حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  مقالات >> أصول التفسير
حجيّة السنة والقرآنيون الجدد
الشيخ حسين الخشن



الباب الثاني: حجية أخبار الآحاد وأخبار التفسير / المحور الأول: حجيّة السنة والقرآنيون الجدد

  1. القرآنيون نظرة تاريخية
  2. أدلة حجيّة السنة من العقل والقرآن
  3. أدلة النافين لحجيّة السنة
  4. حجية السنة في تفسير القرآن

في الحديث عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) أنه قال: "من دخل في هذا الدين بالرجال أخرجه منه الرجال كما أدخلوه فيه ، ومن دخل فيه بالكتاب والسنة زالت الجبال قبل أن يزول"[1].

لا شك أنّ القرآن الكريم هو الأصل والأساس في بناء العقيدة والشريعة والثقافة الإسلامية، ولا شك لدينا أنّ القرآن هو المرجعيّة التي تحاكم رويات السنة على ضوئها، ونحن من دعاة تفعيل مرجعية القرآن في بناء الثقافة الإسلامية. وإنّ مدرسة أهل البيت (ع) تتميز بأنها أكدت على ضرورة عرض السنة على الكتاب، والأخذ بما وافقه وطرح ما خالفه. هذا كله صحيح ولا غبار عليه، ولكن ذلك لا يعني بوجه حصر مرجعية التشريع وغيرها بالقرآن دون السنة.

  1. القرآنيون نظرة تاريخية

إلا أن ثمة اتجاهاً معاصراً يصرُّ على حصر الحجيّة بالكتاب وينفي حجية السنة، ولأصحاب هذا الاتجاه في زماننا مواقع ومنابر كثيرة وأنصار في شتى البلدان الإسلامية، ويستعينون في ترويج دعوتهم وتسويقها بين عامة الناس ببعض الحجج ومنها: أنّ القرآن مصونٌ عن التحريف، بينما السنة تشتمل في رواياتها على الغث والسمين، فهي تضمّ المتناقضات والمتعارضات، وتتضمن ما ينافي العلم والعقل وغير ذلك.

 وربما كان الكثيرون من أصحاب هذا الاتجاه من ذوي الغيرة على الدين، فلا نريد تخوينهم واتهامهم بالتآمر، وإنْ كنا نرفض فكرتهم هذه.

 ومعلوم أنّ تاريخنا الإسلامي قد شهد بعض الأصوات التي رفعت شعار "حسبنا كتاب الله"[2]، لكن لا يبدو أنّ أصحاب هذا الشعار من الأوائل أرادوا إسقاط حجيّة السنة من أصلها، ولا ذهبوا عملاً إلى ذلك، حتى لو أنهم منعوا تدوينها وترتب على ذلك ما ترتب من خسائر فادحة على صعيد المعرفة الإسلامية بشتى فروعها، وإنّ الدعوة إلى عدم تدوين السّنة معطوفة على الشعار المذكور "حسبنا كتاب الله" قد أوهنت مكانة السنة في النفوس وجعلت هذه المقولة مقبولة لدى البعض. ولكنها لم تمتلك تجذراً في الواقع الإسلامي تاريخياً، فقد جرى المسلمون على امتداد تاريخهم وعلى اختلاف مذاهبهم ومدارسهم على اعتماد مرجعية السنة، إلى أن عادت هذه الدعوة إلى الظهور في بلاد الهند وفي ظل الاحتلال الإنكليزي، فتبناها جماعة وروجوا لها[3]

وقد لاحظنا أنّ بعضهم يعرف "القرآني" بأنّه الشخص الذي ينظر في السنة، فما وافق منها الكتاب عمل به، لأنه عملٌ بالقرآن، وما خالف القرآن ردّ، لأن النبي (ص) لا يقول ما يخالف كتاب الله.

 وهذا المستوى من الكلام له وجه، ونحن نؤيّده، شريطة أن لا يراد من الموافقة التطابق في المدلول حرفياً بين الرواية والآية، بل يكتفى بالموافقة الروحية، وهذا ما تبناه بعض أعلامنا المعاصرين، حيث رأى أنّ من الضروري عرض كل التراث الروائي على القرآن الكريم، فيؤخذ بما وافقه في مفاهيمه ومبادئه التي جاء بها وأرساها ويطرح ما خالفه كذلك. (ولنا عودة تفصيلية إلى هذا الموضوع).

وكلامنا ليس مع هؤلاء، وإنما مع الذين رفضوا حجيّة السنة من أساسها ولو لم تعارض الكتاب الكريم، اكتفاءً منهم بالقرآن الكريم، حيث اعتبروه المصدر الوحيد لاستنباط المفاهيم العقدية والأحكام الشرعية.

ويظهر من بعض الأخبار، أنّ النبي (ص) قد تنبأ - وهو الصادق المصدق - بحدوث هذه الظاهرة في المستقبل، فقال - فيما روي عنه -: "يوشك الرجل متّكئاً على أريكته ، يحدِّث بحديث من حديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب اللّه عزّ وجلّ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرّمناه. ألا وإنّ ما حرّم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل ما حرّم اللّه"[4].

  1. أدلة حجيّة السنة من العقل والقرآن

يمكن إقامة العديد من الأدلة على حجيّة السنة. وعلينا وقبل استعراض هذه الأدلة أن نلفت النظر إلى أنّه لا مجال للاستدلال على حجيّة السنة بالسنة نفسها إلا على نحو دوري، وكذا لا يمكن الاستدلال على نفي حجية السنة بالسنة إلا على نحو الإلزام، للإشكال عينه، وإنما يستدل في الموردين من القرآن أو من دليل العقل. وطبيعي أننا في هذه المرحلة نريد إثبات حجية السنة في الجملة وعلى نحو الموجبة الجزئية في قبال السلب الكلي.

 أجل، بعد قيام الدليل على حجيّة السنة من حيث المبدأ، أو في الجملة، فيمكن بعد ذلك الاستعانة بالسنة نفسها لإثبات الكثير من التفاصيل المرتبطة بحجيتها ومجالاتها، وإليك بيان الأدلة المطروحة في المقام لإثبات حجية السنة:

أولاً: من القرآن

هناك العديد من الآيات المباركة الواضحة الدلالة على لزوم اتباع النبي (ص) فيما قاله أو فعله، ونكتفي بذكر بعضها:

الآية الأولى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر 7]. وهذه الآية المباركة لا تأمر باتباعه (ص) فيما أتانا به من وحي الله تعالى الذي أنزل على قلبه من القرآن الكريم فحسب، بل هي مطلقة وشاملة لذلك ولغيره مما أمر به بصفته رسولاً أو نهى عنه بالصفة عينها،

 الآية الثانية: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور 54] فنلاحظ أنّ إطاعة الرسول هي في موازاة طاعة الله، وإطاعة الله تعالى هي بالإلتزام بما جاء في كتابه، وإطاعة الرسول (ص) هي بإطاعته فيما أمر به أو نهى عنه. وأوامر الإطاعة مطلقة ولم تتحدث عن مرحلة زمنية بعينها.. ونظير ذلك قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران 32]. وقوله تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء 80] فقد جعل سبحانه طاعته رسوله (ص) من طاعته. وحملها على ما أمر به بصفته قائداً خلاف الظاهر.

وحملُ هذه الآيات على إطاعته بما أمر به بصفته قائداً في المجتمع وليس بصفته رسولاً خلاف الظاهر من تعليق الإطاعة على صفته الرسوليّة، (أوضحنا هذا الأمر في كتاب: أبعاد شخصية النبي ( ص )).

الآية الثالثة: قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم ولعلهم يتفكرون} [النحل 44]. فالنبي (ص) وفقاً لنص الآية مأمورٌ بتبيين الكتاب للناس، وتبيان الكتاب يعني تفصيل عامه ومطلقه، وشرح مجمله، وتحديد متشابهه من مجمله وناسخه من منسوخه، وهذه المهمة تعني حجية قوله حكماً وحتماً، إذ كيف يؤمر بالبيان ولا يكون ما أوضحه وبيّنه حجة على الناس ؟! أيأمره الله ببيان الدين وشرح الكتاب للناس، ومع ذلك يقول لهم: لا يلزمكم الأخذ بقوله (ص) وبيانه! إنّ أمره ببيان القرآن للناس سيكون لغوياً إن لم يكن هذا البيان حجة عليهم وواجب الاتباع. نعم قد يقال: إنّ الآية المباركة لا تدل على لزوم حجية قوله والأخذ بسنته خارج نطاق ما ورد عنه (ص) في بيان القرآن الكريم.

الآية الرابعة: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور 63] فقد حذر سبحانه من مخالفة أوامره بما هي أوامره، لا بما هي أوامر الله تعالى النازلة في الكتاب.

 وبناءً عليه، فإذا كان الكتاب نفسه قد أمر بالأخذ بالسنة، فتكون الدعوة إلى ترك السنة وعدم حجيتها هي دعوة إلى ترك القرآن نفسه، أو قل: إنّ من لم يعمل بالسنة فهو لم يعمل بالكتاب نفسه، ولن يجد من دون الله ملتحداً ولا ملجأ يركن إليه.

ثانياً: الدليل العقلي

إنّ الرسول (ص) - كما ثبت في علم الكلام - مسدد ومعصوم[5] ولا يمكن أن ينطق عن الهوى، أو يتقول على الله تعالى بما لم يوحَ إليه به، وإلا لو احتمل في حقه الخطأ أو السهو فيما ينقله عن الله تعالى أو التقول عليه سبحانه لكان إرساله خلاف الحكمة ونقضاً للغرض، وعليه، فلا مفرّ من وجوب اتباعه والأخذ بما يقوله واعتباره حجة أكان ما صدر عنه وارداً في بيان وشرح ما جاء في الكتاب أم غير وارد في هذا المجال.

ولنا أن نتساءل: عندما يقول النبي (ص): "صلّوا كما رأيتموني أصلّي"[6]، أو يقول: "خذوا عني مناسككم"[7] أو غير ذلك مما أمر به أو نهى عنه في العبادات أو غيرها، مما لم يأت تفصيله في القرآن الكريم، فهل يجب إتباعه أم لا؟ إذا قيل وجب اتباعه فهذا يعني حجيّة السنة وهو المطلوب، وأما إذا قيل: لا يجب اتباعه، فهذا خلف كونه رسولاً مسدداً ومعصوماً ومبعوثاً لهداية الناس وبيان الشريعة لهم، ولا يصدر مثل هذا القول من مؤمن بالرسالة، على أنّه إذا كان لا يجب اتباعه فلماذا يأمر وينهى؟!

ثالثاً: التسالم ودعوى الضرورة

لا يخفى على أحد أنه قد جرى عمل المسلمين وإجماعهم القولي والعملي على حجية السنة، وبحسب ما يبدو، فإننا لم نجد أحداً من علماء المسلمين قد ناقش في حجية السنة من حيث الأساس، بل إنّ حجيتها هي من الضروريات والبديهيات، قال بعض العلماء: "إن المناقشة في حجية السنة أو انكارها مناقشة في الضروريات الدينية وإنكار لها"[8]، بل وصل الأمر ببعضهم إلى حد الحكم بكفر منكر حجيتها، كما ذكر ابن حزم، في المحلى، قال في كلام له حول حجية السنة وكونها المصدر المهم في بيان أحكام الشريعة الإسلامية: ".. فلا بد من الرجوع إلى الحديث ضرورة ولو أن امرأ قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة"[9].

 أقول: إنّ هذا التسالم على حجية السنة لا مجال لإنكاره، حتى لو كان من دأبنا أن لا نستسلم كثيراً لدعاوى التسالم والضرورات، لأننا نعي أن تشكّل الكثير من الضرورات يخضع لظروفٍ تاريخية وثقافية خاصة قد لا يكون لها بالكشف عن الحقيقة الشرعية الواقعية[10]. وأما كلام ابن حزم عن تكفير منكر حجيّة السنة بقول مطلق، فهو كلام لا نوافقه عليه جزماً، لأنّنا نعتقد أن مرد إنكار حجية السنة بقول مطلق إلى إنكار ضروري الدين، وإنكار الضروري على المختار[11] لا يوجب الخروج عن الدين إلا مع استلزامه تكذيب النبي (ص) والتفات الشخص إلى هذا اللازم وإصراره بعد الالتفات على الإنكار. ومعلوم أنّ كثيرين لا يلتزمون بهذا اللازم، وإنما لهم اجتهادهم.

رابعاً: لا معنى للإسلام دون السنة

وربما يقال: إنّ عدم حجية سنة رسول الله (ص) حتى في تفسير الكتاب وشرحه هي دعوة إلى إلغاء الإسلام، وتأسيس دين جديد، لأنه لا معنى للاسلام بدون السنة على حد تعبير السيد محمد تقي الحكيم[12].

 وحقيقة الأمر أننا لا نفهم ولا نتعقل الدعوى القائلة بعدم حجية السنة الواقعية من أصل، إذ ماذا تعني النبوة إذ لم يكن النبي (ص) مطاعاً فيما قاله وبيّنه! أجل، الدعوة التي نتعقلها في المقام هي دعوى أنّ السنة في بعض ما تضمنته لا حجية لها بلحاظ الامتداد الزمني، وبتعبير الأصوليين: لا إطلاق أزمانياً لها، أو دعوى أنّ ما صدر عنه (ص) هو حكم تدبيري وليس تشريعياً، أو أن بعض ما صدر عنه صدر من موقع الخبرة[13]، فتكون حجيتها محدودة، كما أنّ ثمة متسعاً كبيراً للنقاش في حجية السنة إذا وصلت إلينا بخبر الواحد الظني، إلى غير ذلك من النقاط التفصيلية، وأما عدم حجية السنة من رأس، فهي خلف كونه (ص) نبياً معصوماً، ولا يجتمع مع الاعتقاد بنبوته ورسالته.

خامساً: إنكار حجيتها إسقاط لحجية القرآن الكريم نفسه

وقد يذكر وجه خامس لإثبات حجيّة السنة، وهو أنّ القول بعدم حجيتها يستلزم عدم حجية القرآن نفسه، لأن النبي (ص) هو الذي قال لنا: إنّ هذا القرآن هو كتاب الله.. فعدم تصديقه في ذلك أو عدم حجية قوله (ص) يعني إسقاط القرآن عن الحجيّة.

 ولكن يلاحظ عليه: إنّ حجيّة القرآن لا تتوقف على حجية السنة، لأنّ القرآن يمكن إثبات حجيته من خلال العقل الذي يدعو إلى الإذعان بالقرآن بسبب إعجازه، وكما قيل: "له منه عليه شواهد"، ولسنا نعتمد في إثبات حجيّة القرآن الكريم على مجرد قول النبي (ص) مثلاً: إنّ هذا كلام الله تعالى.

وخلاصة الكلام: أنّ مسألة الاكتفاء بالقرآن الكريم في بناء الثقافة الإسلامية هي دعوى متهافتة، لأنّها تعني الإيمان ببعض الكتاب دون البعض الآخر، مع أنّ القرآن الكريم نفسه حذّر من هذا الأمر، وذلك في قوله تعالى: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} (البقرة: 58).

  1. أدلة النافين لحجيّة السنة

وقد حاول أصحاب الاتجاه النافي لحجيّة السنة أن يتمسكوا ببعض الوجوه، لإثبات دعواهم:

الوجه الأول: القرآن الكريم

أورد أصحاب هذا الاتجاه العديد من الآيات التي تدلُّ - برأيهم - على عدم حجيّة السنة، وفيما يلي نذكر هذه الآيات لنرى مدى دلالتها على مدعاهم:

الآية الأولى: قوله تعالى: { واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحداً} [الكهف 27]، بتقريب أنّ القرآن ھو وحده الكتاب الذي أوحي به إلى النبي (ص) وهو الذي لا مبدل لكلماته، ولن يجد النبى (ص) غیر القرآن كتاباً يلجأ إلیه ويعتمد عليه.

 ويلاحظ على هذا الاستدلال:

  • إنّ ما تضمنته الآية من أنّ القرآن الكريم قد أوحي به إلى النبي (ص) وأنه محفوظ ولا مبدل لكلماته، أمر صحيح، ولا غبار عليه، فالآية دلّت على ذلك، لكنها لا تدل بوجه على أنّ القرآن الكريم وحده هو الذي أوحي به إليه (ص)، لنستفيد من ذلك عدم حجيّة السنة، بحجة أنّها ليست مما أوحي بها إليه (ص)، باختصار: إنّ الآية مثبتة، وليست نافية، وإثبات شيء لا ينفي ما عداه.
  •  على فرض أنّ الآية دلت على أنّ القرآن هو الكلام الوحيد الموحى به إلى رسول الله (ص) فهذا لا ينافي القول بحجية السنة ولزوم اتباعها، والوجه في حجيّة السنة حتى مع عدم كونها مما جاء به الوحي هو إما عصمة النبي (ص) الثابتة بالعقل والتي تجعله منزهاً عن النطق على أساس الهوى، وإما القرآن نفسه، الذي نصّ على حجيتها، وذلك في قوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}، وفي قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم ولعلهم يتفكرون}. وعليه، فمن لم يعمل بالسنة فهو لم يعمل بالكتاب، ولن يجد من دون الله ملتحداً ولا ملجأ يركن إليه.

ولتقريب الفكرة أكثر نقول: لو سأل سائل: هل إنّ الكتاب الكريم نص على حجية قول الطبيب ولزوم اتباعه في مجال تخصصه؟

لقلنا في جوابه: نعم، لأنّ القرآن الكريم نصّ على حجية قول أهل الخبرة والذكر في قوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} ولا شكّ أنّ الطبيب هو من أهل الخبرة والذكر في مجال تخصصه.

وهكذا هو الحال في المقام، فإنّ القرآن عندما نصّ على حجية قول النبي (ص) ولزوم اتباعه، فهذا يعني أنّ الآخذ بالسنة آخذ بالكتاب، ومن لم يأخذ بالسنة مع أمر الكتاب بذلك فقد اتخذ لنفسه ملتحداً ومستنداً غير الوحي.

الآية الثانية: قوله تعالى: {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إنّ في ذلك لرحمةً وذكرى لقوم يؤمنون} [العنكبوت 51]. بتقريب أنها دلّـت على أن في القرآن الكريم كفاية عن غيره.

 ويلاحظ عليه: إنّ الآية لا تدل على مطلوبهم أيضاً، وذلك:

 أولاً: قد يقال: إنّ السياق ناظر إلى كفاية القرآن عن سائر المعجزات التي كانوا يطلبونها من رسول الله (ص)، كما تشهد بذلك الآية التي تسبق هذه، أعني قوله تعالى: {وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين} [العنكبوت 51]. فيكون النظر إلى كفاية القرآن - ليست من جهة التشريع – أو بيان المعارف الدينية بشكل عام، وإنما كفايته من جهة إعجازه في الدلالة على صدق النبي (ص).

ثانياً: لو قيلّ إنّ الآية دلت على كفاية القرآن بشكل مطلق بما في ذلك الكفاية التشريعية، فإنها مع ذلك لا تكون دالة على المدعى، وذلك لأنّ من جملة آيات هذا القرآن الذي يتلى عليهم والذي فيه كفايتهم هي الآيات الدالة على حجية السنة، فتكون السنة داخلة فيما فيه كفايتهم. باختصار: إنّ الآية المذكورة {أولم يكفهم..} إذ تُنكر على الذين يتخذون كتاباً غير كتاب الله، مع أنّ فيه كفاية لهم، فهي لا تنفي حجية السنة ولا نظر لها إلى ذلك، لأنّ مما جاء في كتاب الله هو حجية السنة.

الآية الثالثة: قوله تعالى: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} [البقرة 2]. فقد دلّت على أنّ القرآن الكريم هو مصدر الهداية والنور للناس جميعاً، وإن كان المتقون هم من يستفيد من هديه. 

 ولكن قد اتضحت الإجابة على ذلك مما تقدم، وبيان ذلك:

أولاً: إنّ من جملة الكتاب الذي يمثّل هدى للمتقين الآيات الدالة على حجية السنة ولزوم اتباع النبي (ص)، فبغير اتباعه فيما صدر عنه لا تتحق الهداية.

ثانياً: إنّ إثبات الهداية للقرآن الكريم لا ينفيها عن غيره، لأنّ ذلك من قبيل مفهوم اللقب[14] وهو باطل، بل لا أخال أن أحداً يزعم أن ما يقوله النبي (ص) هو من الباطل أو فيه الريب.

الآية الرابعة: قوله تعالى: { ما فرطنا في الكتاب من شيء}، بتقريب أنه إذا كان الله تعالى لم يفرّط في الكتاب من شيء فلا حاجة بنا إلى الرجوع إلى غير الكتاب.

والجواب: إنّ هذه الآية لا تلغي حجيّة السُنّة، لأنّ من جملة الأمور التي اشتمل عليها القرآن ولم يفرّط في بيانها هي وجوب إطاعة النبي (ص) فيما يقوله أو يفعله أو يمضيه، وهذا ما تعنيه حجية السنة، فإذا أعرضنا عن السُنّة فحينها يكون التفريط والنقص واقعاً لا محالة.

على أن لقائل أن يقول: إن سياق الآية هو سياق إثبات إعجاز القرآن الكريم، رداً على سؤال المشركين عن إرسال آية إعجازية مع رسول الله (ص)، قال سبحانه: {وقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } [ الأنعام 37]، وعليه فيكون نفي التفريط عن القرآن هو بلحاظ هذا الجانب الكفيل بكونه آية معجزة للناس.  

الوجه الثاني: التشريع لا يُحفظ بغير كتاب يتعهد الله بحفظه

وخلاصة هذا الوجه أنّ التشريعات الإلهية يجب أن تحفظ حفظاً تاماً بحيث لا يبقى لأحدٍ مجالٌ للشك في مستندها وصحتها، ومعلوم أنّ ما حرمه القرآن الكريم أو أوجبه أو أحلّه محفوظ ومصون، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر 9]، بينما السنة ليست كذلك، ما جعلها عرضة للدس والتزوير.

وقبل التعليق على هذا لا بأس أن نشير إلى أنّنا نعترف بوجوب حفظ الشريعة الإسلامية بمستوى من الحفظ ( وهو ما سوف نشير إليه )، لأنّها الشريعة الخاتمة في الرسالة الخاتمة، فالسماح بتعرضها للضياع والتحريف غير معقول، لأن ذلك ينافي خاتمية الدين في شريعته عقيدته وشريعته ويُسقط الحجة على العباد بلزوم اتباعه، ومن اللازم عندها ( أي عند تعرض الدين للتحريف ) بعثة نبي آخر بشريعة غير محرفة، ما يعني أنّ مقتضى اللطف أن لا يسمح الله تعالى بتعريض رسالته الخاتمة للتحريف والضياع.

أجل لا بد أن يكون واضحاً، أنّ هذا الدليل لا يقتضي أكثر من لزوم حفظ الشريعة إجمالاً بما يجعلها في معرض وصول العباد إليها لو أرادوا الوصول وبذلوا الجهد في هذا السبيل، ولا دليل على أنه يجب - من باب اللطف - على الله تعالى[15] حفظها بطريقة ناجزة وواصلة وصولاً فعلياً جلياً ومباشراً إلى كافة المكلفين، فهذا أمر غير متيسر حتى بلحاظ القرآن الكريم، فإنه حتى لو كان قطعي السند، لكنّه ليس قطعي الدلالة، فيحتاج إلى بذل الجهد في محاولة استنطاقه ومعرفة أحكامه. هذا من جهة كيفية الخفظ، وأما من جهة نوعية ومقدار الحفظ، فدليل اللطف المذكور، لا يقتضي حفظ التشريعات الإسلامية بكافة تفاصيلها وجزئياتها بما يجعلها مصونة عن الخطأ، وإنما يوجب حفظ ما يصدق معه بقاء الإسلام بصفته دين هداية ورسالة خاتمة بقاءً تقوم به الحجة على العباد أمام بارئهم، وهذا المقدار حاصل، لأنّ أصول الاعتقاد والتشريع والخطوط العامة والجوهرية التي يقوم عليها الدين واصلة إلينا بطريقة يقينية، ويمكن لمن طلبها أن ينالها بجهد يسير، وإذا كان البعض لا يوفق لبلوغها فالمشكلة لديه وعنده، وأما الاختلافات التي تحصل بين المسلمين أنفسهم فهي لا تنفي وصول الدين إلى العباد وتحول دون لا قيام الحجة بما وصل، لأنّ الاختلافات حتى لو حصلت في قضايا جوهرية فهي مبررة عند الله تعالى ما دام أنّ أصحابها لم يجحدوا ولم يقصروا في معرفة الحقيقة الإسلامية، ولو أنها حصلت في الفروع، فالأولى أن تكون مغفورة، على أنّ الشريعة نفسها قد أعدت لهذه الاختلافات قواعد خاصة للتعامل معها، وإذا اتبع الإنسان هذه القواعد وأصاب فهو المطلوب وأما إذا أخطأ فإنه معذور.

إذا اتضح ما ذكرناه، نقول: إنّ أحكام الشريعة التي يجب حفظها ووصولها إلى الأمة قد تمّ حفظها في الكتاب والسنة، وليس في الكتاب وحده، وما تمّ حفظه في السنة من قواعد الشريعة واسسها لا يقلّ في مقداره ولا في وصوله إلى الأمة عما حفظ في الكتاب ووصل من خلاله، وهذا بسبب عناية المسلمين ودور الأئمة من أهل البيت (ع) في حماية السنة، بل إنه وبسبب هذه العناية أمكن حفظ كثير من التفاصيل الواردة في السنة وتنقيتها مما تعرّضت له من دسٍ وتزوير وضياع. إنه وبفضل الجهد البحثي والتحقيقي أمكن غربلة السنة والوصول إلى قدر متيقن يحصل الاطمئنان بصدوره والوثوق به، ناهيك عن وجود قطعيات في السنة مما نقله لنا الرواة بشكل متواتر.

الوجه الثالث: ظنيّة السنة وقطعيّة الكتاب

إنّ الروايات ظنيّة السند والدلالة، بخلاف القرآن الكريم، وعليه فلا يسوغ للعاقل ترك ما هو قطعي الثبوت والدلالة واللجوء إلى ما هو ظني.

والجواب على ذلك:

أولاً: إن القرآن الكريم وإن كان قطعي السند، لكنه ربما كان ظني الدلالة، وهذا أمر لا يخفى على المتأمل في النصوص القرآنية، ولولا ظنية الدلالة لما حصلت الاختلاف في فهم الآيات واستنطاقها، التي سنشير إليها.

 ثانياً: إنّ السنة ليست كلها ظنية السند ولا الدلالة، فهناك عدداً من الأخبار وصلتنا بالتواتر المفيد لليقين، وهذا الصنف وإن كان قليلاً، لكن ثمة عدد أكبر منها يندرج في نطاق ما يصطلح عليه بالخبر الموثوق، وهو الذي تضافرت رواياته وتعددت طرقه وأسانيده ما يبعث على الوثوق والاطمئنان النوعي بصدوره، وهذا النوع من الأخبار حجة ولا يشمله ما دلّ على النهي عن اتباع الظن، هذا بصرف النظر عن الرأي المشهور الذي يذهب إلى حجية الخبر الظني الذي رواه الثقاة، لأدلة ذكرت في محلها ويفترض أصحاب هذا الرأي أنّ هذه الأدلة كافية لتخصيص ما دلّ على النهي عن اتباع الظن وبالمناسبة فالقائلين بحجية الخبر الظني يستدلون على ذلك بآيات الكتاب الكريم نفسه كآية النبأ أو غيرها، ولكننا لا نوافقه على الرأي المذكور بل نختار القول الآنف حول حجية الخبر الموثوق.

 وعليه فإذا رأينا أنّ ثمة أمراً ورد حكمه في السنة دون الكتاب، كتحريم لبس الحرير على الرجال مثلاً، فعلينا ملاحظة مستنده، فإن كان - أي المستند - روايات معتبرة وموثوقة اعتمد عليها في إثبات ذاك الحكم، وإلاّ كان المرجع هو أصالة البراءة المستقاة من الكتاب أيضاً.

وقد سألني أحدهم: "كيف نعلم بنسبة 100% أنّ النبي (ص) حرّم هذا الشيء، اعتماداً على رواية نقول بصحتها استناداً إلى الموازين الرجالية!

وكان جوابي: إنّ حصول اليقين المنطقي أو الرياضي وهو ما يوازي نسبة 100% ليس شرطاً في بناء المعرفة الدينيّة التشريعية، أياً كان مصدر التشريع بما في ذلك القرآن الكريم، حيث إنّ آيات الأحكام - في الغالب - لا تفيدنا أنّ هذا التشريع هو حكم الله بنسبة 100%، لأنّ القرآن وإن كان قطعي السند، لكنه قد لا يكون قطعي الدلالة، ولذا يحصل الاختلاف في استظهار الآية.

إنّ الوثوق أو الاطمئنان (وهو الذي يعبر عنه الأصوليون بالعلم العرفي)، وهو الذي يوازي تقريباً نسبة 90 أو 95% كافٍ في الاستناد إليه في مجال التشريع، وقد جرت سيرة العقلاء على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم على الاكتفاء به في شؤونهم وفي علاقاتهم وفي الاحتجاج على بعضهم البعض، في الوصايا والأقارير والتبليغات القانونية، وغيرها، الوثوق حاصل في الاحتجاج بالسنة، لأنّ تضافر الروايات على أمرٍ واحد من خلال الموثقين من الرواة ولا سيما إذا كانت الروايات واردة من مصادر الفريقين، يؤدي إلى حصول الاطمئنان في كثير من الحالات.

الوجه الرابع: مرجعيّة القرآن تمنع الاختلاف بخلاف السنة

إنّ مرجعية القرآن تحصن الأمة من الاختلاف، فالقرآن مصون محفوظ من التحريف ولم تنله يد الباطل، وأمّا السنة فقد وقع الاختلاف فيها لجهة صدورها أو فهمها أو سعة مداليلها أو ضيقها إلى غيرها من وجوه الاختلاف، ولذا فالعودة إلى الكتاب سوف تحصن الأمة من الاختلاف.  

ويلاحظ عليه بأمرين:

أولاً: إنّ حصر المرجعية بالقرآن الكريم لم ولن يمنع من حصول الخلاف، ودعوى أنّ ما شرعه القرآن مما لا خلاف فيه دعوى غير تامة وتعبر عن جهل صاحبها في اختلاف الناس والمذاهب في تفسير الآيات القرآنية. صحيح أنّ القرآن قطعي الصدور فلا يقع فيه خلاف من هذه الجهة، لكنه قد يكون ظني الدلالة، وفيه المحكم والمتشابه، ما يوجب اختلافاً في فهم آياته، وهذا ما حصل في العديد من الموارد، سواء ما يتصل بآيات العقيدة أو بآيات التشريع:

أما في آيات العقيدة فأكتفي بذكر آية منها، وهي قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} فقد اختلف المفسرون فيها تبعاً لاختلاف متبنياتهم العقدية، فبعضهم اعتبرها دليلاً على إمكانية رؤية الله في الآخرة، بينما نفى الفريق الآخر دلالتها على ذلك، ورأى أنّه لا بدّ من التقدير، ليصبح المقصود بقوله: "ناظرة" هو إلى رحمة ربها ناظرة، أو أنّ المقصود به "منتظرة" لأنها تنتظر رحمة ربها.

 وأمّا آيات التشريع، فقلّ أن تخلو آية منها من اختلاف الآراء الاجتهادية فيها، كما في آية الوضوء فقد وقع الخلاف في دلالتها على وجوب غسل الرجلين أو مسحهما، أو كما في آية ملامسة النساء والخلاف بينهم في مفهوم الملامسة الموجبة للغسل أو الوضوء، إلى غير ذلك من آيات التشريع التي يمكن الاطلاع على كثرة الاختلاف فيها في المصادر ذات الصلة.

ثانياً: من قال إنّ الاختلاف دائماً مذموم ولا يريده الله تعالى، إنّ القرآن الكريم نفسه يؤكد على شرعية الاختلاف وتعدد وجهات النظر، وإنما ذمّ التنازع والتناحر، وتوضيحاً لذلك نقول: إنّ التعمّق والتدبّر في القرآن الكريم يقودنا إلى ضرورة التمييز بين عنوانين: هما عنوان التفرق، وعنوان الاختلاف، والآيات القرآنية الواردة في هذا الصدد تذمّ التنازع والتفرّق لا مجرّد الاختلاف وتعدّد وجهات النظر، فالتنازع مذموم، لأنّه يقود إلى التناحر والتمزّق، قال تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46]. إنّ التنازع - طبقاً لهذه الآية - مذموم ومنهيٌّ عنه لأنّ نتائجه كارثية على الأمة فضلاً عن الأفراد، {فتفشلوا وتذهب ريحكم}، أي قوتكم وحضوركم. قد يكون عددكم كبيراً، كما هو حال الأمة اليوم، لكنّها كثرة بلا بركة، ولذا نجد أنفسنا أمام أمة لا ريح لها ولا قوة ولا حضور لها على صعيد تنافس الحضارات، كل ذلك بسبب تنازعها وتمزقها، إنّها غثاء كغثاء السيل، كما جاء في الحديث عن رسول الله (ص)[16].

وفي آية أخرى يبرز التفرق كعنوان مذموم في القرآن الكريم، قال تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: 105]. وفي آية ثالثة يقول تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران: 103].

هذا هو الشيء المذموم، وأمّا الاختلاف الناشئ عن الاجتهاد والبحث الموضوعي فهو إن لم يكن مصدر قوّة وحيويّة، فهو ليس مصدر ضعف أو تخلف، ولا سيما أنّ تنوع البشر في عقولهم ومستوى إدراكهم للأمور وفهمهم للنصوص يجعل الاختلاف أمراً لا مفر منه، ويمكنك القول: إنّ طبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية فضلاً عن الفكرية لا تُبنى على أساس اللون الفكري الواحد، مع إقصاء سائر الأفكار والآراء والاتجاهات، وإذا ما بنيت على ذلك فهي محكومة بالشلل والجمود والتخلف على الصعيد الفكري والعلمي وبالقمع والاستبداد على الصعيد السياسي والاجتماعي، قال تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118-119]، فإنّ اعتبار الاختلاف في هذه الآية - كما يرى بعض المفسّرين - هدفاً للخِلقة ليس إلا من جهة مساهمته في إغناء الحياة وإثرائها، لأنّ احتكاك الفكر بالفكر يُنتج الأفضل، ومواجهة العقل بالعقل يُثري الحياة ويُحفّز على الإبداع.

أجل، لقد ذمّ القرآن الكريم الاختلاف غير النزيه وهو المنطلق من البغي والعدوان، قال تعالى: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} [الجاثية: 17]، وكذلك رفض الاختلاف المعتمد على الشك والظن دون البرهان واليقين، قال سبحانه في شأن اختلاف اليهود في قتل عيسى (ع): {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} [النساء: 157].

وقصارى القول: إنّ الاختلاف لا يساوي التمزّق والتشتّت، ولا يعني أنّ مَنْ ليس معي فهو ضدّي، ومَن لا يوافقني الرأي فهو عدوّي، وإذا ما قاد الاختلاف إلى التناحر والتنازع فهو تخلّف وجاهلية، أمّا إذا تحرّك وفق قانون التدافع والتنافس فهو ليس أمراً جائزاً وممدوحاً فحسب، بل هو شرط لديمومة الحياة الاجتماعية والإنسانية، كما يؤكّد عليه قوله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً} [الزخرف: 32].

الوجه الخامس: تعرض السّنة للدسّ

إنّ القرآن محفوظ ولم يتعرض للدس والتزوير وهذا بخلاف السنة، فإنها تعرضت للدس والتزوير الكبيرين، وكثر الكذابة على رسول الله (ص) في حياته فضلاً عما جرى بعد موته، وكثر الكذب أيضاً على الأئمة (ع)، الأمر الذي يحتم علينا ترك الروايات بأجمعها لعلمنا باشتمالها على المكذوب.

وتعليقنا على هذا الوجه أنه في الحقيقة يسلّم بحجيّة السنة الواقعية، ولكنه يناقش في السنة المحكيّة بالخبر، مفترضاً أنها لا تكون حجة علينا بسبب ما قد تعرضت له من تشويه وتزوير ودس. ونحن نوافقهم الرأي إجمالاً بتعرض السنة للدس والتزوير، لكن هذا لا يسقطها عن دائرة الحجية رأساً، لأننا لا ندعو إلى العمل بكلِّ ما روي عن رسول الله (ص) وإنّما بخصوص ما عُلم بصدوره عنه (ص) أو حصل الوثوق بذلك، وهذا الأمر يتم من خلال تصفية الأحاديث وغربلتها، ونقدها سنداً ومتناً، ونقد السند يرجع فيه إلى علم الرجال الذي يعمل على فرز الرواة والتعرف على الكذبة والوضاعين، من خلال دراسة حياتهم، وأما نقد المتن، فيكون بدراسة مضامين الأخبار وقياسها على مرجعيات معيارية، وعلى رأسها مرجعية القرآن الكريم، فما وافق القرآن أخذ به وما خالفه روحاً ومضموناً نرمي به عرض الحائط، ومن هذه المرجعيات أيضاً، مرجعية العقل القطعي، وقد أوضحنا ذلك في مجال آخر[17].

 وهكذا اتضح أن مرجعية السنة - من حيث المبدأ - لا مجال للتشكيك بها ورفضها، وأنّ لا مناص من العمل بما ثبت صدوره عن النبي (ص) وكذلك الأئمة من أهل بيته (ع).

  1. حجية السنة في تفسير القرآن

إنّ ما تقدم كان بحثاً تأسيسياً يرمي إلى إثبات حجية السنة في بناء المعرفة الدينيّة بشكل عام، وهذه النقطة مخصصة للحديث عن حجيّة السنة في تفسير القرآن الكريم، والمبرر لعقد هذا البحث أنّ بعض من قال بحجية السنة في التشريع، قد رفض الرجوع إليها في التفسير، مكتفياً في مجال التفسير بالاعتماد على القرآن نفسه، على قاعدة أنّ القرآن مستغنٍ بنفسه وهو يفسر بعضه بعضاً، أو مكتفياً بالرأي فحسب دون حاة إلى شارح للقرآن ولو كان هو النبي (ص) نفسه، وقابل ذلك اتجاه آخر يرى أنه لا يمكن تفسير القرآن الكريم إلا من خلال ما جاء في السنة. فكان لا بد لنا أن ندرس هذا الأمر بشكل وافٍ، وذلك من خلال البحث عن حجيّة السنة في التفسير، على أن نعود في المحور الثاني إلى ملاحظة أهم الاتجاهات التفسيرية ذات الصلة.

ونتطرق في هذه النقطة إلى أمرين:

أولاً: حجيّة قول النبي (ص) في تفسير القرآن

 إنّ حجيّة قولِ الرسول (ص) في تفسير الكتاب هو أمرٌ يكاد يكون طبيعياً وبديهياً، وذلك لأكثر من وجه:

  1.  إنّ القرآن الكريم نزّل عليه (ص) فهو أعلم الناس بمضامينه وأعماقه، محكمه ومتشابهه، مجمله ومبينه، مكيه ومدنيه، ناسخه ومنسوخه.
  2. إن ما دلّ على حجية قوله (ص) ولزوم اتباعه والأخذ بما يأتي به مطلقٌ فيدل على حجيته أكان في مجال تفسير الكتاب أو في غيره، ورفع اليد عن هذا الإطلاق يحتاج إلى دليل ينفي حجية قوله في تفسير القرآن وهو مفقود.
  3.  إنّه (ص) مكلّف من قبل الله تعالى بأن يبيّن ما نزل من القرآن للناس، قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}، وعليه، فيكون قوله في تفسير كلام الله حجة ومقدّم على كل قول، لأنه لا يخضع للاجتهاد أو التفسير بالرأي، بل هو وحي يوحى.

 وقد قام النبي (ص) بهذا الدور وأوضح للناس ما أشكل عليهم فهمه، وقد وصلنا من ذلك تراث غير يسير، وسيأتي في ثنايا هذا البحث ذكر بعض النماذج التفسيرية المروية عنه (ص) في هذا المجال.

باحتصار: إنّنا لا نستغني عن السنة في تفسير الكتاب، لأنّ كثيراً من آيات الكتاب جاءت مجملة وأوكل أمر تفصيلها إلى النبي (ص)، وعلى سبيل المثال: إنّ الصلاة، ومع أنّ القرآن قد نصّ على أصل وجوبها وبعض أحكامها، إلا أنّه لم يبين لنا أكثر تفاصيلها وشروطها وموانعها وأحزائها وعدد ركعاتها وتفاصيل أوقاتها وحكم الشك فيها، إلى غير ذلك من كيفياتها، وإنما جاء ذلك كلّه في السنة، فهل نقول بأنّ الواجب هو الصلاة فقط، وأما كيفيتها وعدد ركعاتها وسائر تفاصيلها فهي ليست واجبات شرعاً، وبالتالي يحق لكل مسلم أن يخترع صلاة خاصة به؟! وقد نبهت بعض الأخبار على ذلك، ففي صحيحة أبي بصير عن الإمام الصادق (ع): " إِنَّ رَسُولَ اللَّه ص نَزَلَتْ عَلَيْه الصَّلَاةُ ولَمْ يُسَمِّ اللَّه لَهُمْ ثَلَاثاً ولَا أَرْبَعاً حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّه ص هُوَ الَّذِي فَسَّرَ ذَلِكَ لَهُمْ ونَزَلَتْ عَلَيْه الزَّكَاةُ ولَمْ يُسَمِّ لَهُمْ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَماً دِرْهَمٌ حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّه ص هُوَ الَّذِي فَسَّرَ ذَلِكَ لَهُمْ ونَزَلَ الْحَجُّ فَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ طُوفُوا أُسْبُوعاً حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّه ص هُوَ الَّذِي فَسَّرَ ذَلِكَ لَهُمْ ونَزَلَتْ * (أَطِيعُوا الله وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ).

ثانياً: حجية قول الأئمة (ع) في تفسير القرآن

وهكذا فإنّ الرجوع إلى العترة الطاهرة من أهل البيت(ع) وعلى رأسهم أمير المؤمنين (ع) في تفسير القرآن هو أمر قد قام عليه الدليل، وبيان ذلك:

إنّ الأئمة من أهل البيت (ع) هم عدل القرآن الكريم بنص حديث الثقلين الذي أكّد على عدم افتراقهم عنه، "وإنهم لن يفترقا حتى يردا علي الحوض"[18]، وهذا الحديث المتواتر عن رسول الله (ص) لا يؤكد على ضرورة الرجوع إلى أهل البيت (ع) في تفسير القرآن فحسب، بل ويضمن أنه مرجعية مصونة من الضلال والانحراف "ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً"، وأنها مرجعية لن تفارق الكتاب طرفة عين.

 ويروي الحاكم النيسابوري بإسناده إلى أم سلمة عن رسول الله (ص): "علي مع القران والقرآن مع علي لن يتفرقا حتى يردا على الحوض"، ويعقب على هذا الحديث قائلاً: "هذا حديث صحيح الإسناد.. ولم يخرجاه "[19].

 وكيف لا يكون قول أمير المؤمنين (ع) حجة في تفسير الكتاب، وهو ربيب القرآن الكريم والوحي، وأعلم الناس - بعد رسول الله (ص) -  بمواقع نزول الآيات، وذلك ليس بحكم قربه من رسول الله (ص) وتلّمذه على يديه فحسب، بل وبسبب حرصه الشديد على التزود من معين القرآن، وقد روي أنه عند نزول آية النجوى الناهية عن مناجاة النبي (ص) إلا بعد تقديم المناجي بين يديه صدقة، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} [المجادلة: 12]،  كان علي (ع) وحده الذي تصدق بماله لأجل أن يحظى بمناجاة النبي (ص) حتى نسخت الآية المباركة ولم يعمل بها غيره[20].

ولعله لم يجرأ أحد من الصحابة أن يقول: "سلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل"[21]. وفي نقل آخر: "سلوني عن كتاب الله (عز وجل)، فوالله ما نزلت آية منه في ليل أو نهار ولا مسير ولا مقام إلا وقد أقرأنيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلّمني تأويلها"[22].

وعنه (ع) قال: ".. فَمَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّه ص آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا أَقْرَأَنِيهَا وأَمْلَاهَا عَلَيَّ فَكَتَبْتُهَا بِخَطِّي وعَلَّمَنِي تَأْوِيلَهَا وتَفْسِيرَهَا ونَاسِخَهَا ومَنْسُوخَهَا ومُحْكَمَهَا ومُتَشَابِهَهَا وخَاصَّهَا وعَامَّهَا ودَعَا اللَّه أَنْ يُعْطِيَنِي فَهْمَهَا وحِفْظَهَا فَمَا نَسِيتُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّه ولَا عِلْماً أَمْلَاه عَلَيَّ وكَتَبْتُه مُنْذُ دَعَا اللَّه لِي بِمَا دَعَا.."[23].

 وهو الذي حرص بعد وفاة رسول الله (ص) وإقصائه عن موقع الخلافة أن لا يخرج من بيته حتى يجمع القرآن الكريم، ولذا نراه لما سئل عن سبب عدم خروجه من بيته بعيد وفاة رسول الله (ص)، قال: ".. ولكني آليت ألا أرتدي ردائي إلا إلى صلاة حتى أجمعَ القرآن"[24].

وهو الذي خاض كل معاركه من أجل القرآن الكريم، وتحكيم مبادئه، وقاتل مرّة على تنزيله وأخرى على تأويله[25].
 

من كتاب: حاكمبة القرآن (دراسة تأصيلية حول علاقة السنة بالكتاب ودورها في تفسيره)


[1] الغيبة للنعماني، ص 29.

[2] هذه الكلمة تروى عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، بعد أن طلب النبي (ص) من أصحابه عندما اشتد به المرض والوجع في آخر أيام حياته، أن يأتوه يقلم ودواة، ليكتب لهم كتاباً لا يضلوا بعده، فقال عمر: "حسبنا كتاب الله!". وروي في مجال آخر بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما حضر [صار في حالة الاحتضار] رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: هلم اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده، فقال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي صلى الله عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا، قال عبيد الله: وكان ابن عباس يقول: إنّ الرزية كلَّ الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم"، صحيح البخاري، ج 7، ص 9، وج 5، أيضاً ص 138.

[3] ومنهم الفرقة القاديانية، ومن رموز هذا الاتجاه - اليوم - الدكتور أحمد صبحي والدكتور محمد شحرور، وقد أنشأ بعضهم موقعاً إلكترونياً باسم "أهل القرآن".

[4] سنن ابن ماجة ج 1 ص 6، وسنن الدارمي ج 1 ص 144، ومسند أحمد ج 4 ص 132.

[5] طبيعي لا بد أن لا يكون استدلالنا على عصمته مستنداً إلى ما دل على وجوب اطاعته واتباعه، لأنّ وجوب الاتباع – ناهيك عن أن دلالته على العصمة لا تخلو من إشكال - هو محل الكلام والنزاع فيما نحن فيه، فإذا أريد إثبات العصمة بدليل الاتباع وقعنا في إشكالية الدور.

[6] صحيح البخاري، ج 1، ص 155.

[7] السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 125، الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم، ج 3، ص 188.

[8] الأصول العامة للفقه المقارن، ص 126.

[9] المحلى، ج 2 ص 200.

[10] كما أوضحنا ذلك في كتاب أصول الاجتهاد الكلامي، ص

[11] أوضحنا ذلك في فقه العلاقة مع الآخر المذهبي، ج

[12] الأصول العامة للفقه المقارن، ص 126.

[13] كل ذلك أوضحناه في كتاب أبعاد شخصية النبي (ص)، فليراجع.

[14] المقصود باللقب: كل اسم - سواء كان مشتقاً أم جامداً – وقع موضوعاً للحكم، كالفقير في قولهم: "أطعم الفقير". ومعنى مفهوم اللقب نفي الحكم وهو وجوب الإطعام في المثال عمن لا يتناوله عموم الاسم وهو الفقير، والمعروف بينهم أن اللقب لا مفهوم له، وهو لأنّ موضوع الحكم بعنوانه لا يشعر بتعليق الحكم عليه، فضلاً عن أن يكون له ظهور في الانحصار، انظر: أصول الفقه، للشيخ المظفر، 1، ص 182.

[15] الكلام هنا فيما يتصل بفعل الله تعالى، وأما عامة الناس المكلفين فإنّ من واجبهم الكفائي أن يحفظوا الشريعة بأجمعها، بكلياتها وجزئياتها حفظاً يحرسها من الضياع، ويحميها من التزوير، وإذا قصّروا في ذلك فالملامة عليهم. والحارس لها في وجه ما قد تتعرض له من دسٍّ أو تزوير أو تأويل، فهم الملامون والمؤاخذون.

[16]  وهذا نص الحديث عنه (ص): "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الاكلة إلى قصعتها" فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن" فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: "حب الدنيا وكراهية الموت"، انظر: سنن أبي داوود ج 2 ص 313.

[17] أنظر: أصول الاجتهاد الكلامي، ص

[18] سنن الترمذي ج5 ص329.

[19] يقصد البخاري ومسلم، أنظر: المستدرك ج 3 ص 124.

[20] روى الحاكم بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد ولا يعمل بها أحد بعدي آية النجوى { يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} [المجادلة: 12] الآية، قال: كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم فناجيت النبي صلى الله عليه وآله فكنت كلما ناجيت النبي صلى الله عليه وآله قدمت بين يدي نجواي درهما ثم نسخت فلم يعمل بها أحد، فنزلت: {أأشفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم صدقات} [المجادلة: 13] الآية"، وأضاف: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، انظر: المستدرك ج 2 ص 482. والنسخ مذكور في رواياتنا، انظر: تفسير القمي، ج 2، ص 357.

[21] الاستيعاب، ج 3، ص 1107، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي، ج 6، ص 192.

[22] الأمالي للصدوق ص 523، وكتاب سليم بن قيس ص331، والاحتجاج للطبرسي ج1 ص388، ورواه ابن الجوزي عنه: "وقال علي: سلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم: أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل نزلت أم في جبل"، انظر: كشف المشكل من حديث الصحيحين ج1 ص241. وكذلك المتقي الهندي في كنز العمال، ج2 ص565.

[23] الكافي، ج 1، ص 64، والخصال للصدوق، ص 255، وكمال الدين وإتمام النعمة، ص 284.

[24] الاستيعاب، ج 974.

[25] روى الأإمام أحمد بإسناده عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان منكم من يقاتل على تأويله كما قاتلت على تنزيله قال فقام أبو بكر وعمر فقال لا ولكن خاصف النعل، وعليّ يخصف نعله"، انظر: مسند أحمد ج 3 ص 33.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon