشكل قاعدة عامة، قال (رحمه الله) في كلام هام يعكس قدم الإشكالية في التراث الطبي:

"اعتقادنا في الأخبار الواردة في الطب أنّها على وجوه:

منها: ما قيل على هواء مكة والمدينة، فلا يجوز استعماله في سائر الأهوية،

ومنها: ما أخبر به العالم(ع) على ما عرف من طبع السائل، ولم يتعد موضعه، إذ كان أعرف بطبعه منه.

 ومنها: ما دلّسه المخالفون في الكتب، لتقبيح صورة المذهب عند الناس.

 ومنها: ما وقع فيه سهو من ناقله.

 ومنها: ما حفظ بعضه ونسي بعضه"[74].

مثال الملح والبعد الجغرافي

ومن الأمثلة على مراعاة النطاق الجغرافي للحكم ما ذكره البعض عن الدعوة الواردة في الروايات حول ابتداء الأكل بالملح والاختتام به، وقد سلف الحديث عن ذلك.

وفي ضوء ما تقدّم من ملاحظات، فإننا نسجل تحفّظاً على ما قد يصطلح عليه البعض بالطب الديني والروحاني أو الدواء الشرعي، فإنّ الشرع ليس له أدويته وعقاقيره الخاصة فيما يرتبط بصحة الإنسان، بعيداً عما تكشف التجربة جدواه، وتبرهن على فعاليته، والمرجع في ذلك هم أهل الخبرة، من الأطباء المختصين، وليس علماء الدين والفقهاء، فإذا وصف الطبيب دواءً للمريض ينبغي له الأخذ به، بل ربما وجب عليه ذلك، وإن لم يكن هذا الدواء وارداً في النصوص، كما لو أنه نهاه عن إستعمال دواء، لأنه مضر بصحته فعلى المريض اجتنابه، وإن كان وارداً في النصوص والروايات.

  1. الأخبار الطبية الواردة على سبيل الإعجاز

ولم يسع المفيد في تصحيح الاعتقاد، وعلى خلاف عادته إلاّ موافقة الصدوق فيما قاله هنا، وأضاف إليه وجهاً آخر هو موضع تأمل، فقال: " وقد ينجع في بعض أهل البلاد من الدواء من مرض يعرض لهم ما يهلك من استعمله لذلك المرض من غير أهل تلك البلاد، ويصلح لقوم ذوي عادة ما لا يصلح لمن خالفهم في العادة . وكان الصادقون عليهم السلام يأمرون بعض أصحاب الأمراض باستعمال ما يضر بمن كان به المرض فلا يضرهم ، وذلك لعلمهم عليهم السلام بانقطاع سبب المرض ، فإذا استعمل الإنسان ما يستعمله كان مستعملا له مع الصحة من حيث لا يشعر بذلك ، وكان علمهم بذلك من قبل الله تعالى على سبيل المعجز لهم والبرهان لتخصيصهم به وخرق العادة بمعناه ، فظنّ قوم أنّ ذلك الاستعمال إذا حصل مع مادة المرض نَفَعَ، فغلطوا فيه واستضروا به. وهذا قسم لم يورده أبو جعفر ، وهو معتمد في هذا الباب ، والوجوه التي ذكرها من بعد فهي على ما ذكره ، والأحاديث محتملة لما وصفه حسب ما ذكرناه"[75].

هذا ولكن ما ذكره من أن الائمة (ع) ربما أمروا بعض أصحاب الأمراض باستعمال ما يضر، وذلك لعلمهم عليهم السلام بانقطاع سبب المرض، ويكون ذلك منهم جارياً مجرى المعجز، فلا وجه له إلا في حال كان الأمر بادياً للناس بأن استعمال هذا الدواء مضر لهذه الحالة ومع ذلك يأمر الإمام بتناوله، ليكتشف الناس أن الشخص لم يتضرر بسبب معرفة الإمام (ع) بأنه قد تعافى، ولكن أنى لنا بإثبات ذلك بمثال في المجال الطبي؟!

الشفاء على قاعدة اليقين!

وقد وافق العلامة المجلسي ما طرحه العلمان ( الصدوق والمفيد ) وأضاف وجهاً آخر وهو أن بعض الأخبار الواردة في الطب قد "يكون ذكر بعض الأدوية التي لا مناسبة لها بالمرض على سبيل الافتنان والامتحان ، ليمتاز المؤمن المخلص القوي الإيمان من المنتحل أو ضعيف الإيقان ، فإذا استعمله الأول انتفع به لا لخاصيته وطبعه بل لتوسله بمن صدر عنه ، ويقينه وخلوص متابعته ، كالانتفاع بتربة الحسين عليه السلام وبالعوذات والأدعية. ويؤيد ذلك: أنا ألفينا جماعة من الشيعة المخلصين كان مدار علمهم ومعالجتهم على الأخبار المروية عنهم عليهم السلام ، ولم يكونوا يرجعون إلى طبيب، وكانوا أصح أبداناً وأطول أعماراً من الذين يرجعون إلى الأطباء والمعالجين. ويلاحظ على كلامه بأنّ التوجيه المذكور للروايات (وهي التي تذكر أدوية لا مناسبة لها مع المرض) بكون ذلك يمثّل امتحاناً إلهياً ليميز الله المؤمن من غيره هو حمل للأخبار على خلاف ما ظاهرها من وجود ترابط سببي بين الداء والدواء، دون دليل يعضده أو شاهد يؤيده، وأمّا الاستشهاد له بالواقع الخارجي وهو ما لاحظه المجلسي حول أن المؤمنين الذين يأخذون بتلك الأخبار تسليماً هم أصحّ أجساداً وأطول أعماراً من غيرهم، فهو استشهاد تعوزه الدقّة، بل الواقع الذي نرصده هو على خلافه حيث إننا نلاحظ أن الذين يأخذون بالأسباب ويراعون الشروط الصحّية في أكلهم وشربهم، ويعيشون في بيئة نظيفة وخالية من الأوبئة هم أطول الناس أعماراً ولو كانوا من الكفرة الفجرة، بينما الأشخاص الذين لا يأخذون بالأسباب ولا يراعون شروط الصحّة العامة ويعيشون في بيئة غير ملائمة صحّياً، هم الأكثر عرضة للأمراض وتفتك بهم الأوبئة ويموتون في سنّ الشباب ولو كانوا عباداً مؤمنين وآخذين وعاملين بالأدوية المأثورة من باب التسليم.

من كتاب: أبعاد الشخصية النبوية (دراسة أصولية في تصرفات الرسول صلى الله عليه وآله التشريعية والتدبيرية والخبروية والبشرية)



[1] أنظر: ظواهر ليست من الدين ص20.

[2] مسند أحمد ج 3 ص 156.

[3] سنن الترمذي ج 5 ص 417.

[4] هذا الإشكال وغيره أوردها بعض المثقفين على هذا البحث، لأني كنت قد نشرت المبحث المذكور في بعض المقالات والكتب السابقة.

[5] الكافي ج 5 ص 67. وهناك أكثر من حديث بهذا المضمون، أنظر: المصدر نفسه ج 5 ص 77، والخصال للصدوق 160.

[6] تصحيح اعتقادات الإمامية ص 144.

[7] نهج البلاغة ج1 ص207.

[8] الكافي ج

[9] الكافي ج 8 ص 194. بيان: "قوله : " صفدا " أي عطاء ، قوله : " أنا نبط الجرح " البط شق الدمل ، والجراح ونحوهما . قوله : " الأسمحيقون " أقول : لم نجده في كتب الطب واللغة والذي وجدته في كتب الطب هو اسطمحيقون ، وهو حب مسهل للسوداء والبلغم ، ولعل ما في النسخ تصحيف هذا. قوله عليه السلام : "ليس في حرام شفاء" يدلّ على عدم جواز التداوي بالحرام مطلقاً كما هو ظاهر أكثر الأخبار وإن كان خلاف المشهور، وحمل على ما إذا لم يضطر إليه ، ولا اضطرار إليه، قوله عليه السلام : " قد اشتكى " لعله استشهاد للتداوي بالدواء المر. قوله صلى الله عليه وآله : " أنا أكرم على الله " لعله لاستلزام ذلك المرض اختلال العقل وتشويش الدماغ غالباً. قوله عليه السلام : " فلد بصبر " قال الفيروزآبادي : اللدود كصبور : ما يصب بالمسعط من الدواء في أحد شقي الفم ، وقد لده لدا ولدودا ولده إياه وألده ولده فهو ملدود"، مرآة العقول ج 26 ص 92.

[10] مكارم الأخلاق 362. وقال الجوهري: " والمجنوب : الذي به ذات الجنب ، وهي قرحة تصيب الإنسان داخل جنبه"، الصحاح 1 ص 103، وفي النهاية : "ذات الجنب: هي الدبيلة والدمل الكبيرة التي تظهر في باطن الجنب وتنفجر إلى داخل ، وقلما يسلم صاحبها"، النهاية لابن الأثير ج 1 ص 304.

[11] طب الأئمة ص 54.

[12] طب الأئمة ص

[13] الكافي ج 8 ص 194.

[14] طب الأئمة (ع) ص 63.

[15] الفصول المهمة في أول الأئمة (ع) للحر العاملي ج 3 ص 22، ووسائل الشبعة ج 25 ص 224، الباب

[16] دعائم الإسلام ج 1 ص 144.

[17] مسند أحمد، ج 6، ص 67.

[18] الموطأ، ج 2، ص 943. ورواه ابن أبي شيبة في المصنف، ج 5، ص 422، ولم تتضمن روايته عبارة" فزعما" " و " فزعم".

[19] مقاتل الطالبيين ص 23، وعنه بحار الأنوار ج 42 ص 234.

[20] طب الأئمة (ع) ص 50.

[21] راجع كتابه " موجز تاريخ الشرق الأدنى" ص 192.

[22] ابن الأخوة، محمد بن محمد بن أحمد القرشي (648هـ - 729هـ)، معالم القربة في أحكام الحسبة، تحقيق: محمد محمود شعبان، وصديق أحمد عيسى المطبعي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، القاهرة 1976م ص 254.

[23] الكافي ج 8 ص 88.

[24] الحدائق الناضرة ج 3 ص 347.

[25] راجع حول هذه المصنفات وغيرها: الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 15 ص 141 – 143.

[26] الاعتقادات في دين الإمامية ص116.

[27] وسائل الشيعة ج 6 ص 236، الباب 41 من أبواب قراءة القرآن، الحديث1.

[28] نهج البلاغة ج2 ص92.

[29] تفسير الميزان ج 13 ص 184.

[30] طبّ الأئمة (ع) ص 28.

[31] النهاية في غريب الحديث والأثر ج 2 ص 254.

[32] لقد أورد في جامع أحاديث الشيعة 23 خبراً منها في باب واحد، انظر: 15 ص173، الباب 34، من أبواب فضائل القرآن، ولكن هذه الروايات ليس فيها خبر صحيح، كما ذكر بعض الأعلام انظر: الأحاديث المعتبرة في جامع أحاديث الشيعة ص 320.

[33] طب الأئمة لابني بسطام ص 48.

[34] في وسائل الشيعة: "عن النضر بن سويد عن القاسم ".

[35] طب الأئمة ص 48، وعنه وسائل الشيعة ج 6 ص 237، الباب 41 من أبواب قراءة القرآن الحديث 3.

[36] قرب الإسناد ص 110.

[37] قرب الإسناد ص 213.ونظيره خبر شعيب العقرقوفي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس بالرقى من العين والحمى والضرس وكل ذات هامة لها حمة إذا علم الرجل ما يقول لا يدخل في رقيته وعوذته شيئا لا يعرفه"، انظر: وسائل الشيعة ج 6 ص 236، الباب 41 من أبواب

[38] بحار الأنوار ج 59 ص 69.

[39] من قبيل خبر عنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا باس بالتعويذ أن يكون الصبي والمرأة"، انظر: طب الأئمة (ع) ص 49.وعنه بحار الأنوار ج 92 ص 5، ووسائل الشيعة ج 6 ص 238، الباب 41 من أبواب قراءة القرآن، الحديث 7.

[40] فهي استخدمت لسان " لا بأس" أو " لا عليه" أو نظير ذلك.

 

خبر بكر بن صالح الجعفري ، قال : سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر ( ع ) يقول : ادفعوا معالجة الأطباء ما اندفع الداء عنكم فإنه بمنزلة البناء ، قليله يجر إلى كثيره" علل الشرائع ج 2 ص 465. ما روي عن علي (ع): " امْشِ بِدَائِكَ مَا مَشَى بِكَ" نهج البلاغة ج 4 ص 7. وخبر عن إسماعيل بن أبي زياد ( السكوني)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من ظهرت صحته على سقمه فيعالج بشئ فمات فأنا إلى الله منه بريء" الخصال ص 26،خبر عُثْمَانَ الأَحْوَلِ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ ع يَقُولُ: "لَيْسَ مِنْ دَوَاءٍ إِلَّا وهُوَ يُهَيِّجُ دَاءً ولَيْسَ شَيْءٌ فِي الْبَدَنِ أَنْفَعَ مِنْ إِمْسَاكِ الْيَدِ إِلَّا عَمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْه" الكافي ج 8 ص 273. وروى الطبرسي مرسلاً قال: " وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : تجنب الدواء ما احتمل بدنك الداء ، فإذا لم يحتمل الداء فالدواء"، مكارم الأخلاق ص 362.

[43] بحار الأنوار ج 66 ص 425.

[44] صحيح البخاري ج 5 ص 2056

[45] كنز العمال ج 15 ص 235.

[46] انظر: وسائل الشيعة ج 24 ص 249، الباب 6 من أبواب آداب المائدة

[47] المصدر نفسه الباب 10 من الأبواب نفسها.

[48] روي مرفوعاً عن رسول الله (ص):" خير المجالس ما استقبل به القبلة "، الاستذكار لابن عبد البر ج 4 ص 246. ورواه الشيخ الطوسي مرسلاً إلى النبي (ص) في المبسوط ج 8 ص 90، وقد تردد بعده في الكتب الفقهية، وغيرها، أنظر: منية المريد ص 206.

[49] عوالي اللئالي ج 2 ص 30، ومجمع البيلن ج 4 ص 244. وتخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ج 1 ص 459،

[50] وهو مروي عن أمير المؤمنين (ع)، انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية ص 144، وبحار الأنوار ج 59 ص 75.

[51] قال الملا علي القاري: " هو من كلام الحارث [ الحرث ] بن كلدة طبيب العرب ولا يصح رفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وفي الإحياء مرفوعاً: "البطنة أصل الداء والحمية أصل الدواء وعودوا كل جسد بما اعتاد"، قاله العراقي لم أجد له أصلاً"، انظر: الأسرار المرفوعة في الآثار الموضوعة 309. ونحوه في كشف الخفاء للعجلوني ج 2 ص 214، وأضاف: " روى ابن أبي الدنيا في الصمت عن وهب بن منبه قال : اجتمعت [أجمعت] الأطباء على أن رأس الطب الحمية"، ونسبه إلى الحرث بن كلدة في عيون الأنباء في طبقات الأطباء، . ابن أبي أصيبعة ( ت: 668هـ)  تحقيق : الدكتور نزار رضا، دار مكتبة الحياة، بيروت - دار مكتبة الحياة.

[52] مكارم الأخلاق ص 362.

[53] رواه في المعجم الأوسط بإسناده عن أبي هريرة عن رسول اللهه (ص): " اغزوا تغنموا وصوموا تصحوا

وسافروا تستغنوا"، ومجمع الزوائد للهيثمي ج 3 ص 179، انظر: كنز العمال ج 8 ص 450، والدعوات للراوندي ص 76، وعوالي اللئالي ج 1 ص 268، والفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي ج 3 ص 233، وبحار الأنوار ج 59 ص 267. ورواه في الدعائم عن أمير المؤمنين (ع) عن رسول الله (ص)، دعائم الأإسلام 1 ص 342،

[54] الخصال 229.

[55] نهج البلاغة ج 4 ص 42.

[56] ريح اللحم ودسومته.

[57] الكافي ج 6 ص 290.

[58] نهج البلاغة ج 4 ص 34. والخصال للصدوق ص 620.من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 416.

[59] في الخبرعن بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ رَفَعَه عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع أَنَّه قَالَ شَكَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ إِلَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ الْغَمَّ فَأَمَرَه اللَّه عَزَّ وجَلَّ بِأَكْلِ الْعِنَبِ "، أنظر: الكافي ج 6 ص 351، وفي خبر مُوسَى بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: لَمَّا حَسَرَ الْمَاءُ عَنْ عِظَامِ الْمَوْتَى فَرَأَى ذَلِكَ نُوحٌ (ع) جَزِعَ جَزَعاً شَدِيداً واغْتَمَّ لِذَلِكَ فَأَوْحَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ إِلَيْه هَذَا عَمَلُكَ بِنَفْسِكَ أَنْتَ دَعَوْتَ عَلَيْهِمْ! فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ وأَتُوبُ إِلَيْكَ، فَأَوْحَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ إِلَيْه أَنْ كُلِ الْعِنَبَ الأَسْوَدَ لِيَذْهَبَ غَمُّكَ"، الكافي ج 6 ص 350. وانظر: المحاسن ج 2 ص 548.

[60] ففي خبر الحسين بن راشد الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع): أَكْلُ السَّفَرْجَلِ قُوَّةٌ لِلْقَلْبِ الضَّعِيفِ ويُطَيِّبُ الْمَعِدَةَ ويُذَكِّي الْفُؤَادَ ويُشَجِّعُ الْجَبَانَ"، وفي خبر السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ كَانَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عِنْدَ النَّبِيِّ (ص) فَأُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ (ص) سَفَرْجَلٌ، فَقَطَعَ مِنْه النَّبِيُّ (ص) قِطْعَةً ونَاوَلَهَا جَعْفَراً فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَهَا، فَقَالَ: خُذْهَا وكُلْهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّي الْقَلْبَ وتُشَجِّعُ الْجَبَانَ". وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: "كُلْ فَإِنَّه يُصَفِّي اللَّوْنَ ويُحَسِّنُ الْوَلَدَ"، وفي الخبر أيضا عن جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ مَنْ أَكَلَ سَفَرْجَلَةً أَنْطَقَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ الْحِكْمَةَ عَلَى لِسَانِه أَرْبَعِينَ صَبَاحاً"، إلى غيرها من الأخبار أنظر: الكافي ج 6 ص 357..

.

[61] ويكفيك أنّ الحرّ العاماملي أورد في كتاب "الفصول المهمة في أصول الأئمة (ع)" أربعمائة واثنين وثلاثين حديثاً ( 432) من طرق الشيعة وحدهم موزعة على 141 باباً، وأخيراً أصدر مؤسسة الحديث كتاباً موسعاً حول الروايات الطبيّة بإشراف الشيخ الريشهري.

[62] بحار الأنوار ج 1 ص 30.

[63] انظر كتاب أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق ج 1 ص 495.

[64] في صحيح البخاري بسنده عن سهل قال لما كسرت بيضة النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه وأدمي وجهه وكسرت رباعيته وكان علي يختلف بالماء في المجن وكانت فاطمة تغسله فلما رأت الدم يزيد على الماء كثرة عمدت إلى حصير فأحرقتها وألصقتها على جرحه فرقأ الدم"، انظر: صحيح البخاري ج 3 ص 227.

[65] تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 494.

[66] صحيح البخاري ج 4 ص 99، راجع ما ذكره الشيخ محمود أبو رية – نقلاً عن الأطباء – بشأن منافاة هذا الحديث للمعطيات العلمية، وذلك في كتابه" شيخ المضيرة أبو هريرة" ص 250، ولكنّ بعض الكتابات الجديدة حاولت التوفيق بين مضمون الحديث وبين المعطيات العلمية، إلى درجة اعتباره من معجزات رسول الله (ص)!

[67] راجع على سبيل المثال صحيح البخاري ج 7 ص 17 وما بعدها والكافي للكليني ج 8 ص 169.

[68] كنز العمال ج 1 ص 56.

[69] صحيح مسلم ج 7 ص 31.

[70] الإسلام والبيئة – خطوات نحو فقه بيئي ص

[71] من لا يحضره الفقيه ج 4ص 327 .

[72] فقد روى الصدوق بسنده إلى زرارة: ثم سئل (ع)عن خلق حواء وقيل له: إن أناساً عندنا يقولون: إنّ الله عز وجل خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى؟ قال سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيراً، أيقول من يقول هذا: إنّ الله تبارك وتعالى لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجته من غير ضلعه، وجعل لمتكلم من أهل التشنيع سبيلا إلى الكلام، يقول: إن آدم كان ينكح بعضه بعضاً إذا كانت من ضلعه! ما لهؤلاء حكم الله بيننا وبينهم.."، انظر: من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 380.

[73] وخول هذا الموضوع راجع كتابنا: أصول الاجتهاد الكلامي – دراسة في المنهج ص .

[74] مصنفات الشيخ المفيد ج 5 ص 115.

[75] تصحيح اعتقادات الإمامية ص 144.

[76] بحار الأنوار ج 59ى ص 76.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon