حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  مقالات >> أصول التفسير
أهم الاتجاهات التفسيريّة ذات العلاقة بالرواية -2
الشيخ حسين الخشن



4- تفسير القرآن بالقرآن عند العلماء
وفعلاً فقد اقتفى عدد من المفسرين أثر الأئمة (ع) وعملوا بإرشاداتهم وبطريقتهم في المفسرين، معتمدين هذا المنهج في التفسير، كما لا يخفى على من راجع الموسوعات التفسيريّة، ويعدّ العلامة الطباطبائي من أبرز المفسرين الذين طبقوا هذا المنهج في تفسيره، وأدرج تفسيره في هذا الصنف من التفسير[1]، ودافع عن هذا المنهج في أكثر من كتاب[2]، وكذلك السيد الخوئي، أكدّ على اعتماده هذا المنهج وترجيحه له على غيره[3].

هذا عند الشيعة، وأمّا عند سائر المذاهب فيلاحظ انتشار هذه الطريقة في التفسير، فالشنقيطي المتوفى 1393 هـ كتب تفسيراً يحمل اسم " أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن". وثمة كتاب تفسيري آخر ألّفه السيد إبراهيم بن محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير الصنعاني الزيدي المتوفى سنة 1213هـ يحمل عنوان: " مفاتيح الرضوان في تفسير القرآن بالقرآن"[4]. ونستطيع أن نعدّ الراغب الأصفهاني من أعلام هذا الاتجاه، فإنه - كما لا يخفى على المتأمل في كتابه المفردات في غريب القرآن - يعمل في غالب الأحيان على تفسير الآية بالآية.

ومن المناسب أن نذكر بعض النماذج من تفسير القرآن بالقرآن مما وجدناه مبثوثاً في كتب التفسير:

النموذج الأول: ذكر غير واحد من المفسرين، أن الآيات التي توحي بالتشبيه كقوله تعالى : { الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، أو قوله تعالى: { إلى ربها ناظرة} [القيامة: 23]  لا يمكننا الاستسلام لظهورها البدوي في ذلك، وإنما نفسرها على ضوء ما نصّ عليه القرآن في محكم الآيات من أنّ الله تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، أو قوله تعالى: { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }[الأنعام: 103].

النموذج الثاني: في تحديد الليلة التي أنزل فيها القرآن، حيث يواجهنا قوله تعالى: {إنّا أنزلناه في ليلة مباركة}[ الدخان: 3]، فإنّ ما نفهمه عن هذه الليلة أنّها ليلة مباركة، ولكننا لا نستطيع تشخيص هذه الليلة  وتعيينها في أي شهر، ولكن عندما نقرأ قوله تعالى: {إنّا أنزلناه في ليلة القدر}، فإنّ ذلك سوف يزيد صورة هذه الليلة وضوحاً، ويعطينا تشخيصاً أكثر تحديداً لها، وهي أنها ليلة القدر، ولكن يبقى الخفاء قائماً فمتى تكون ليلة القدر؟  فإذا ضممنا إلى ذلك آية ثالثة، وهي قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} [البقرة: 185]، فسيتضح أن الليلة المباركة وهي ليلة القدر التي أنزل فيها القرآن هي في شهر رمضان المبارك.

النموذج الثالث: تفسير المطر الذي أنزله الله على قوم لوط، ففي سورة الأعراف يقول تعالى: { وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين } [الأعراف: 84]. دون تحديد أكثر عن نوع المطر، ولكنه في آية أخرى أوضح أنّ المطر النازل عليهم هو من الحجارة، فقال سبحانه: { وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل } [الحجر: 74]"[5].

إلى غير ذلك من النماذج التي يعثر عليها المتابع لكتب التفسير.

  1. ضوابط تفسير القرآن بالقرآن

إنّ تفسير القرآن بالقرآن ليس عملاً مزاجياً أو استنسابياً، بحيث يتم إسقاط آية على أخرى دون رابط بينهما.

  •  إنّ وجود صلةٍ موضوعيّة بين الآيات هو الشرط الأساس لمشروعية هذا التفسير، وذلك بأن تكون الآية الثانية موضحة للآية الأولى، ومفصلِّة لما أجملته، أو مخصصة لما أطلقته، أو مكمِّلة للصورة التي بيّنت الآية الأولى جزءً منها، أو مبيّنة لعمق من أعماق الموضوع الذي تطرقت إليه الآية الأولى. إنّ وجود الرابط المشار إليه بين الآيات كشرط لا بدّ منه في التفسير الموضوعي يضع حداً لكل محاولات التكلف أو الشطط في تحميل بعض الآيات على آيات أخرى لا نظر فيها إليها، أو إسقاط بعضها على البعض الآخر مع أنّه لا رابطاَ موضوعياً بينها.
  • وفي هذا السياق يمكن أن يقال: إنّ مراعاة مراحل نزول الآيات المتدرجة هو الشرط الآخر لسلامة هذا التفسير، والإخلال بترتيب هذه المراحل قد يجعل المنسوخ ناسخاً، والمبين مجملاً. وهذا سيؤثر - بطبيعة الحال - على سلامة النتائج، فيغدو الحرام حلالاً أو بالعكس، ولعلّ هذا هو ما رامه الحديث الناهي عن ضرب القرآن بالقرآن الآتي.
  •  وامتلاك ثقافة قرآنية عامة تتيح للمفسر الاطلاع على مجمل المعارف القرآنية وعلى الأشباه والنظائر والآيات ذات الصلة، هو شرط لا غنى عنه في التفسير الموضوعي، بغية أن يأتي تفسيره أقرب إلى مقاصد منزل القرآن جلّ وعلا، وهذا ما سوف يظهر تناسق الآيات القرآنية وتناغمها، بدل أن تبدو معارف القرآن متباينة متضادة أو مفككة ومشتتة. إنّ من يفسر الآية بعيداً عن سياقها القرآني وما يرتبط بها هو كمن يأخذ مقطعاً من الكلام قبل اكتمال البيان، وهذا فيه تقوّل على الله تعالى، على طريقة جمود البعض على آية: { ويل للمصلين } [الماعون: 4]، دون أن يتلو تتمة الآية أعني قوله تعالى: {الذي هم عن صلاتهم ساهون} [الماعون: 5]، وقد قال أحد الشعراء:

دع المساجد للعباد تسكنها * وسر إلى خانة الخمار يسقينا

 ما قال ربك ويل للألى سكروا * وإنما قال ويل للمصلينا.  

  1. تفسير القرآن بالقرآن وعلاقته بـ "ضرب القرآن بالقرآن"

وفي هذا السياق يستوقفنا حديث ينهى عن ضرب القرآن بالقرآن، فما علاقة ذلك بتفسير القرآن بالقرآن؟

لنا في المقام نقطتان:

النقطة الأولى: فيما يتصل بسند الحديث المذكور، فهو مروي في مصادر كافة المسلمين، ففي مصادر السنة روي عن رسول الله (ص) أنه قال: "لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض"[6]. وأما في مصادر أصحابنا الإمامية، فقد روى الْقَاسِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قَالَ أَبِي (ع):" مَا ضَرَبَ رَجُلٌ الْقُرْآنَ بَعْضَه بِبَعْضٍ إِلَّا كَفَرَ"[7].

وقد اعترض السيد الخوئي على الرواية من حيث السند، بأنّها "ضعيفة، حيث إنّ المعمر بن سليمان لا وجود له في كتب الرجال، هذا مضافاً إلى أن الرواية مرسلة"[8].

ولكن يلاحظ عليه:

  •  إنّ المعمر بن سليمان، هو الاسم الوارد في تفسير العياشي، ولكن في الكافي وغيره فإنّ الاسم هو القاسم بن سليمان، وهذا ليس مجهولاً فهو مذكور في الرجال، وقد أفرد له النجاشي ترجمة خاصة، وأفاد أنّ الراوي لكتابه هو النضر بن سويد[9]، وذكره الشيخ في رجاله[10] وفهرسته[11]، وعقد له السيد نفسه ترجمة خاصة في معجم رجاله[12]، وأفاد أنّه "وقع بهذا العنوان في إسناد كثير من الروايات تبلغ مائة وتسعة عشر مورداً"[13]. والرجل ينبغي أن يكون ثقة على مبنى السيد الخوئي، لأنه من رجال تفسير القمي[14]، وكذلك من رجال " كامل الزيارة"[15]، وقد جرى السيد على توثيقه في بحوثه[16]، بناءً على ذلك، وتراجعه عن الثاني لا يضر، لكفاية الأول. وأما على المبنى الآخر - وهو الأقرب بنظرنا - الذي لا يكتفي بذلك في التوثيق، فيمكن القول بوجود سبيل آخر لتوثيقه وهو إنّ الرجل من المعاريف وصاحب كتاب ومع ذلك لم يرد فيه تضعيف، ويضاف إلى ذلك أنّه ممن روى عنه الأجلاء من أمثال يونس، والنضر بن سويد، والحسين بن سعيد وحماد[17]، على أنّ روايته التي هي محط النظر قد ورد ما يؤيدها من مصادر الفرق الإسلامية الأخرى، كما ذكرنا، فيمكن بضم هذا إلى ذاك حصول الوثوق بصدور الرواية، على تأمل في كفاية ذلك.
  • لا إرسال في الرواية، بحسب ما جاء في الكافي وثواب الأعمال، ويبدو أنّ السيد الخوئي ناظر إلى ما جاء في تفسير العياشي، لأنّ السؤال الموجه إليه هو عن ذلك، فحكم بالإرسال، وضعف المعمر بن سليمان، ولم يلتفت إلى ورودها مسندة في مصادر أخرى.

النقطة الثانية: في بيان المراد من ضرب القرآن بعضه ببعض، وإليك بعض الكلمات الواردة في ذلك:

وأول ما يواجهنا في المقام الكلام الذي نقله الصدوق عن أستاذه، قال: "وسألت محمد بن الحسن رحمه الله عن معنى هذا الحديث؟ فقال: هو أن تجيب الرجل في تفسير آية بتفسير آية أخرى"[18].

وأما المازندراني فيطرح احتمالين، يقول: " يحتمل وجهين:

 الأوّل: أن يُراد بالضرب المعنى المعروف، فإنْ كان من باب الاستخفاف فهو كفر جحود وإلاّ فهو كفر النعمة وترك الأدب.

الثاني: أن يُستعمل الرأي في المجمل والمؤول والمطلق والعامّ والمجاز والمتشابه وغيرها من المعضلات ويجمع بينها باعتبارات خيالية واختراعات وهميّة ويستنبط منها أحكاماً يعمل بها ويفتي بها من غير أن يكون له مستند صحيح"[19].

والوجه الثاني في كلام المازندراني قد ذكره الفيض الكاشاني، قال: "لعل المراد بضرب بعضه ببعض تأويل بعض متشابهاته إلى بعض بمقتضى الهوى من دون سماع من أهله أو نور وهدى من الله"[20].

وأما العلامة المجلسي فقد أشار في تفسير الحديث الرأي إلى رأي آخر، قال: " أفيد أنّ المراد تفسير القرآن والجمع بين آيها[21] واستنباط الأحكام، فإنه لا يعلم ذلك غير المعصوم" ثم ذكر التفسير الأول الوارد في كلام المازندراني بصيغة الاحتمال، قال: "ويحتمل أن يكون المراد المعنى الظاهر، بتقدير الاستخفاف أو ارتكاب التجوز في الكفر"[22].

وبالوصول إلى السيد الخوئي، فإنه طرح الرأي التالي، قال: "معنى الرواية خلط القرآن بعضه ببعض، وعدم التمييز بين المحكم والمتشابه والعام والخاص، كخلط بعضه ببعض، والمراد من الكفر حينئذ هو معناه العام لا الخاص"[23].

اتضح من هذه الكلمات وجود عدة آراء في تفسير ضرب القرآن بالقرآن:

الأول: أن المراد الضرب بالمعنى المادي، بأن يأخذ جزءاً من القرآن ويضربه بجزء آخر، وهو الذي احتمله العلامة المجلسي.

ولكنّ هذا المعنى بعيد جداً، ولا يظن أنه المراد من الحديث.

قد يقال: إنّ ما جاء في رواية القاسم بن سليمان من الحكم بكفر من ضرب القرآن بعضه بالبعض يعدّ شاهداً لهذا الوجه، فإنّ من ضرب القرآن بعضه ببعض يحكم بكفره، لأنه يكشف عن استخفافه بكتاب[24]الله تعالى.

ولكنه يقال: إنّ كلام النبي (ص) أو الإمام الصادق (ع) لو كان جواباً على سؤال لكان ما ذكر في تفسيره وجيهاً، فقد يبتلي بعض الناس بهذا الأمر، أعني ضرب جزء من القرآن بجزء آخر، حتى لو كان ذلك نادراً، ولكن حيث إنّ النبي (ص) وكذا الإمام (ع) قد بادرا إلى إطلاق هذا المعنى فيبعد نظرهما إلى حالة نادرة، ولو أرادا التحذير من الاستخفاف بالقرآن وانتهاك حرمته لاستخدما تعبيراً أشمل وأوسع.

الثاني: أن يراد به تفسير القرآن واستنباط الأحكام منه.

وهذا أشدّ غرابة من سابقه إن لم نقل إنه مقطوع البطلان، لأنّ ذلك لا يسمى عرفاً ولغة ضرباً للقرآن بالقرآن، وكل ما دلّ على مشروعية تفسير القرآن هو ردّ عليه، على أنه لا وجه ولا موجب للحكم بكفر من فعل ذلك، طبقاً لما جاء في رواية القاسم بن سليمان.  

الثالث: ما نقله الشيخ الصدوق عن أستاذه محمد بن الحسن من أنّ المراد به أن تجيب عن تفسير آية بتفسير آية أخرى. وهذا المعنى صحيح فيما لو أريد به: أن تفسِّر الآية بآية أخرى لا ربط موضوعياً بينها وبين الآية المبحوث عنها، وإنما يعتمد المفسر على مجرد التشابه اللفظي ليخرج الآية عن ظهورها، ويتوصل إلى نتائج وغايات خاصة بعيدة كل البعد عن الطريقة العرفية في فهم القرآن.

 وأعتقد أن كلمات سائر الأعلام المتقدمة ( وهم المازنداراني في أحد الوجهين المذكورين في كلامه والكاشاني والسيد الخوئي )، يمكن إرجاعها إلى هذا المعنى، فيكون ضرب القرآن بالقرآن عبارة عن خلط الآيات وربطها بعضها بالبعض بطريقة عشوائية غير منتظمة، بما يخلّ بمنازل الآيات وتراتبيتها وتدرجها في النزول، وهذا قد يؤدي إلى جعل المنسوخ ناسخاً، والمحكم متشابهاً وصيرورة الحرام حلالاً أو مكروهاً، والواجب مستحباً أو مباحاً. وبناءً على هذا التفسير للحديث، يكون كفر من يقوم بفعل الضرب المذكور مستخدماً بمعناه اللغوي الذي يعني في المقام تغطية الحق برفض المنهج السليم في التفسير والذي يؤدي إلى ضياع الحقيقة القرآنية وسترها، وربما أريد به الكفر الاصطلاحي في حال كان الضرب متعمداً بهدف تحريف معاني القرآن الكريم، وارتفاع الشبهة عن فاعل ذلك.

وتستطيع القول: إنّ ضرب القرآن بالقرآن هو في حقيقته ومآله على النقيض من طريقة تفسير القرآن بالقرآن، كما دلّت عليه بعض الأخبار الواردة عن رسول الله (ص)، ففي الحديث: " سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً يتدارؤن [ في ] القرآن ، فقال : إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضاً، فلا تكذبوا بعضه ببعض ، فما علمتم منه فقولوه ، وما جهلتم منه فكِلُوه إلى عالمه"، [25]، فلاحظ كيف جعل (ص) ضرب القرآن بالقرآن في مقابل تصديق القرآن للقرآن.

 وإلى ما ذكرناه أشار السيد الطباطبائي في بعض كلماته[26]، فإذا كان تفسير القرآن بالقرآن يرمي إلى استجلاء الخفاء والوصول إلى حقيقة المراد الإلهي، فإنّ ضرب القرآن بالقرآن هو محاولة تمويهية يتلاعب فيها المفسر بدلالة الآية مستفيداً من شبهها مع آية أخرى ليصل إلى نتيجة غريبة ومغايرة لما ينبغي أن توصل إليه طريق تفسير القرآن بالقرآن، ومنشأ ذلك هو العمل على إسقاط الآراء والأهواء على القرآن، بدل أن يتمّ استهداء القرآن الكريم في تكوين الآراء. وقد ورد في الحديث عن الإمام علي (ع): " كم من ضلالة زخرفت بآية من كتاب الله كما يُزخرَف الدرهم النحاس بالفضة المموهة"[27].

  1. تفسير القرآن بالقرآن لا يُلغي شرعيّة الطرق الأخرى في التفسير

قد اتضح مما سلف أنّ الرجوع إلى القرآن نفسه في التعرف على المراد بآياته يعدّ الخطوة الأولى التي لا بدّ أن يعتمدها المفسر في عملية استكناه معاني القرآن واستنطاق آياته وفقاً لقواعد اللغة وأصول البلاغة، لأنّه ليس هناك أولى من القرآن نفسه في التعرف على المراد من آيات القرآن وتفسيرها.

وعليه، فمن الطبيعي أن لا تتقدم الطرق الأخرى في التفسير على هذا الطريق، وإنّما لا بدّ أن تأتي في طوله، ويمكننا القول: إنّ هذه الطريقة تعدّ معياراً يصلح لمحاكمة سائر الطرق، إذ لا يمكن أن نقبل بأي تفسير لا يوافق عليه القرآن الكريم نفسه.  

بيد أنّ هذا الاتجاه في التفسير على أهميته ولزوم اعتماده كما أسلفنا لا يعني أبداً انحصار التفسير بهذا الطريق، وسدّ الباب أمام الطرق الأخرى، لأنّ ما تقدم ذكره من الوجوه والأدلة على لزوم اعتماد المفسر هذا الطريقة في التفسير لا ينفي حجيّة سائر الطرق ووجود دور معين لها في تفسير الكتاب، ففي حال لم يتسن للمفسر أن يتعرف على المقصود بالآية المباركة بالرجوع إلى أخواتها ونظيراتها من الآيات، فيتعين عليه الرجوع إلى السنة الصحيحة فإن لها دوراً كبيراً في التفسير وقد قام الدليل على حجيتها، وعلى رأس ذلك: الدليل القرآني الذي أكد على دور النبي (ص) في توضيح القرآن الكريم وتفسيره وبيان أعماقه، وسيأتي مزيد بيان لذلك.

الوقفة الثانية: نظرية العلامة الطباطبائي

هذا وقد نسب بعض العلماء المعاصرين إلى السيد الطباطبائي أنّه من أصحاب نظرية "حسبنا كتاب الله"، إذ لوحظ أنّه يؤخر البحث الروائي في تفسيره مع أنّ حقه التقديم، فإنّ الرواية عن المعصوم هي الأساس في فهم الآيات القرآنية[28].

وربما ساعدت على هذا الفهم بعض كلمات العلامة في ثنايا تفسيره، فعلى سبيل المثال، نراه يقول: "فالحق أنّ الطريق إلى فهم القرآن الكريم غير مسدود، وأنّ البيان الإلهي والذكر الحكيم بنفسه هو الطريق الهادي إلى نفسه، أي أنه لا يحتاج في تبيين مقاصده إلى طريق فكيف يتصور أن يكون الكتاب الذي عرفه الله تعالى بأنه هدى وأنه نور وأنه تبيان لكل شيء مفتقراً إلى هاد غيره ومستنيراً بنور غيره ومبيناً بأمر غيره؟!"[29].

ويقول تعليقاً على الروايات الناهية عن تفسير القرآن بالرأي: "والمحصّل أنّ المنهي عنه إنما هو الاستقلال في تفسير القرآن واعتماد المفسر على نفسه من غير رجوع إلى غيره، ولازمه وجوب الاستمداد من الغير بالرجوع إليه، وهذا الغير لا محالة إمّا هو الكتاب أو السنة، وكونه هي السنة ينافي القرآن ونفس السنة الآمرة بالرجوع إليه وعرض الأخبار عليه، فلا يبقى للرجوع إليه والاستمداد منه في تفسير القرآن إلا نفس القرآن"[30].

وتوضيحاً لرأي الطباطبائي حول دور الرواية في التفسير نقول:

أولاً: لا ريب أنّ السيد الطباطبائي له موقف ملفت حول دور السنة في تفسير القرآن الكريم، فهو يصرّ على أنّ القرآن مستغنٍ بنفسه في بيان مقاصده ولا يحتاج إلى ضمائم أخرى كما لا يحتاج في إثبات حجيته إلى حجة أخرى تثبت حجيته، ولو كانت هي السنة، إلا أن رأيه - باعتقادنا - لا يصل إلى حدّ إسقاط وإلغاء أي دور للسنة في التفسير. إنّ التأمل في كافة كلمات السيد الطباطبائي تظهر تبنيه نظريّة محورية القرآن في التفسير وأنّه مستغن بنفسه في ذلك، لأنه يفسّر بعضه بعضاً، ما يعطيه حاكمية على السنة دون أن يسقط دور السنة بشكل كلي في تفسيره، (وسيأتي الحديث عن هذه النظرية في الاتجاه الرابع) فها نحن نراه يقول: " ليس فيه أي اختلاف، ولو وجد فيه اختلاف بالنظرة البدائية يرتفع بالتدبر في القرآن نفسه. ومثل هذا الكتاب لو احتاج في بيان مقاصده إلى شيء آخر لم تتم به الحجة، لأنه لو فرض أن أحد الكفار وجد اختلافاً في شيء من القرآن لا يرتفع من طريق الدلالة اللفظية للآيات لم يقنع برفعه من طرق أخرى، كأن يقول النبي مثلا يرتفع بكذا وكذا، ذلك لأن هذا الكافر لا يعتقد بصدق النبي ونبوته وعصمته، فلم يتنازل لقوله ودعاواه. وبعبارة أخرى: لا يكفي أن يكون النبي رافعاً للاختلافات القرآنية بدون شاهد لفظي من نفس القرآن لمن لا يعتقد بنبوته وعصمته، والآية الكريمة: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً} [النساء: 82] توجه الخطاب إلى الكفار الذين لم يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنهم لم يسلموا لأقواله لو لم يكن هناك شاهد قرآني صريح". إلا أنه يعقب على هذا الكلام قائلاً: "ومن جهة أخرى نرى أنّ القرآن نفسه يثبت حجية أقوال النبي وتفسيره، كما أن النبي يثبت حجية أقوال أهل بيته وتفسيرهم. وهاتان المقدمتان توصلنا إلى أن في القرآن آيات تفسر الآيات الأخرى، ومكانة الرسول وأهل بيته من القرآن كمرشد معصوم لا يخطأ في تعاليمه وإرشاداته، فما يفسرونه يطابق التفسير الذي يستنتج من ضمّ الآيات بعضها إلى بعض ولا يخالفها في شيء"[31].

 وفي مجال آخر ورداً على " ما ادعاه بعض من أننا في فهم مرادات القرآن يجب أن نرجع إلى ما أثر عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو ما أثر عنه وعن أهل بيته المعصومين عليهم السلام" يقول الطبطبائي: إنّ "هذا ادعاء لا يمكن قبوله، لأن حجية قول الرسول والأئمة عليهم السلام يجب أن تفهم من القرآن الكريم، فكيف يتصور توقف حجية ظواهره على أقوالهم عليهم السلام؟! بل نزيد على هذا ونقول: إن إثبات أصل النبوة يجب أن نتشبث فيه بذيل القرآن الذي هو سند النبوة كما ذكرنا سابقاً. وهذا الذي ذكرناه لا ينافي كون الرسول والأئمة عليهم السلام عليهم بيان جزئيات القوانين وتفاصيل أحكام الشريعة التي لم نجدها في ظواهر القرآن، وأن يكونوا مرشدين إلى معارف الكتاب الكريم كما يظهر من الآيات التالية: { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل: 44] { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } [الحشر: 7]. [وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} []. { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } [الجمعة: 2]. يفهم من هذه الآيات أنّ النبي صلى الله عليه وآله هو الذي يبيّن جزئيات وتفاصيل الشريعة وهو المعلم الإلهي للقرآن المجيد وحسب ما جاء في حديث الثقلين الأئمة عليهم السلام هم خلفاء الرسول في ذلك. وهذا لا ينافي أن يدرك مراد القرآن من ظواهر آياته بعض من تتلمذ على المعلمين الحقيقيين وكان له ذوق في فهمه"[32].

وأوضح من ذلك في الدلالة على عدم إلغائه للسنة في مجال التفسير ما يصرح به في تفسير قوله تعالى: { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}، يقول: "وفي الآية دلالة على حجيّة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيان الآيات القرآنية، وأما ما ذكره بعضهم أن ذلك في غير النص والظاهر من المتشابهات أو فيما يرجع إلى أسرار كلام الله وما فيه من التأويل فمما لا ينبغي أن يصغى إليه. هذا في نفس بيانه صلى الله عليه وآله وسلم ويلحق به بيان أهل بيته لحديث الثقلين المتواتر وغيره"[33]. على أنّ إسقاط حجية السنة عن التفسير لا يساعد عليه جريه العملي في تفسيره، فقد أكثر فيه من الاعتماد على الأخبار في توضيح بعض الآيات

ثانياً: وقد تسأل: ما هو الدور الذي تقوم به السنة في التفسير برأي الطبطبائي؟

والجواب: إنّ دور السنة في تفسير القرآن عنده يتلخص:

  1. في الإرشاد إلى فهم مقاصد القرآن وأغراضه، يقول تعليقاً على حديث الثقلين: "والحديث غير مسوق لابطال حجية ظاهر القرآن وقصر الحجية على ظاهر بيان أهل البيت عليهم السلام كيف وهو صلى الله عليه وآله وسلم يقول : لن يفترقا فيجعل الحجية لهما معا فللقرآن الدلالة على معانيه والكشف عن المعارف الإلهية ولأهل البيت الدلالة على الطريق وهداية الناس إلى أغراضه ومقاصده"[34]. والاستعانة الإرشادية بالقرآن هي ما يشير إليها السيد الخوئي أيضاً في البيان، فيقول: "وسيجد القارئ أيضا أني كثيراً ما أستعين بالآية على فهم أختها، وأسترشد القرآن إلى إدراك معاني القرآن، ثم أجعل الأثر المروي مرشداً إلى هذه الاستفادة"[35].
  2.  بيان التفاصيل والمصاديق، قال أيضاً في ذيل كلامه المذكور قبل قليل: "... يفهم من هذه الآيات أن النبي صلى الله عليه وآله هو الذي يبين جزئيات وتفاصيل الشريعة وهو المعلم الإلهي للقرآن المجيد وحسب ما جاء في حديث الثقلين الأئمة عليهم السلام هم خلفاء الرسول في ذلك . وهذا لا ينافي أن يدرك مراد القرآن من ظواهر آياته بعض من تتلمذ على المعلمين الحقيقيين وكان له ذوق في فهمه"[36]. وكثيراً ما يذكر السيد الطباطبائي أن هذه الرواية أو تلك واردة على سبيل الجري والتطبيق وبيان المصاديق.
  3. تدريب المسلم على طريقة التفسير، يقول رحمه الله: "وقد تبين أن المتعين في التفسير الاستمداد بالقرآن على فهمه وتفسير الآية بالآية، وذلك بالتدرب بالآثار المنقولة عن النبي وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم وتهيئة ذوق مكتسب منها ثم الورود"[37].

الاتجاه الثاني: التفسير بالمأثور

والاتجاه الثاني في المقام هو الاتجاه الذي يعتمد في التفسير على السنة، دون سواها، إلى حد التصريح - من بعض رموز هذا الاتجاه بعدم مشروعيّة الأخذ بالظهور القرآني إلا من خلال ما أوضحته السنة، وأنّ تعدي الرواية في التفسير هو وقوع فيما حذرت منه الأخبار من تفسير القرآن بالرأي. وهذا ما تبنته المدرسة الأخبارية التي ذهبت إلى أن القرآن لا يفهمه إلا من خوطب به، وبالتالي لا يمكن تفسيره إلا من خلال ما جاء عن النبي (ص) والأئمة (ع).

ودراستنا لهذا الاتجاه، تتم من خلال النقاط التالية:

  1. التفسير بالمأثور رؤية تاريخية وتقييمية

وفي البدء يجدر بنا تسجيل وقفة تعريفية تاريخية عن ظاهرة التفسير بالمأثور:

  • المراد بالتفسير بالمأثور

يرى البعض أنّ التفسير بالمأثور يشمل "ما جاء في القرآن نفسه من البيان والتفصيل لبعض آياته، وما نقل عن الرسول (ص)، وما نقل عن الصحابة رضوان الله عليهم وما نقل عن التابعين من كل ما هو بيان وتوضيح لمراد الله تعالى من نصوص كتابه الكريم"[38].

وتعليقاً على هذا التعريف نسجل عدة ملاحظات:

الملاحظة الأولى: إن إدخال تفسير القرآن بالقرآن في التفسير بالمأثور مما لا وجه له، فهذا الطريق الذي هو من أفضل الطرق في تفسير القرآن كما أسلفنا، حيث إنّ المفسر لا يعتمد فيه على خبر أو أثر معين بلغه عن المعصوم أو السلف فلا موجب لإدراجه تحت التفسير بالمأثور، وإنما ينبغي جعله صنفاً مستقلاً ومتمايزاً، ولو أنّ البعض أصرّ على إدراجه تحت هذا العنوان موسعاً مفهوم الأثر لما يشمل القرآن، فلسنا نمانع من ذلك، لأنه لا مشاحة في الاصطلاح، نعم، حيث بنينا على إدراجه فيه يجب الالتفات إلى أنّ هذا الصنف من التفسير بالمأثور ( وهو تفسير القرآن بالقرآن ) يمتاز عن غيره بأنه لا تشوبه شائبة من جهة الحجيّة لأن مستنده القرآن، بخلاف ما سيأتي في تفسير القرآن بالمأثور الروائي.

الملاحظة الثانية: إنّ ما ورد في التفسير بالمأثور عن رسول الله (ص) هو حجة في التفسير، لما تقدم في محور سابق من حجيّة السنة وأنّ من وظائف النبي (ص) المرسومة له بيان القرآن للناس، ولكنْ شريطة أن يثبت لنا صحّة الخبر الناقل لقوله (ص)، وكذلك الحال فيما صحّ من أحاديث الأئمة من أهل البيت (ع) فهي باعتقادنا حجة في تفسير الكتاب أيضاً،  وأما ما ورد عن سائر الصحابة أو التابعين أنفسهم دون أن ينقلوه عن رسول الله (ص) فهو وإن عدّ من التفسير بالمأثور واعتبره البعض[39] حجة يؤخذ به في طول السنة، لكننا لا نراه كذلك، فهو على أحسن الأحوال يمثّل آراءً اجتهادية نأنس بها ونعتبرها مؤيدات لفهمنا، ولكنّها لا تشكل حجة علينا ولا نُلزم بالأخذ بها والقول بأنّ اجتهادهم أولى من اجتهاد غيرهم هو قول لم يقم عليه دليل، بل في بعض الأخبار أنّ ثمة قوماً في آخر الزمان هم أقدر على فهم بعض الآيات[40]، وهذا أمر طبيعي يتيحه تعاقب الأزمان وما يصاحبه من تراكم ثقافي ومعرفي وانفتاح آفاق جديدة أمام النص القرآني. ودعوى أنّ الصحابة أعرف بلسان العرب وأكثر فهماً للغة القرآن هو الآخر كلام لا مثبت له على إطلاقه.

أجل، إنّ رأي الصحابي في التفسير أو غيره يكون له حجة فيما لو أسنده إلى النبي (ص) أكان نقله له باللفظ أو بالمعنى ويتعامل معه حينذاك معاملة الرواية، فتكون حجة مع توفر شروط الحجية، وكذلك إذا فرضنا أنّه أشار إلى إمضاء النبي (ص) لما عليه الصحابة، كما لو قال الصحابي: "كنا في عهد رسول الله (ص) نفعل كذا وكذا ولم ينهنا أو يردعنا"، وحتى لو يشر الصحابي إلى إمضاء النبي (ص)، فقد نكتشف الإمضاء من سكوته (ص) وعدم ردعه عن هذا السلوك أو الفهم السائد في زمانه أو المطروح أمامه. وكذلك الحال فيما لو كان ثمة قرائن تفيد أنّ رأي الصحابي أو مقالته متلقاة عن النبي (ص)، كما لو كان مضمون ما نقل عن الصحابي متضمناً لإخبار غيبي لا يُحتمل فيه الاجتهاد ولا يعرف ذلك إلا عن طريق الوحي، من قبيل قوله: "من فعل كذا فله درجات معينة في الجنة أو أنواع من الثواب"، أو نظائر ذلك، فمن المستبعد في مثل هذا أن يتكلم الصحابي بذلك من عنده، ما قد أنه يرجح أنه تلقى ذلك عن مصدر خاص، وحينئذٍ فإن عرف عن الصحابي الجلالة وأنه لا يأخذ أفكاره من غير النبي (ص) فقد يعتد بقوله، لكشفه عن قول النبي (ص)، وأما إذا احتمل أنه تلقى ذلك من بعض أهل الكتاب الذين لديهم مثل هذه الأخبار الغيبية في تراثهم الديني فلا يعول على كلامه.

  • أشهر كتب التفسير بالمأثور عند السنة والشيعة

إنّ طريقة التفسير بالمأثور هي التي كان "يتبعها علماء التفسير في الصدر الأول، وكان العمل عليها عدة قرون، وهي الطريقة المعمولة حتى الآن عند الأخباريين من الشيعة والسنة"[41].

وبنظرة تاريخيّة لحركة التفسير عند الشيعة الإماميّة نلاحظ أنّ البداية كانت مع التفسير بالمأثور، وقد وصلنا من هذا التراث: "تفسير العياشي"[42]، و"تفسير القمي"، وهذان من التفاسير القديمة عند الشيعة، ثم وفي مرحلة لاحقة برز لدى الشيعة مستوى جديد من التفاسير يختلفُ اختلافاً نوعياً عن التفسير بالمأثور، وهي التفاسير التي اعتمدت منهجاً متكاملاً في التعرّف على أبعاد كلام الله تعالى، وذلك لجهة اتكائها وتركيزها على المعاني اللغوية للمفردات، واعتمادها على العقل التدبري في فهم النص القرآني واستنطاق الآيات، مع حضور واضح لطريقة تفسير الآية بالآية، دون أن تغفل - هذه التفاسير - النصوص التفسيرية المأثورة عن النبي (ص) والأئمة من أهل البيت (ع)، وفي الوقت عينه نراها تحاكم الأقوال والآراء، لتخلص إلى الرأي المختار. ومن أبرز هذه التفاسير: تفسير الشيخ الطوسي الموسوم بـ "التبيان في تفسير القرآن"، وتفسيرا الشريف الرضي، وهما: "تلخيص البيان عن مجازات القرآن"، و"حقائق التأويل في متشابه التنزيل"، وتفسيرا الطبرسي: "مجمع البيان" و"جوامع الجامع"، وتفسير ابن إدريس وهو "تلخيص التبيان"، وكذلك تفسير ابن شهر آشوب المازندراني: "مختلف القرآن"، إلى غير ذلك من التفاسير التي نسجت على هذا المنوال.

والغريب في الأمر أنّه - وعلى العكس مما تفرضه طبيعة الحركة العلمية الآخذة بالنمو المعرفي جيلاً بعد جيل - قد تلا هذه المرحلة التفسيرية المتقدمة عودةٌ قوية إلى أسلوب التفسير بالمأثور والذي انتعش في القرن الحادي عشر في زمن الدولة الصفوية، حيث ألفت العديد من التفاسير التي لا يستبيح أصحابها تفسير القرآن بغير المأثور، من أمثال تفسير "نور الثقلين" للحويزي، و"البرهان" للسيد هاشم البحراني، و"كنز الدقائق" للمشهدي، و"عقود المرجان في تفسير القرآن" للسيد نعمة الله الجزائري، وكذلك "تفسير الصافي" للكاشاني"، فإنه لا يبتعد عن التفسير بالمأثور، إنّ هذه التفاسير التي تعود إلى حقبة زمانية واحدة ومتأخرة، وهي القرن الحادي عشر - على أهميتها في بابها واشتمال بعضها على مزايا جيدة - تعدّ خطوة تراجعية، وربما شكلت انتكاسة على صعيد حركة التفسير، وهي تشير إلى قوة لا يستهان بها للخط الأخباري في تلك المرحلة.

هذا في النطاق الشيعي، وأما في النطاق السني، فإنّ تفسير "جامع البيان عن تأويل آي القرآن"، لمحمد بن جرير الطبري، هو من أبرز التفاسير بالمأثور وأغزرها، ويمتاز بأنّ كل رواياتها مسندة إلى أصحابها، يقول ابن تيمية: " وَأَمَّا التَّفَاسِيرُ الَّتِي فِي أَيْدِي النَّاسِ فَأَصَحُّهَا تَفْسِيرُ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ فَإِنَّهُ يَذْكُرُ مَقَالَاتِ السَّلَفِ بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ وَلَيْسَ فِيهِ بِدْعَةٌ وَلَا يَنْقُلُ عَنْ الْمُتَّهَمَيْنِ مُقَاتِلِ بْنِ بُكَيْر وَالْكَلْبِيِّ"[43].

ومنها: "تفسير القرآن العظيم مسنداً عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والصحابة والتابعين"، لابن أبي حاتم الرازي المتوفى سنة 327 ه‍‍

ومنها: كتاب "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" لعبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي (911 هـ) وهو من أشهر التفاسير الروائيّة التي تعتمد الأحاديث والآثار في تفسير الآيات.

ونعتقد أنّ التفسير بالمأثور يعدّ المدماك الأول التي انبثق منه علم التفسير، كما كانت كتب الحديث، ولا سيما الواردة في الفقه - بالإضافة إلى آيات الأحكام - هي اللبنة الأولى التي أشيد عليها بناء علم الفقه وصرحه. ولا شك أنّ أولى الناس بتفسير القرآن الكريم هو النبي (ص) وأهل بيته (ع). ولكننا نؤكد أنّ هذه الخطوة العفوية والطبيعية التي أقدم عليها المتقدمون في جمع الأخبار المأثورة في التفسير في كتب خاصة، قد غدت بعد ذلك اتجاهاً خاصاً في التفسير يجمد فيه المفسّر على خصوص ما ورد في الخبر، في مقابل اتجاه آخر وهو الاتجاه الاجتهادي، والذي هو بدوره على أصناف شتى، منها الاتجاه الفلسفي والكلامي[44]، والاتجاه العرفاني[45]، والاتجاه االفقهي[46]، إلى غيرها من الاتجاهات التفسيرية.

  • لا ضرورة للجمود على التفسير بالمأثور

ولا يخفى على الباحث والمفسر أهميّة التفسير بالمأثور وضرورة عدم إغفال ما ورد عن النبي (ص) في التفسير، كيف وهو المسدد من قبل الله تعالى، والذي أوكل الله إليه مهمة بيان القرآن الكريم وشرحه، قَالَ تَعَالَى: { وَأَنْزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }[النحل: 64].

إلا أنّ الجمود في التفسير على ما ورد في المأثور وعدم التعدي عنه، بما قد يدفع المفسر إلى الإحجام عن إبداء الرأي فيما لم يرد فيه نص، إنّ هذا الجمود مرفوض ولا مبرر له، وذلك:

أولاً: لمنافاته لآيات القرآن نفسها، وما تضمنته من دعوة إلى التدبر في كلام الله، قال تعالى: { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا }[النساء: 82]،[47] وقال سبحانه: { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }[محمد: 24]. فإذا كان القرآن لا يفهمه إلا النبي (ص) والأئمة من أهل بيته (ع)، فما الموجب إلى حثّ الناس على التدبر في آياته؟!

ثانياً: لمنافاته للأخبار نفسها، حيث نجدها قد أمرت بالرجوع إلى القرآن والارتواء من معينه، والتدبر في آياته، وجعله المستند لمعرفة الحلال والحرام، وعرض الأخبار عليه ومن ثم رد ما خالفه والأخذ بما وافقه[48]، وكل ذلك لا معنى له إن كان المسلم مكلفاً بالجمود على ما ورد عن المعصومين في تفسير الكتاب. بل إن بعض الأخبار قد أقرت مشروعية تفسير آيات القرآن بشكل مباشر ودون الرجوع إلى أحد، وأرشدت إلى حجية الظاهر القرآني وما يستفيده أهل العرف من الآية، ومن هذه الأخبار:

الرواية الأولى: خبر الْحَسَنِ بْنِ جَهْمٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا (ع): يَا أَبَا مُحَمَّدٍ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ يَتَزَوَّجُ نَصْرَانِيَّةً عَلَى مُسْلِمَةٍ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ ومَا قَوْلِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ قَالَ: لَتَقُولَنَّ فَإِنَّ ذَلِكَ يُعْلَمُ بِه قَوْلِي، قُلْتُ: لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ النَّصْرَانِيَّةِ عَلَى مُسْلِمَةٍ ولَا غَيْرِ مُسْلِمَةٍ، قَالَ: ولِمَ؟ قُلْتُ: لِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ: { ولا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِي هَذِه الآيَةِ : { والْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5]؟ قُلْتُ: فَقَوْلُه: { ولا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ }[البقرة: 221] نَسَخَتْ هَذِه الآيَةَ فَتَبَسَّمَ ثُمَّ سَكَتَ"[49]. فهذا الخبر قد تضمن أسلوباً تعليمياً توجيهياً يهدف إلى تدريب الناس على الرجوع إلى القرآن والتدبر في آياته والتعرف على حكم الله تعالى.

الرواية الثانية: صحيحة زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ (ع): ألَا تُخْبِرُنِي مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ وقُلْتَ: إِنَّ الْمَسْحَ بِبَعْضِ الرَّأْسِ وبَعْضِ الرِّجْلَيْنِ؟ فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: يَا زُرَارَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّه (ص) ونَزَلَ بِه الْكِتَابُ مِنَ اللَّه لأَنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ يَقُولُ : * ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) * فَعَرَفْنَا أَنَّ الْوَجْه كُلَّه يَنْبَغِي أَنْ يُغْسَلَ ثُمَّ قَالَ : * ( وأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) * ثُمَّ فَصَّلَ بَيْنَ الْكَلَامِ  فَقَالَ * ( وامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ ) * فَعَرَفْنَا حِينَ قَالَ : * ( بِرُؤُوسِكُمْ ) * أَنَّ الْمَسْحَ بِبَعْضِ الرَّأْسِ لِمَكَانِ الْبَاءِ ثُمَّ وَصَلَ الرِّجْلَيْنِ بِالرَّأْسِ كَمَا وَصَلَ الْيَدَيْنِ بِالْوَجْه فَقَالَ * ( وأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) * فَعَرَفْنَا حِينَ وَصَلَهَا بِالرَّأْسِ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى بَعْضِهَا ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّه ص لِلنَّاسِ فَضَيَّعُوه ثُمَّ قَالَ : * ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وأَيْدِيكُمْ مِنْه ) * فَلَمَّا وَضَعَ الْوُضُوءَ إِنْ لَمْ تَجِدُوا الْمَاءَ أَثْبَتَ بَعْضَ الْغَسْلِ مَسْحاً لأَنَّه قَالَ * ( بِوُجُوهِكُمْ ) * ثُمَّ وَصَلَ بِهَا * ( وأَيْدِيَكُمْ ) * ثُمَّ قَالَ * ( مِنْه ) * أَيْ مِنْ ذَلِكَ التَّيَمُّمِ لأَنَّه عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ أَجْمَعَ لَمْ يَجْرِ عَلَى الْوَجْه لأَنَّه يُعَلَّقُ مِنْ ذَلِكَ الصَّعِيدِ بِبَعْضِ الْكَفِّ ولَا يَعْلَقُ بِبَعْضِهَا ثُمَّ قَالَ * ( ما يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ ) * فِي الدِّينِ * ( مِنْ حَرَجٍ ) * والْحَرَجُ الضِّيقُ"[50]. إنّ استدلال الإمام بالقرآن الكريم وإحالته على اللغة ودلالة كلماتها هو خير شاهد ودليل على أنّ ظاهر الآيات حجة في نفسه. فلاحظ قوله (ع): " فَعَرَفْنَا حِينَ قَالَ : * ( بِرُؤُوسِكُمْ ) * أَنَّ الْمَسْحَ بِبَعْضِ الرَّأْسِ لِمَكَانِ الْبَاءِ"، تجده يحيل على قاعدة لغوية، وليست غيبية.

 الرواية الثالثة: ورد عن النبي (ص) أنّه تلا قوله تعالى: { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } [الأنبياء: 98]، ولما خرج (ص) من المجلس قال ابن الزبعرى: أمّا والله لو وجدته في المجلس لخصمته، فاسألوا محمداً أَكُلُّ ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملائكة واليهود تعبد عزيراً والنصارى تعبد عيسى؟! فأُخبر النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا ويل أمّه، أمّا علم أن "ما" لما لا يعقل و"من" لمن يعقل"[51]، فلاحظ هذا الاستشهاد بالوضع اللغوي للكلمات.

إلى غير ذلك من الأخبار التي ستأتي، ومنها قول الإمام (ع) للسائل عن لباكليف من انقطع ظفره في الوضوء، فقال: هذا وأمثاله يعرف من كتاب، فهذه كلها تحيل على الفهم العرفي للقرآن ولا تربط حجيته بورود الخبر عنهم.

وأما دعوى أنّ هذه الأخبار لا يستفاد منها حجية الظهور العرفي واللغوي للآيات بشكل مطلق بل هي حجية معلقة على ورود بيان من قبلهم (ع) يؤيد ذلك الظهور فهي دعوى ضعيفة وتفتقر إلى دليل يعضدها. ولو قيل إن الحجية معلقة على عدم ورود بيان منافٍ لفهمنا لكان لذلك وجه.

ثالثاً: إنّ المأمول من القرآن الكريم في عصرنا وفي كل عصر تقديم إجابات على أسئلة كبيرة وملحة تواجه الإنسان، لأن القرآن كتاب الحاضر والمستقبل كما هو كتاب الماضي، ومعلوم أنّ الذي يقوم باستنطاق القرآن واستنباط مفاهيمه هو المفسر، فإذا ألزم المفسر بمرجعية واحدة في التفسير وهي التفسير بالمأثور فهذا يعني تجميد القرآن إلى حدٍ كبير، فإنّ أخبار التفسير المعتبرة والصحيحة قليلة جداً، وهي لا تغطي كل الآيات القرآنية. بينما المكذوب في أخبار التفسير هو الشيء الكثير، فقد شكلّ هذا المجال حقلاً خصباً للدس والتزوير وتسرب الإسرائيليات، وتلك ليست آفة التفسير بالمأثور الوحيدة بل إنّ كثرة تعارض الأخبار وتناقضها هو الآفة الأخرى التي يلحظها كل متتبع لأخبار التفسير، حتى أنك لا تكاد تجد مورداً واحداً وردت فيه أخبار تفسيرية إلا ويفاجئك التضارب فيها.. على أن كثيراً من أخبار التفسير كانت تجيب على أسئلة تنتمي إلى العصر الماضي ولا صلة لها بزماننا[52]، وعلى ضوء ذلك، فلو اقتصر المفسر على الأثر لكان لازم ذلك أن يتجمد القرآن وكذلك علم التفسير. وهذا ما نبه عليه غير واحد من المفسرين، يقول العلامة الطباطبائي تعليقاً على طريقة التفسير بالرأي:" الطريقة محدودة لا تفي بالحاجات غير المحدودة، لأن ستة آلاف وعدة مئات من الآيات التي نقرأها في القرآن الكريم تقابلها مئات الألوف من الأسئلة العلمية وغير العلميّة، فمن أين نجد الإجابة على هذه الأسئلة وكيف التخلّص منها؟ هل نرجع فيها إلى الروايات والأحاديث؟ إنّ ما يمكن تسميته بالحديث النبوي في التفسير، المروي من طريق السنة لا يزيد على مائتين وخمسين حديثاً، مع العلم أن كثيراً من هذه الأحاديث ضعيفة الأسانيد وبعضها مكررة. نعم الأحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام من طريق الشيعة تبلغ عدة آلاف حديث وفيها مقدار كثير من الأحاديث التي يمكن الاعتماد عليها، إلا أنّها مع هذا لا تكفي للإجابة على الأسئلة غير المحدودة التي نواجهها تجاه الآيات القرآنية الكريمة. هذا، بالإضافة إلى أن هناك آيات لم يرد فيها حديث أصلا لا من طريق السنة ولا من طريق الشيعة، فكيف نصنع بها؟ "[53].

وينقل ابن عاشور عن الغزالي والقرطبي قولهما: " لا يصح أن يكون كل ما قاله الصحابة في التفسير مسموعاً من النبي (ص) لوجهين:

أحدهما: أنّ النبي (ص) لم يثبت عنه من التفسير إلا تفسير آيات قليلة.

الثاني: أنّهم اختلفوا في التفسير على وجوه مختلفة، لا يمكن الجمع بينها وسماع جميعها من رسول الله محال.."[54].

وقصارى القول: إن دعوى أن القرآن لا يفهمه إلا من خوطب به تعني إسقاط ظواهر القرآن عن الحجية وتعطيل العمل بالكتاب، والاكتفاء بتلاوته دون العمل بمضمونه، وهذا من مصاديق هجر القرآن، وهو مخالف للقرآن نفسه الذي دعى إلى التدبر بآياته. ولهذا فقد فند علماؤنا في كتب الأصول[55] وغيرها[56] هذه الدعوة وأوضحوا بطلانها، وأظهروا أنّها لا تفتقر إلى الدليل فحسب، بل إنّ الدليل على عكسها.

قد يقال: إنّ هذا اللازم ( وهو تجميد القرآن في حال جمدنا على التفسير بالمأثور ) ليس باطلاً، لأن المسؤول عنه ليس هو الله تعالى، بل الناس أنفسهم، لأنهم تسببوا بضياع السنة، ولم يحفظوها ولم يرعوها حق رعايتها وتسببوا أيضاً بحجب أو تغييب من كان قادراً على إيصال التفسير الصحيح للكتاب إليهم.

ولكننا لا نوافق على ذلك، لأنّ ما دل على حفظ الكتاب وبقائه وصيانته من التحريف بصفته الرسالة الخاتمة، ينفي مثل هذا الاحتمال، لأنه لا يراد بقاؤه ككتاب لا نفع فيه سوى البركة والتلاوة التي لا تنتف منه في بناء العقيدة أو في الخطوط التشريعية أو غيرها، فأي معنى لبقاء القرآن بين أيدي الناس مع عدم إمكان الإفادة منه، فهذا الاحتمال يتساوى في النتيجة مع احتمال التحريف الباطل، والذي تمّ نفيه سابقاً. 

  1. مستند القائلين بالوقوف في التفسير على المأثور

وأما مستند القائلين بعدم شرعيّة التفسير بغير المأثور فقد استندوا إلى العديد من الأخبار، وعلى رأسها المجموعة التي تحمل عنوان: "لا يفهم القرآن إلا من خوطب به". ولا يعلمه إلا أهله، وهذه بعض أخبار هذه المجموعة:

الرواية الأولى: خبر زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ: دَخَلَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع فَقَالَ: يَا قَتَادَةُ أَنْتَ فَقِيه أَهْلِ الْبَصْرَةِ؟ فَقَالَ: هَكَذَا يَزْعُمُونَ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (ع): بَلَغَنِي أَنَّكَ تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ لَه قَتَادَةُ: نَعَمْ، فَقَالَ لَه أَبُو جَعْفَرٍ (ع): بِعِلْمٍ تُفَسِّرُه أَمْ بِجَهْلٍ؟ قَالَ: لَا بِعِلْمٍ.." إلى أن قال: "قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع): "وَيْحَكَ يَا قَتَادَةُ إِنَّمَا يَعْرِفُ الْقُرْآنَ مَنْ خُوطِبَ بِه"[57].

الرواية الثانية: خبر أبي زهير بن شبيب بن أنس عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) أنه قال لأبي حنيفة: " .. فقال أنت فقيه أهل العراق؟ قال: نعم، قال: بما تفتيهم؟ قال: بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله. قال: يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: نعم، قال: يا أبا حنيفة لقد ادعيت علماً، ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم، ويلك ولا هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا صلى الله عليه وآله ما ورثك الله من كتابه حرفاً.."[58].

ويلاحظ على ذلك:

أولاً: إنّ الأخبار الواردة في ذلك ضعيفة جداً ولا يعوّل عليها. يقول السيد الشهيد محمد باقر الصدر عن هذه المجموعة: " أن رواياتها جميعاً ضعيفة السند، بل قد يحصل الاطمئنان بكذبها نتيجة لضعف رواتها، وكونهم في الغالب من ذوي الاتجاهات الباطنية المنحرفة على ما يظهر من تراجمهم "[59].

ثانياً: إنّ هذه الأخبار لا مجال للأخذ بها، بل لا بدّ من ردّها، وذلك لأكثر من اعتبار وسبب:

  •  إذا كان القرآن لا يفهمه إلا الأئمة (ع) فلماذا دعانا الله تعالى إلى التدبر في آياته؟ّ! قال تعالى: { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها } (محمد: 24). إنّ المنع من التفسير بغير ما ورد في الأخبار ينافي الدعوة القرآنية إلى التدبر في الآيات.
  • " أنّ هذه الروايات معارضة للكتاب الكريم الدال على أنه نزل تبايناً لكل شيء وهدى وبلاغاً، والمخالف للكتاب من أخبار الآحاد لا يشمله دليل حجية خبر الواحد"[60]، ولا معنى لكونه تبياناً مع توقف فهمه على الرجوع إلى الأخبار، لأن ظاهر بيانيته هو البيانية في نفسه وليس بتوسط السنة.
  • إنّ ما جاء فيها ينافي ما ورد عن النبي (ص) والأئمة (ع) من الرجوع إلى القرآن في مختلف الحوادث، واستفتائه في كل الأسئلة التي تواجه الناس، كما في جاء في خبر عَبْدِ الأَعْلَى مَوْلَى آلِ سَامٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع): عَثَرْتُ فَانْقَطَعَ ظُفُرِي فَجَعَلْتُ عَلَى إِصْبَعِي مَرَارَةً فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِالْوُضُوءِ؟! قَالَ: يُعْرَفُ هَذَا وأَشْبَاهُه مِنْ كِتَابِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ: { ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78]، امْسَحْ عَلَيْه"[61]. وفي بعض الأخبار نجد عتاباً من الإمام الصادق لأصحابه على عدم فهمهم لآيات الكتاب، ففي تفسير القمي عن ابن أبي عمير عن عبد الرحيم القصير عنه (ع): ".. أو لستم عرباً فكيف لا تعرفون معنى الكلام، وأحدكم يقول لصاحبه انسخ ذلك الكتاب، أو ليس إنّما ينسخ من كتاب أخذ من الأصل، وهو قوله: { إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} [الجاثية: 29].."[62]، إنّ هذين الخبرين - لو صحا – هما خير دليل ليس على ضرورة رجوع الناس إلى القرآن الكريم فحسب، بل على أنّ ما يفهمونه منه حجة.
  • إنّ عدم فهم القرآن لغير النبي (ص) والأئمة (ع) ينافي ما دلّ على عرض الأخبار على الكتاب، فإنّ ذلك يدلّ على أنّ ما يفهم من الكتاب في نفسه ( وبعيداً عن موافقة السنة على الفهم ) هو حجة، ولذا يُرّد ما خالفه، وعليه، فكيف لا يفهم الكتاب إلا المعصومون؟! وكيف يأمرنا رسول الله بالتمسك بالكتاب في حديث الثقلين؟! وهل نتمسك بشيء لا يمكننا فهمه؟!  

ثالثاً: إنّ الخبر الثاني إنّما نفى عن أبي حنيفة وغيره الإحاطة الكاملة بالكتاب، فهو يدلّ على "أنّ فهم القرآن حقّ فهمه، ومعرفة ظاهره وباطنه، وناسخه ومنسوخه مختص بمن خوطب به."[63]، وهذا لا ينفي حجيّة الكتاب بعد الرجوع إلى السنة والأخذ بما فيها.

رابعاً: إنّ توقف حجيّة القرآن على السنة دوري، وذلك لأنّ السنة إنّما ثبتت حجيتها من خلال القرآن الكريم نفسه، فلا يعقل "توقف حجية ظواهره على أقوالهم (ع)"[64].

اللهم إلا أن يقال: إنّ حجية السنة لا تتوقف على حجية القرآن، لأنّ بالإمكان إثبات حجيتها عن طريق العقل، من حيث دلالته على عصمة النبي (ص)، ولازم عصمته هو الإقرار بحجيّة قوله.

أجل، حيث إنّ العصمة صفة في النبوة، فإثباتها يتوقف على أن تكون النبوة نفسها قد ثبتت، ونبوته لا بدّ ان تكون ثابتة من غير طريق القرآن باعتباره معجزة النبي (ص)، وإلا لو ثبتت النبوة من طريق القرآن ولو بالاستعانة بمقدمة عقلية[65]، فيعود الاستدلال على حجية القرآن إلى القرآن نفسه، والحال أن المدعى هو إثبات حجيته عن طريق السنة.

وثمة مستند آخر لمن قال بالجمود على المأثور في تفسير القرآن، وهو ما ورد من النهي عن التفسير بالرأي، وهذا ما سوف نتطرق إليه فيما يلي لأنه شكّل اتجاهاً خاصاً في التفسير.
 

من كتاب: حاكمبة القرآن (دراسة تأصيلية حول علاقة السنة بالكتاب ودورها في تفسيره)



[1] وقد وضع على عنوان الكتاب عبارة: "الميزان في تفسير القران، كتاب علمي فني، فلسفي، أدبي تاريخي، روائي، اجتماعي، حديث يفسر القرآن بالقرآن". وقد كتبت دراسة خاصة تحمل عنوان: "تفسير القرآن بالقرآن عند العلامة الطباطبائي. تأليف: الدكتور خضير جعفر. دراسة عن منهج العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، نشر: دار القرآن الكريم - قم / 1411 ه‍.

[2] الشيعة في الإسلام، ص 71، والقرآن في الإسلام، ص 68.

[3] قال: "وسيجد القارئ أيضا أني كثيراً ما أستعين بالآية على فهم أختها، وأسترشد القرآن إلى إدراك معاني القرآن، ثم أجعل الأثر المروي مرشداً إلى هذه الاستفادة" البيان ص 13.

[4] إيضاح المكنون، إسماعيل باشا البغدادي، (1339هـ) تحقيق وتصحيح: رفعت بيلگه الكليسي، دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان، ج 2، ص 520.

[5] مجمع البيان، ج 4، ص 299، والشيعة في الإسلام، ص 71.

[6] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج 25، ص 114. وفي مسند أحمد عنه (ص): " ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض بهذا هلك من كان قبلكم "، مسند أحمد، ج 2، ص 178.

[7] الكافي، 2، ص 632، ونحوها ما رواه الصدوق في ثواب الأعمال، ص 280، وتفسير العياشي، ج 1، ص 18.

[8] صراط النجاة، ج 2، ص 449.

[9] القاسم بن سليمان بغدادي له كتاب رواه النضر بن سويد أخبرنا علي بن أحمد قال: حدثنا محمد بن الحسن الوليد قال : حدثنا محمد بن الحسن قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان بكتابه.."، رجال النجاشي، ص 314.

[10] رجال الشيخ، ص 273.

[11] الفهرست، ص 202.

[12] معجم رجال الحديث، ج 15، ص 24.

[13] معجم رجال الحديث، ج 15، 25.

[14] تفسير القمي، ج 2، ص 352، و391.

[15] كامل الزيارات، ص 532، و533،

[16] موسوعة الإمام الخوئي ( الصوم ) ج 22، ص 96. وج 41، ص 307.

[17] المصدر نفسه.

[18] معاني الأخبار، ص 190.

[19] شرح أصول الكافي، ج 11، ص 83.

[20] الصافي، ج 1، ص 35.

[21] آيهِ، بمعنى آياته.

[22] مرآة العقول، ج 12، ص 521.

[23] صراط النجاة، ج 2، ص 449.

[25] المصنف لعبد الرزاق الصنعاني، ج 13، ص 217.   

[26] قال: " والروايات كما ترى يعد ضرب القرآن بعضه ببعض مقابلاً لتصديق بعض القرآن بعضاً، وهو الخلط بين الآيات من حيث مقامات معانيها والإخلال بترتيب مقاصدها كأخذ المحكم متشابهاً والمتشابه محكماً ونحو ذلك"، تفسير الميزان، ج 3، ص 83.

[27] عيون الحكم والمواعظ، ص 381، وقد رواه البرقي عن السيد المسيح (ع)، بسنده إلى ابن مسعود الميسرى رفعه قال: قال المسيح ( عليه السلام ) : خذوا الحق من أهل الباطل ولا تأخذوا الباطل من أهل الحق ، كونوا نقاد الكلام فكم من ضلالة زخرفت بآية من كتاب الله كما زخرف الدرهم من نحاس بالفضة المموهة"، انظر المحاسن: 1، ص 229، ورواه الشيخ الحر عن الإمام الصادق (ع) : " الصادق عليه السّلام بقوله احذروا فكم من بدعة قد زخرفت بآية من كتاب اللَّه بنظر الناظر إليها فيراها حقا وهي باطل"، الفوائد الطوسية، ص 193.

[28] وقد علّق أحد أساتذتنا على هذا الكلام، بأنه يعبّر عن جهل قائله، لأنّ السيد الطباطبائي يؤخر الرواية إثباتاً ويقدمها ثبوتاً.

[29] الميزان في تفسير القرآن ج 3 ص 86.

[30] الميزان في تفسير القرآن، ج 3، ص 77.

[31] القرآن في الإسلام ص 63 – 46.

[32] القرآن في الإسلام ص 25.

[33] الميزان ج 12 ص 261.

[34] الميزان ج 3 ص 86.

[35] البيان ج 13.

[36] القرآن في الإسلام ص 25.

[37] الميزان ج 3 ص 87.

[38] التفسير والمفسرون للذهبي، ج 1، ص 152.

[39] قال ابن تيميّة: "إذَا لَمْ نَجِدْ التَّفْسِيرَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ رَجَعْنَا فِي ذَلِكَ إلَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُمْ أَدْرَى بِذَلِكَ لِمَا شَاهَدُوهُ مِن القُرْآنِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي اخْتَصُّوا بِهَا ؛ وَلِمَا لَهُمْ مِن الفَهْمِ التَّامِّ وَالْعِلْمِ الصَّحِيحِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ "، مجموعة الفتاوى، ج 13، ص 364. وقال أيضاً: " إذَا لَمْ تَجِدْ التَّفْسِيرَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ وَلَا وَجَدْته عَنْ الصَّحَابَةِ فَقَدْ رَجَعَ كَثِيرٌ مِن الأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ إلَى أَقْوَالِ التَّابِعِينَ " كَمُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ " فَإِنَّهُ كَانَ آيَةً فِي التَّفْسِيرِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ "، مجموعة الفتاوى، ج 13، ص 368.

[40] ففي الخبر عن الإمام زين العابدين(ع)، وقد سئل عن التوحيد؟ قال: «إنّ الله عزّ وجلّ علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوامٌ متعمّقون، فأنزل {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الاخلاص:1]، والآيات من سورة الحديد إلى قوله {وَهُوَ عَلِيمٌ} [الحديد:6]"، الكافي ج 1، ص 91. وراجع حول هذا الحديث ما سنذكره في الملحق رقم (2) من ملاحق الكتاب.

[41] القرآن في الإسلام، ص 66.

[42] المؤلف هو "محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السلمي السمرقندي أبو النضر المعروف بالعياشي، ثقة، صدوق، عين من عيون هذه الطائفة، وكان يروي عن الضعفاء كثيراً. وكان في أول أمره عامي المذهب، وسمع حديث العامة، فأكثر منه ثم تبصر وعاد إلينا، و كان حديث السن .. قال أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله: سمعت القاضي أبا الحسن علي بن محمد قال لنا أبو جعفر الزاهد: أنفق أبو النضر على العلم والحديث تركة أبيه سائرها، وكانت ثلاثمائة ألف دينار، وكانت داره كالمسجد بين ناسخ أو مقابل أو قارئ أو معلق مملوءة من الناس"، رجال النجاشي، ص 350.

[43] الفتاوى الكبرى، ج 5، ص 84، والغريب أنه مع قوله هذا في وصف تفسير الطبري، فإنه يقول عن حديث تصدق علي بخاتمه في الصلاة الذي رواه الطبري، ج 6، ص 389، من عدة طرق بأنه موضوع، قال: " وَحَدِيثِ عَلِيٍّ الطَّوِيلِ فِي تَصَدُّقِهِ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ"، مجموعة الفتاوى، ج 13، ص 354.

[44] يمكن عدّ التفسير الكبير للفخر الرازي من أكثر التفاسير التي يبرز وربما يغلب عليها المنحى الكلامي الفلسفي.

[45] من قبيل تفسير ابن عربي، وتفسير السيد حيد الآملي والملا صدرا وغيرهم.

[46] يعد تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي من أبرز التفاسير التي تحاول التركيز على الدلالات الفقهية للآيات، وهو تفسير كامل للقرآن، ولم يقتصر على تفسير ما عرف بآيات الأحكام كما فعل آخرون.

[47] هذه الآية لا تخلو من إيماءة إلى تفسير القرآن بالقرآن، بقرينة قوله : { لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} .

[48] مرت بعض الأخبار الدالة على ذلك، وستأتي أخبار آخرى في البحوث الآتية.

[49] الكافي، ج 5، ص 357.

[50] الكافي، ج 3، ص 30، وتهذيب الأحكام، ج 1، ص 61.

[51] مناقب ابن شهر آشوب، ج 1، ص 49.

[52] وحول عدم وفاء التفسير بالمأثور بالإجابة على كثير من الأسئلة المعرفية الموجهة إلى القرآن، حول ذلك يقول السيد الشهيد محمد باقر الصدر: " ومن هنا لم يكن بإمكان تفسير يقف عند حدود المأثور من الروايات عن الصحابة والتابعين وعن الرسول والأئمة (ع) والروايات التي ...

[53] القرآن في الإسلام، ص 66 – 67.

[54] البشر في نقد المقدمات العشر،

[56] انظر: البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي، ص

[57] الكافي، ج 8، ص 312. ضعيف بمحمد بن سنان.

[58] علل الشرائع، ج 1 ص، 90. وهي ضعيفة بالإرسال.

[59] دروس في علم الأصول – الحلقة الثانية، الطبعة: الثانية، سنة الطبع : 1406 - 1986 م الناشر : دار الكتاب اللبناني - بيروت - لبنان / مكتبة المدرسة - بيروت – لبنان  ص 270.

[60] دروس في علم الأصول، الحلقة الثانية، ص 270.

[61] الكافي، ج 3، ص 33، والاستبصار، ج 1، ص 77.

[62] تفسير القمي، ج 2، ص 380.

[63] البيان في تفسير القرآن ص 268.

[64] القرآن في الإسلام ص 26

[65] لأنه إذا ثبت إعجاز القرآن فيحكم العقل بصدق دعوى النبوة.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon