زواج رسول الله (ص) من السيدة عائشة وهي في سن التاسعة
زواج رسول الله (ص) من السيدة عائشة في سنّ التاسعة
هناك قضية مشهورة وغدت مثار تشكيك ومورد إشكال على الإسلام وعلى رسول الله (ص) ألا وهي: إقدام النبي (ص) وهو في العقد السادس من عمره على الزواج من طفلة - عائشة – في التاسعة من عمرها، وقد حاول بعض العلماء الإجابة عليها بالقول: إنّ هذا الزواج كان مألوفاً في الأزمنة الغابرة، وإنّ البنت في بعض المجتمعات، ومنها المجتمع الجاهلي، كانت تبلغ في التاسعة من عمرها مبلغ النساء وتغدو مؤهّلة من الناحية الجنسية للاقتران بالرجل، وهذا ما حصل مع عائشة عندما تزوّجها النبي (ص).
والذي أعتقده أنّ هذه الإجابة ليست مُقنعة بما فيه الكفاية، بل إنّها إجابةٌ تبريريّة لِما افترضه هؤلاء الأعلام حقيقةً ثابتة، والأقربُ إلى الصحّة هو عدم حدوث هذا الزواج من عائشة، وهي في سنّ التاسعة أصلاً، وعدم صحّة الرواية بذلك، ولا أنطلق في موقفي هذا من خلفيّة تحاول إسقاط ما نشعر به اليوم من استهجان مثل هذا الزواج على الواقع التاريخي، فإنّ مثل هذا الإسقاط عمل غير منطقي، على أنّه ليس ثمة ما يبرّر إهدار الفوارق الزمانيّة ومحاكمة الواقع التاريخي طبقاً لمعايير أو مقاييس العصر الحاضر، فلو أنّ الروايات التي نقلت لنا قصة هذا الزواج قد اقتصرت على أصل حدوث الزواج من السيدة عائشة وهي في سن التاسعة أو العاشرة، لأمكن ولو بصعوبة تجاوز ذلك وتبريره بما ذكر من توجيه، وهو بالمناسبة توجيه تنبّه له بعض المستشرقين([1])، إلاّ أنّ المشكلة تكمن في أمرٍ آخر، وهو ما تضمّنته تلك الروايات من ملابسات لا يمكن التصديق بها أو قبولها، وفيما يلي بحثٌ ودرسٌ لقصة هذا الزواج، وذلك عبر ثلاثة محاور:
المحور الأول: في دراسة المضمون الداخلي للروايات (نقد المتن).
المحور الثاني: في نقد السَّند وملاحظة الشواهد المعارضة.
المحور الثالث: في محاولة التعرّف على مَنْ نَسَجَ هذه القصّة، ومَنْ له مصلحة في نشرها.
✽✽✽
المحور الأول:
دراسة المضمون الداخلي للروايات
قصّة الزّواج كما رَوَتها عائشة
في مستهلّ الحديث وقبل الدخول في الدراسة التفصيليّة لهذه المسألة، نجد من الضروري أن نعرض أمام القارىء الكريم واحدة من أشهر الروايات التي تحكي قصّة هذا الزواج، ومن ثَمّ ننتقل في مرحلة ثانية، إلى التأمّل في هذه الرواية وغيرها من الروايات، ومحاكمتها على ضوء المعايير المعتمدة في دراسة النصوص.
والرواية هي التالية: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، حدثنا أَبُو سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، قَالا: لَمَّا هَلَكَتْ خَدِيجَةُ، جَاءَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، قالت : يا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: أَلا تَزَوَّجُ؟ قَالَ: “مَنْ؟”، قَالَتْ: إِنْ شِئْتَ بِكْراً وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّباً، فَقَالَ: “فمَنِ الْبِكْرُ؟”، فَقَالَتْ: ابْنَةُ أَحَبِّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْكَ، عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: “ومَنِ الثَّيِّب؟”، قَالَتْ: سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، وَقَدْ آمَنَتْ وَاتَّبَعَتكَ عَلَى ما تقول، قَالَ: “فَاذْهَبِي فَاذْكُرِيهِمَا عَلَيَّ”، فَدَخَلَتْ بَيْتَ أَبِي بَكْر،ٍ فَقَالَتْ: يَا أُمَّ رُومَانَ، مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْكم مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ؟ قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْطُبُ عَلَيْهِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: انْتَظِرِي أَبا بَكْرٍ حَتَّى يَأْتِيَ ، فَجاء أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَتْ: يا أبا بكر مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْطُبُ عَلَيْهِ عَائِشَةَ، قَالَ: وَهَلْ تَصْلُحُ لَهُ؟ إِنَّمَا هِيَ ابْنَةُ أَخِيهِ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ: “ارْجِعِي إِلَيْهِ فَقُولِي لَهُ: أَنَا أَخُوكَ، وَأَنْتَ أَخِي فِي الإِسْلامِ، وَابْنَتُكَ تَصْلُحُ لِي”، فَرَجَعْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ ، قَالَ: انْتَظِرِي، وخرج. فَقَالَتْ أُمُّ رُومَانَ: إِنَّ الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ كَانَ ذَكَرَهَا عَلَى ابْنِهِ، فوالله مَا وَعَدَ وَعْدًا قَطُّ فَأَخْلَفَهُ لأَبي بَكْرٍ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ وَعِنْدَه امْرَأَتِهِ أُمِّ الْفَتَى، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، لَعَلَّكَ مُصْبِئُ صاحبنا وَمُدْخِلَهُ فِي دِينِكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ إِنْ تزَوَّجْ إليك، قال أَبُو بَكْرٍ للْمُطْعِمِ بِنْ عَدِيٍّ: أَقُولٌ هذه تَقُولُ ؟ قَالَ: إِنَّهَا لتَقُولُ ذَلِكَ، فَخَرَجَ من عنده وقَدْ أَخْرَجَ اللَّهُ مَا كَانَ فِي نَفْسِهِ مِنَ عِدَته الَّتِي وَعَدَهُ، فَرَجَعَ، فَقَالَ لخَوْلَة: ادْعِي لي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَتْهُ فَزَوَّجَهَا إياه، وعائشة يَوْمَئِذٍ ابْنَةُ سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ خَرَجَتْ فَدَخَلَتْ عَلَى سَوْدَةَ ابْنَةِ زَمْعَةَ، فَقَالَتْ لَهَا: مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْكِ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ ؟ فَقَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْطُبُكِ عَلَيْهِ؟ فَقَالَتْ: وَدِدْتُ، ادْخُلِي عَلَى أَبِي، فَاذْكُرِي ذَلِكَ لَهُ، وَكَانَ شَيْخاً قَدْ أَدْرَكَتْهُ السِّنُّ وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ فَحَيَّتْهُ بِتَحِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: مَنْ هذه؟ فَقَالَتْ: خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ، قَالَ: فَمَا شَأْنُكِ؟ فَقَالَتْ: أَرْسَلَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْطُبُ عَلَيه سَوْدَةَ، قَالَ: كُفْءٌ كَرِيمٌ، مَاذا تَقُولُ صَاحِبَتُكِ؟ قَالَتْ: تُحِبُّ ذَلِكَ، قَالَ: ادْعِهَا إليّ، فَدَعَيتها، قَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ، إِنَّ هَذِهِ تَزْعُمُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَرْسَلَ يَخْطُبُكِ، وَهُوَ كُفْءٌ كَرِيمٌ، أَتُحِبِّينَ أَنْ أُزَوِّجَكِ بهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: ادْعِيه لِي، فَجَاءَ رسول الله فَزَوَّجَهَا إياهُ، فَجاء أخوها عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ مِنَ الْحَجِّ، فجعل يحثي في رأسه التراب، فقَالَ بَعْدَ أن أَسْلَم: لَعَمْرِك إِنِّي لَسَفِيهٌ يوم أحثي في رَأْسِي التُّرَابَ أنْ تزوّج رسول الله من سودة بنت زمعة ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ فِي السَّنْحِ، قالت فَجاء رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَنَا، واجْتَمَعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَنِسَاءٌ، فجَاءَتني أُمِّي وَأَنَا لفي أُرْجُوحَةٍ بين عَذَقَيْنِ تَرْجَحُ بي، فَأَنْزَلَتْنِي وَلِي جَمِيمَةٌ فَفَرَّقَتْهَا، ومَسَحَتْ وَجْهِي بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ أقبلَتْ تَقُودُنِي حَتَّى وقفت بِي عِنْدَ البَابِ وَإِنِّي لأَنَهَجُ، حتى سَكَنَ من نفسي، ثمّ دَخَلَتْ بِي، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَجْلَسَتْنِي، قَالَتْ: هَؤُلاءِ أَهْلُكِ فَبَارَكَ اللَّهُ لَك فِيهم وَبَارَكَ لَهُمْ فِيكِ، فَوَثَبَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَخَرَجُوا، وبَنَى بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِنَا مَا نُحَرتَ عليّ جَزُورٌ وَلا ذُبِحَت عليّ شَاةً، حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيْنَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بِجَفْنَةٍ كَانَ يُرْسِلُ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَارَ فِي نِسَائِهِ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنَةُ تِسْعٍ([2]).
بعد أن تسنّى لنا قراءة هذه الرواية التي نقلها المحدّثون والرُّواة، فقد آن الأوان أن ننطلق إلى مرحلة التقييم والمحاكمة، فهل يمكننا تصديق هذه الرواية وغيرها من الروايات التي نقلت لنا قصة هذا الزواج؟
إنّ الوقفات التالية كفيلة بتقديم الجواب الشافي عن هذا التساؤل.
الوقفة الأولى: الزواج من «طفلة» تلعب الأرجوحة!
دعنا نتجاوز مؤقّتاً استبعادنا لإقدام النبي (ص) وهو في العقد السادس من عمره على الزواج من بنت في التاسعة من عمرها، والذي يتمّ تبريره وتوجيهه عادة بأنّ المرأة في المجتمع العربي آنذاك، ربّما بلغت مرحلة النضوج الجنسيّ في مثل هذا السنّ، لكنّنا نتساءل باستغراب: هل يكفي النضج الجنسي وحده مبرّراً لإقدام شخصيّة في مستوى رسول الله (ص)، على اختيار شريكة حياته الزوجيّة، مع أنّنا نعلم أنّ ذلك لا يمكن أن يكون معياراً للاختيار بالنسبة للإنسان العادي، فضلاً عن رسول الله (ص)، فلا بدّ إذن لكلّ مَن يحترم عقله وعقول الآخرين، أن يفترض أنَّ النضج الجسدي كان مترافقاً مع مستوى من النضج العقلي لدى السيدة عائشة يؤهّلها لوعي مستلزمات الزواج ومتطلّباته، إن لم نُضف إلى ذلك ضرورة وعيها للرسالة التي يحملها زوجها، وهو خاتم الرُّسل (ص)، لتكون على بصيرة من أمرها من جهة، وعوناً لزوجها من جهة أخرى، وما تنقله لنا المصادر لا يُوحي بأنّ أم المؤمنين عائشة، كانت في تلك المرحلة بهذا المستوى من النضج العقلي الذي يسمح للنبي (ص) بالاقتران بها، واتّخاذها شريكة حياته، الأمر الذي يفرض علينا التدقيق مليّاً في روايات هذا الزواج ووضْعها على طاولة النَّقد بكلِّ جرأة ودون تهيّب، لأنّ التسليم بها والخضوع لها فيه من الاستخفاف بعقولنا ما لا نرضاه لها، وفيه من الإساءة إلى رسول الله (ص) ما لا نظنّ أنّ مسلماً يقبله ويرضى به، بل إنّ كلّ عاقل منصف، ولو لم يكن مسلماً ولا مؤمناً بالنبوّة يستطيع أن يقدّر بأنّه ما كان لرجل كمحمد ( ص) صاحب مشروع تغييريّ، أن يُقدِم على الزواج من طفلة في عقلها وتجاربها، ولو كانت امرأة ناضجة في جسدها.
والشواهد التي نستند إليها في استبعادنا للزواج في هذا العمر، وأنّ عائشة وهي في التاسعة من عمرها لم تكن سوى طفلة تعيش هموم الأطفال وشجونهم، ولم تكن مؤهلة للزواج، هي:
أولاً: إنّ ذلك هو الحالة الطبيعية لدى البنات في هذا السن، وهذا ما نشهده بأمّ العين، فإنّ بنت التاسعة أو العاشرة أو الحادية عشرة، حتى لو كانت بالغة بلوغاً شرعيّاً، فإنّها تبقى طفلة في همومها ورغباتها ومتطلّباتها، هذا مع العلم أنّ مستوى الوعي لدى المرأة في زماننا حيث فُتِحت أمامها أبواب المعرفة قد تحسّن إيجابياً، ولا يُقاس بما كان عليه الحال في الأزمنة الغابرة، ولا سيّما في المجتمع الجاهلي الذي كان يهمّش المرأة أيّما تهميش، ويعتبرها مبعث عار ومصدر شؤم، كما نصّ على ذلك الذكر الحكيم: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ﴾[النحل: 58 ـ 59].
ثانياً: إنّ الروايات التي تؤرّخ لهذا الزواج تُجمع على أنّ عائشة كانت تلعب الأرجوحة مع أترابها عندما أُخذت بطريقة مخيفة سيأتي الحديث عنها، وأُدخلت على رسول الله (ص)، ففي رواية ابن سعد في طبقاته بسنده إلى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: «تزوّجني رسول الله وأنا بنت ست سنين، وأُدخلت عليه وأنا بنت تسع سنين، وكنت ألعب المرجوحة، ولي جُمَّة، فأتيت وأنا ألعب فأُخذت فهيّئت ثم أُدخلت عليه..»([3]).
ولا أرى فيما ينقله الرواة عن السيّدة عائشة من أنّها كانت تلعب بالبنات، وهي الدّمى أو العرائس، حتى بعد زواجها وانتقالها إلى بيت رسول الله (ص) وأنّه (ص) كان يأنس بذلك ويُسَرُّ به، بل ويُرسل إليها صاحباتها ليلاعبنها([4])، لا أرى في ذلك ما يخفّف وطأة الاستغراب المتقدّم أو يزيل وحشة الاستبعاد، بل إنّ ذلك يزيد في الطين بلة، ويطرح العديد من الأسئلة، ليس بشأن زواجه (ص) من بنت ذات هموم طفوليّة فحسب، بل بشأن ما تضمّنته هذه الروايات من أُنسه وسروره بلعب زوجته مع أترابها بتلك اللّعب، علماً بأنَّ وجود هذه الدّمى في بيت النبي (ص) داعية التوحيد ومحطّم الأوثان، وفي مجتمع لا يزال قريب عهدٍ بعبادة الأصنام، هو أمر مستغرب، ولا سيّما أنّه قد ورد عنه (ص) النّهي عن اقتناء التماثيل في البيوت([5])، وأقلّ ما يُحمل عليه النّهي، هو الكراهة([6]).
ثم لو سلّمنا جدلاً أن النبي (ص) كان يُقدِّر عمر زوجته ويراعي صغر سنها وميولها الطفولية فيتغاضى عن لعبها بتلك الدمى، ولكن أن يرسل هو بشكلٍ مستمرّ ومكرّر - كما يوحي به قولها «وكان يسرّبهن إليّ» - خلف صاحباتها ويدعوهنّ إلى بيته ليلاعبنها ويسلّينها، فهذا أمر مستبعد جدّاً، لأنّ تحوّل بيت النبي إلى مسرح للعب الأطفال البنات ولهوهنّ مع زوجته ليس أمراً مستغرباً ومستنكراً فحسب، بل ربما يُقال: إنّه لا يتناسب وطبيعة الظروف التي عاشها النبي (ص) ما جعله في شغل عن ذلك، فهموم الدّعوة وما يواجهها من تحدّيات وصعوبات، كانت تملأ تفكيره ووقته، وتشغل حياته، ولا تترك له مجالاً عند عودتـه إلى بيته أن يرسل إلى البنات الصغيرات ليأتين زوجته ويلاعبنها.. إنّ النبي (ص) ومُذ خاطبه ربّه: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر*قُمْ فَأَنذِرْ﴾[المدثر:1 ـ 2] ظلّ ما يقرب من عشرين عاماً شاخصاً للعمل واقفاً نفسه للجهاد في سبيل الله، على مختلف الجبهات وشتى الميادين، ولم يعرف خلال تلك المدّة الرّاحة والدّعة.
الوقفة الثانية: إلى بيت الزوجيّة أم إلى بيت الجلاّد!
لا يخفى أنّ أولى خطوات الزّفاف، ولا سيّما في العهود السّابقة، أن يتمّ إعداد المرأة البكر الشابّة وتهيئتها نفسيّاً لاستقبال اللّيلة الأولى من حياتها الزوجيّة، والتي ستدخل معها في علاقة جديدة لها حساسيّتها ومتطلّباتها، فإن تجاوزت هذه اللّيلة بعلاقة ناجحة مع زوجها، فستكون أسعد ليلة في حياتها، وإلاّ لو تعثّرت الأمور فإنّها قد تكون أتعس ليلة في حياتها.
إلاّ أنّ شيئاً من هذا الإعداد وتلك التهيئة لم يحصلا - فيما تنصّ الروايات - مع السيدة عائشة مع صغر سنّها وحاجتها الماسّة إلى ذلك، كونها لا تفقه شيئاً من متطلّبات الزواج، وكيف تفقه ذلك وهي «طفلة» في التاسعة من عمرها، لا تزال تلعب الأرجوحة مع صويحباتها كما عرفنا، ولم تقف المسألة عند هذا الحدّ من عدم تهيئتها لأمر الزواج ومتطلّبات ليلة الزفاف، بل إنّها سيقت إلى زوجها - الذي يكبرها بما يزيـد علـى خمسين عاماً، وهو في الوقت عينه شخصيّة استثنائية لها مهابتها وجلالها - بطريقة مرعبة، لا توحي إطلاقاً بصورة امرأة تُزفُّ إلى عشّ الزوجية، أو تدخل في «شهر العسل»، وإنّما توحي بصورة الضحيّة التي تُساق إلى الجلاد، أو صورة الشّاة التي تساق إلى الجزّار! وإليك هذه الصورة كما ينقلها لنا أصحاب «الصِّحاح» من البخاري والدارمي وابن ماجة وغيرهم، إذ يَرْوُون عن السيّدة عائشة - والنصّ للبخاري - أنّها قالت: «تزوّجني رسول الله وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحرث بن خزرج فوعكت فتمرّق شعري، فوفى جميمه، فأتتني أمي أم رومان وإنّي لعلى أرجوحة ومعي صواحب لي، فصرختْ بي، فأتيتُها لا أدري ما تريد بي، فأَخَذَتْ بيدي حتى أوقفتني على باب الدار، وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي، ثم أَخَذَتْ شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن: على الخير والبركة وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن، فأصلحن من شأني، فلم يَرُعْني إلاّ رسول الله (ص) ضحى، فأسلمتني إليه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين»([7]).
بيان: «فوعكت» أصابتها الوعكة وهي الحمى، «فتمرّق» تمرّق الشعر أي تمّ نتفه، وفي رواية فتمزّق أي تقطّع، «فوفى» أي كثر ونما، وهنا حصل حذف تقديره أنها شُفيت من الوعكة التي أصابتها فنما شعرها، «جميمه» الجميمة والجمّة من شعر الرأس ما سقط على المنكبين، وإذا بلغ إلى شحمة الأذنين يسمى وفرة، «وأم رومان» عطف بيان لقولها «أمي»، وهي كنية أم عائشة، والأرجوحة معروفة، «وإني لأنهج» أي أتنفّس تنفساً عالياً، «وعلى خير طائر» أي قدمت على خير، أو على خير حظّ ونصيب([8]).
والذي يستوقفنا في هذه الرواية ليس أخذها بهذه الطريقة العنيفة من بين صويحباتها وإدخالها على نساء الأنصار، وهي تتنفّس تنفّساً عالياً، فإنّ ذلك وبالرغم من غرابته قد يكون أمراً هيّناً ويمكن تجاوزه، ولا سيّما أنَّ والدتها عمدت بعد ذلك إلى مسح وجهها ورأسها بالماء، وهو ما قد يهدّىء من روعها، وإنّما الذي يستوقفنا مليّاً، ويبعث على الدّهشة والاستغراب، هو إدخالها على زوجها رسول الله (ص) دون إخطارها بذلك حتى أُصيبت بالدّهشة والذهول، كما يُوحي بذلك قولها: «فلم يَرُعْني إلاّ رسول الله ضحى فأسلمتني إليه..»، يقول العيني في عمدة القاري: «فلم يرُعْني - بضمِّ الراء وسكون العين المهملة - أي لم يفاجئني، وإنّما يُقال ذلك في الشيء لا تتوقّعه فيهجم عليك في غير زمانه أو مكانه، ويقال معناه: لم يفزعني إلاّ دخوله عليّ، وكَنَّتْ بذلك عن المفاجأة بالدخول على غير علم بذلك، فإنه يفزع غالباً»([9]).
أيُعقل أن تُساق «طفلة» في التاسعة من عمرها إلى بيت الزوجيّة دون أن يخبرها([10]) أحد بذلك، أو يُرشدها إلى بعض ما يهمّ المرأة ليلة الزفاف، وهي من أصعب اللّيالي على الفتاة البكر، إذ ينتابها القلق ويتملّكها الخوف وتشعر بالتوتّر والإرباك في مواجهة الموقف حتى لو كانت قد هُيِّئت لذلك وأُعدّت له، فكيف إذا كانت غافلة عن الأمر؟!
وربما يقولنّ قائل: إنّ أمها قد أخطأت إذ لم تُخبرها بالأمر أو تُهيّئها لذلك، ومثل هذا الخطأ قد يرتكبه بعض الناس لسببٍ أو لآخر، ولا يستوجب ذلك تكذيب الرواية أو ردّها.
ولنا أن نجيب على ذلك: بأنّنا لو قبلنا مثل هذا «العذر» لأم رومان وتغاضينا عمّا تقدّم، إلاّ أنّنا نتساءل: ألم يلحظ رسول الله (ص) ما ينتاب عائشة من الخوف والذّعر عندما أُدخِلت عليه فكيف واجه الموقف، وهو المعروف بحيائه وأخلاقه الرفيعة؟ إنّ من الطبيعي أن يكتشف (ص) ما ينتابها من الرعب والخوف ويستعلم منها الأمر أو يهدّىء روعها، وأن ينبّه لاحقاً أمّها، أم رومان إلى خطأها في عدم إخطار ابنتها بما تُقدِم عليه، مع أنّ شيئاً من ذلك لم يحصل، وإلاّ لسجّلت ذلك الروايات التي نقلت لنا قصة هذا الزواج بتفاصيلها.
الوقفة الثالثة: الإساءة إلى رسول الله (ص)
ثم لو أنّنا تجاوزنا عمّا جاء في الملاحظة السّابقة، وحاولنا توجيهه بشكلٍ أو بآخر، إلاّ أنّ ما لا يمكن توجيهه ولا قبوله بشكلٍ من الأشكال، في قصّة هذا الزواج، هو طريقة تعامل رسول الله (ص) مع زوجته عائشة في محضر عام، ممّا يخجل عامّة الناس وأقلّهم شأناً من ارتكابه أو الإقدام عليه، فكيف بنبيّ الله (ص) ذي الخُلق الرفيع؟!
تخيّل معي - أيّها المسلم - أنّ نبيك الكريم، وصاحب الخلق العظيم، الذي هو أرقّ من النسيم تُدفع إليه زوجته وتُلقى في حِجره في مشهدٍ عام يحضره الرجال والنساء، دون أن يُبدي اعتراضاً على ذلك أو يخجل منه! فهل هناك رواية تتضمّن تشويهاً لصورة النبي (ص)، كمثل هذه الرواية التي تسجّلها لنا المصادر الإسلامية دون إنكار من أحد؟!
ففي مسند أحمد في رواية عن السيدة عائشة: «.. فجاء رسول الله (ص) فدخل بيتنا، واجتمع إليه رجال من الأنصار ونساء، فجاءتني أمي وإنّي لفي أرجوحة بين عذقين ترجح بي، فأنزلتني من الأرجوحة، ولي جميمة ففرّقتها، ومسحت وجهي بشيء من ماء، ثمّ أقبلت تقودني حتى وقفت بي عند الباب، وإنّي لأنهج حتى سكن من نَفَسي، ثم دخلت بي فإذا رسول الله (ص) جالس على سرير في بيتنا، وعنده رجال من الأنصار، فأجلستني في حِجره، ثمّ قالت: هؤلاء أهلك، فبارَك الله لك فيهم، وبارك لهم فيك، فوثب الرجال والنساء فخرجوا وبنى (دخل) بي رسول الله (ص) في بيتنا، ما نُحرت عليّ جزور ولا ذُبحت عليّ شاة..»([11])!!
إنّ من المعقول في حقّ النبي (ص) والمعروف من سيرته أنّه كان يلاعب الأطفال وربّما أجلسهم في حجره ملاطفة لهم وحباً بهم([12])، ولكن هل يُعقل أن يرضى رسول الله (ص) بوضع زوجته في حجره أمام الرجال والنساء، والذين خرجوا مسرعين من الدار، كما توحي بذلك كلمة الوثوب؟! وكأنّهم استحييوا من نبيّهم، فوثبوا وتركوه ليختلي بعروسه، بينما هو لم يَبْدُ عليه من علامات الحياء أثرٌ ولا عين!
إنّي لا أُخفي القارئ الكريم حقيقة مشاعري، وأنا أقرأ مثل هذه الروايات، وأسطر هذه الكلمات، وهي مشاعر متفاوتة ومتباينة، يختلط فيها الشعور بالخجل، مع الشّعور بالغضب لله ولرسوله، لأنّ هذا الرسول الكريم الذي هو كتلة من الحياء والأخلاق، لدرجة أنّه لم يكن يسمح لزوجته أن تنظر إلى بعض المواضع في جسده مما تراه الزوجة في العادة، وذلك في كلّ حياتها الزوجيّة معه، كما تروي السيّدة عائشة نفسها([13])، كيف يرضى لنفسه الأبيّة أن تُوضع زوجته في حجره في حشد من الرجال والنساء؟! إنّني والله لا أفهم ذلك إلاّ على أنّه إساءة بالغة لقدسيّة النبي (ص) وانتهاكٌ لحرمته وكرامته..
وتعالَ معي لنقرأ مقطعاً آخر من الرواية المتقدّمة، تقول عائشة - بحسب الرواية - : «فخرجوا، وبنى (أيّ دخل) بي رسول الله في بيتنا»، ولا يسعنا هنا إلاّ أن نتساءل كيف يرضى النبي الحَيِيّ أن يُبادر إلى الدخول بزوجته وهي في بيت أهلها؟! وكأنّه كان ينتظر خروج هؤلاء الأشخاص الذين كانوا معه ليدخل بزوجته! وكأنّ الرواية تريد الإيحاء بأنّه (ص) ولشدّة ولعه بها، وشوقه إلى الوصال لم ينتظر أن يأخذها إلى بيته، ويختلي بها كما يختلي الرجال بعرائسهم! أليس هذا الفعل معيباً ولا يليق بإنسان عادي، فضلاً عن قمّة الأخلاق والعفاف، رسول الإنسانية محمد (ص) الذي دعا في تعاليمه ووصاياه إلى وجوب التزام التستّر أثناء المعاشرة، فكان يقول فيما رُوِي عنه: «تعلّموا من الغراب خصالاً ثلاثاً: استتاره بالسّفاد (علاقة الذكر بالأنثى)، وبكوره في طلب الرزق، وحذره»([14]).
وفي ضوء ما تقدّم، فإنّنا نرجّح أن تكون هذه الروايات موضوعة بهدف الإساءة إلى رسول الله (ص) ولا نستبعد أيضاً أن تكون موضوعة بهدف الإساءة إلى السيّدة عائشة نفسها.
عذراً سيدي يا رسول الله، أن يضطرّني القلم لكتابة هذه السّطور مع ما فيها من التطرّق إلى ما يمسّ خصوصياتك، لكنّها والله الغيرة عليك، وعلى صورتك النقيّة هي التي دفعتني إلى ذلك، حيث لا يمكن للمسلم أن يرضى بتشويهها أو خدشها بما هو أقلّ من ذلك.
الوقفة الرابعة: الزواج من طفلة لتخفيف الحزن!
ومن الأسئلة التي تُطرح إزاء هذا الزواج، هي الهدف من الإقدام عليه، فإنّ المعهود أنَّ الإنسان إنّما يُقدم على الزواج استجابة لرغبة فطرية غرسها الله فيه، تشدّه نحو الجنس الآخر، وفي ذلك حكمة بالغة، وهي بقاء النّسل البشري واستمراره، مع ما في الزواج من تحصين المجتمع وتحقيق الاستقرار العائلي وإشباع الغريزة، هذه هي دوافع الزواج وغاياته، ومن الواضح أنّ شيئاً من ذلك لا يوفّره الزواج من الطفلة الصغيرة، فلا هي في معرض الاستمتاع الجنسي، ولا هي مؤهّلة للإنجاب، ولا يحقّق الزواج بها تحصيناً لزوجها، ولا للمجتمع عامّة من الانحراف أو الشذوذ على الصعيد الجنسي.
وأعتقد أنّ هذه الحكمة لم تكن لتغيب عـن ذهن خولة بنت حكيم، وهي المرأة التي بـادرت بعـد وفـاة خديجـة بنت خويلـد إلـى عرض فكرة الزواج على رسول الله (ص)، فهي، إنّما كانت ترمي من عَرْضِها، ما يتداعى إلى ذهن الكثيرين من المحيطين بالرجل - أي رجل - الذي فَقَدَ زوجته، وهو اختيار زوجةٍ مناسبة له تعوّضه عن فقدان زوجته وتشاركه حياته وهمومه وترعى أولاده الصغار، وتكون عونـاً له في قضـاء حاجاته، ولذا فإنّ من المستغرب والمستبعد جداً أن تقترح عليه (ص) خولة الاقتران بطفلة صغيـرة في السادسة من عمرها، وإنّ مجيئها إلى رسول الله بعد وفـاة خديجة - كما تنصّ الرواية - وقولهـا لـه: «ألا تزوّج؟» هو خيـر شاهـد علـى ما نقـول، من أنّها إنّما أرادت تأمين زوجة في الحال للرسول، تكون عوضاً له عن خديجة، ولما سألها (ص) عمّن تقترح من النساء، قالت: «إن شئت بكراً وإن شئت ثيّباً، قال فمن البكر؟»، وعلينا أن نتنبّه جيداً لقولها: «إن شئتَ بِكْراً» حيث استخدمت لفظ البكر، وهذا اللّفظ لا يُستخدم لوصف الطفلة الصغيرة، وإنّما يُطلق على المرأة البالغة التي لم تتزوّج بعد ولم تُقم أيّة علاقة بالرجال.
وربما يُقال: إنّ العقد على الصغيرات كان متعارفاً آنذاك، وقد أقرّ ذلك فقهاء المسلمين، حيث أفتوا بشرعيّة العقد على الصغيرة إذا كان المزوِّج لها هو وليّها، شريطة وجود مصلحة لها في هذا الزواج، أو عدم وجود مفسدة لها فيه في الحدّ الأدنى([15])، وعلى أن يؤجّل الدخول بها إلى حين بلوغها، وعليه فما المانع في أن يتزوّج النبي(ص) بصغيرة جرياً على عادة العرب هذه؟
ولكنّنا نلاحظ على ذلك، بأنّ ما كان متعارفاً آنذاك هو تزويج الصغار بالصغيرات، وأمّا تزويج الصغيرة بالكبير في العمر، فهو أمرٌ نادر الحصول فيما نقدّر، ولكن لو سلّمنا بذلك، فإنّه لا يدفع التساؤلَ المطروح في المقام، وهو أنّ النبي(ص) بعد وفاة خديجة كان بحاجة إلى الاقتران بإمرأة مؤهّلة للزواج في الحال، وليس بعد ثلاث سنوات، أو ما يزيد عليها، وهذا ما كانت تعيه جيداً صاحبة المبادرة، وهي خولة بنت حكيم، ولذا، فإذا كانت([16]) هي التي اقترحت على النبي(ص) الزواج من سودة بنت زمعة، فهذا أمر مفهوم ويمكن تصديقه، إلاّ أنَّ اقتراحها لعائشة يبدو مستغرَباً، ولا نجد ما يبرّره بحسب طبيعة الأمور والحاجة الفعلية لرسول الله (ص).
وليس أقلّ غرابة من ذلك، ما جاء في رواية أخرى، رواها الحاكم في المستدرك، حول مجيء جبريل إلى النبي(ص) بعد وفاة خديجة مبعوثاً من قبل الله عز وجل وهو يحمل معه عائشة في مهد، ويعرضها على النبي(ص)، وهو يقول: «هذه تذهب ببعض حزنك، وإنّ في هذه لخلَفاً من خديجة»([17])!
ولك أيّها القارئ الكريم، إزاء هذه الرواية العجائبية، أن تعجب ما شئت وتستغرب ما بدا لك، إلاّ إنّني أريدك الآن، وفي هذه الوقفة أن تتساءل معي: كيف يمكن تصوّر أنّ هذه الطفلة التي أحضرها جبريل إلى رسول الله(ص) في مهد تُمثِّل خَلَفاً لخديجة وتذهب ببعض حزنه؟! فهل كانت عائشة في هذه السنّ الصغيرة، سلوة للنبي(ص) باعتبارها زوجة، وتسلّيه بما تسلّي به الزوجة زوجها؟ أم أنّها كانت سلوةً له باعتبارها طفلة، ومعلومٌ أنّ رؤية الأطفال وملاعبتهن تسلّي الإنسان وتُذهب الحزن عنه؟
لا بدّ أن نستبعد الفـرض الأول، بل نرفضـه رفضاً قاطعـاً، ليقيننـا أنّ رسـول الله (ص) هو أجلّ وأشرف من أن يلاطف أو يلاعب أو ينظر إلى طفلة هي في السّادسة من عمرها، ملاطفة الرجل لزوجته أو نظره إليها، حتى لو كانت هذه الطّفلة زوجة له، فإنّ المرأة إن لم تكن مؤهّلة للاستمتاع من ناحية تكوينها الجسدي فيكون الاستمتاع بها قبيحاً ومستهجناً ومرفوضاً عقلاً وشرعاً، ومن هنا، فإنّنا نرفض بعض الفتاوى التي تسمح بالاستمتاع بالزوجة الصغيرة([18]).
وأمّا الفرض الثاني، فهو وإن لم يكن مُستبشعاً ولا مستهجناً، بل هو أمر مستحسن إلاّ أنّ هذا النوع من التسلية أو التخفيف عن النفس برؤية الأطفال وملاطفتهم وملاعبتهم لو فرضنا أنّ النبي (ص) كان بحاجة إليه، فقد كان ميسوراً له (ص) من دون ضرورة إلى توفيره له من خلال الزواج بطفلة وإحضارها له بهذه الطريقة الإعجازية، فقد أعطاه الله من الأولاد (بنين وبنات) من زوجته السيـدة خديجة، ما يكفي لتأمين تلك الرّغبة، وعلى رأسهم السيدة فاطمة الزهراء (ع) في طفولتها، والتي كانت في ذلك الوقت لا تزال في بيته، وهي كما نعلم أحبّ بناته إلى قلبه، حتى إنّها قامت بدور الأمّ تجاه أبيها، ومن هنا كانت تُلقّـب «بأمِّ أبيهـا»([19])، وكـان ذلك ميسـوراً أيضـاً مـن خـلال أبناء الزهراء (ع) فيما بعد، ولا سيما سبطَيْه الحسن والحسين (ع)، وقد عُرف عنه(ص) أنّه كان يلاعبهما ويـلاطفهما، ويُركبهمـا علـى ظهـره، ففي الخبر عن جابر قال: دخلت على النبي(ص) والحسن والحسين(ع) على ظهره وهو يحبو لهما ويقول: «نِعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما»([20]).
الوقفة الخامسة: لا تُزوَّج الباكر حتى تُستأذن
ومن علامات الاستفهام الكبيرة التي تواجهنا في المقام، ولا نجد جواباً مقنعاً عليها: ما يظهر من كلام السيدة عائشة - فيما نقلته الروايات عنها - من أنّها قد أُخِذَت على حين غرّة، ودُفعت الى زوجها (رسول الله) دون أن تُستأذن، بل دون أن تعرف ما يُراد بها، فهي في مكّة طفلة صغيرة (بنت ستّ سنين) يزوّجها أبوها للنبي (ص) دون أن تعي معنى الزواج بمقتضى عمرها، وفي المدينة المنوّرة تأخذها أمّها وهي بنت تسع، بالطريقة المُشار إليها، لتسلّمها لزوجها دون معرفة مسبقة منها بالأمر الذي سيقت إليه، ولذا اعتراها الذهول والدهشة عندما أُدخلت على النبي (ص).. والسؤال هنا: كيف يتلاءم ذلك مع ما نصّت عليه تعاليم الإسلام، وتوجيهات النّبي حول ضرورة استئذان البنت البكر في أمر الزواج، ففي الحديث المروي في الصحاح عنه (ص):»لا تُنكح الأيّم حتى تُستأمر، ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن، قالوا يا رسول الله: وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت»([21])؟.
وربّما يُلاحظ على هذا التساؤل بملاحظتَيْن:
الأولى: إنّ ما أصابها من ذهول، إنّما يكشف عن جهلها بما هي صائرة إليه حين إدخالها على النبي (ص)، ولكنّ ذلك لا يعني أنّها كانت لا تعرف إلى ذلك الحين بكونها زوجة للنبي، وأنّها ستُزفّ إليه في وقتٍ ما، قريباً كان أو بعيداً، ومن المستبعد جداً أن لا يكون ذووها قد أطلعوها على هذا الأمر وهيؤوها له.
وتعليقنا على ذلك هو أنّ سياق الرواية المروية عن السيدة عائشة لا يوحي بأنها قد استُئذنت بالمعنى المراد للاستئذان في المقام (كما سيأتي توضيحه في الملاحظة الثانية)، لأنّها حدّثتنا في تلك الرواية عن كلّ التفاصيل المرتبطة بزواجها برسول الله، منذ أن جاءت إليه خولة بنت حكيم، وعرضت عليه فكرة الزواج، وإلى أن «زُفّت» إليه بالصورة المشار إليها، فلو أنّها قد أُعلمت بهذا الأمر وأُخذ رأيها فيه، أو هُيّأت له، لذكرت ذلك وأشارت إليه.
الثانية: إنّ وجوب استئذان الباكر إنّما هو في البالغة، وأمّا الصغيرة فأمرها إلى وليها وهو الأب أو الجد للأب، والسيدة عائشة إنّما لم تُستأذن، لأنّها كانت صغيرة، فقد زُوّجت وهي في السادسة من عمرها، والذي زوّجها هو وليّها الشرعي وهو أبوها أبو بكر.
وتعليقنا على ذلك: بأنّ استئذان الزوجة لا بدّ منه على كلّ حال، فإن كانت بالغة فتُستأذن قبيل العقد، وإن كانت صغيرة فتُستأذن أو تستأمر بعد البلوغ، بمعنى أنّه لو زوّجها الولي، فعليه أن يجعل لها الخيار في إمضاء العقد أو فسخه بعد بلوغها، «لما رُويَ أنّ النبي (ص) زوّج أمامة بنت حمزة - وهي صغيرة - وجعل لها الخيار إذا بلغت»([22])، وليس في الروايات ما يشير إلى أنّ أبا بكر جعل لابنته الخيار في عقد الزواج، أو أنّها خُيّرت حين الزفاف، واحتمال أنّها خُيّرت لكنّها لم تذكر ذلك مستبعد جداً، بلحاظ ما نعرفه من سيرة السيدة عائشة، فقد اعتادت أن تحـدّث بمثـل هـذه الأمور، كما أنّ احتمال أنّ في الأمر خصوصية لرسول الله(ص) بعيد هو الآخر، لأنّه لو كان كذلك لأشير إليه في النصوص أيضاً، كما أُشير إلى سائر خصائصه في أمر الزواج أو الطلاق.
الوقفة السادسة: طلاقها من زوجها أو فكّ خطبتها!
من النِّقاط التي تستوقف الباحث مليّاً ما تضمّنته الروايات من أنّ السيّدة عائشة كانت على اسم رجل (أو فتى)، قبل أن يتزوّجها رسول الله، وذلك الرجل أو الفتى هو جبير بن المُطعِم، وبعد أن تقدّم النبي(ص) بخطبتها عمد أبو بكر إلى فكّ ارتباطها بذلك الشخص، ففي الحديث عن عبد الله بن أبي مليكة قال: «خطب رسول الله(ص) عائشة بنت أبي بكر، فقال (يعني أبو بكر): إنّي كنت قد أعطيتها مطعماً لابنه جبير، فدعني حتى أستلّها منهم، فاستسلّها منهم فطلّقها فتزوّجها رسول الله»([23]).
والسؤال الذي يفرض نفسه في المقام، أنّه إذا كانت عائشة متزوّجة قبل رسول الله(ص)، كما توحي بذلك كلمة «فطلّقها» الواردة في النص المذكور، فهل من اللاّئق أن يتقدّم رسول الله في طلب خطبتها ويتسبّب بطلاقها من زوجها؟!
أجل، إنّ ظاهر بعض الروايات أنّ ما جرى لم يكن زواجاً، بل كان وعداً وعده أبو بكر لمُطعم بأن يزوّجه عائشة من ابنه جبير، على طريقة العرب - فيما يبدو - والتي لا تزال معمولاً بها إلى يومنا هذا في بعض الأوساط، فقد جاء في كتاب الإصابة: «كانت تذكر لجبير بن مطعم وتسمّى له»([24])، وفي مسند أحمد من حديث خولة بنت حكيم المشار إليه سابقاً أن أم رومان قالت لخولة: «إنّ مطعم بن عديّ قد كان ذكرها على ابنه، فوالله ما وعد أبو بكر وعداً قط فأخلفه، فدخل أبو بكر على مطعم بن عديّ، وعنده امرأته أمّ الفتى، فقالت: يا ابن أبي قحافة لعلّك مصبٍ([25]) صاحبنا مدخله في دينك، الذي أنت عليه إن تزوّج إليك؟! قال أبو بكر للمطعم بن عدي: أَقَوْلٌ هذه تقول؟! قال: إنّها تقول ذلك. فخرج من عنده، وقد أذهب الله ما كان في نفسه من عِدتِه التي وعدها»([26]).
إلاّ أنّ هذا لا يرفع التساؤل كليّاً، إذ يبقى لقائل أن يقول: هل يليق بالنبيّ(ص) أن يدخل في طلب زواجٍ من هذا القبيل، سواء أدّى إلى طلاق عائشة من زوجها، كما قد يظهر ممّا رواه ابن سعد في طبقاته، أو أدّى إلى فكّ خطوبتها ورجوع أبيها عن عِدتِه التي وعد بها مطعم، كما يظهر ممّا جاء في المصادر الأخرى، إنّ هذا أمر نستبعد إقدام النبي عليه مع ما هو المعروف من أخلاقيّاته، والمعهود من سيرته في هذا المجال، فهو الذي أمر زيد بن حارثة أن يُمسك عليه زوجه «زينب بنت جحش» مع أنّه(ص)، كان قد أُعلم في ذلك الوقت من قِبَل الله، بأنّها ستكون في عداد زوجاته، وعليه كيف يُقدم(ص) على زواج يتسبّب بإنهاء علاقة بين شخصيـن، ولا سيما بملاحظة أنّ مطعم بن عديّ لم يكن معادياً لرسول الله(ص) فقد كان يرسله أبو طالب أيام الحصار في الشِّعْب ليأتيهم بالقمح والدقيق([27]).
ولا رادّ لهذا الاستغراب إلاّ أحد افتراضين:
الأول: أن يُقال إنّه لم يكن(ص) على علم بأنّ عائشة قد سُمّيت لجبير بن مطعم، فأقدم على طلب خطبتها.
إلاّ أن جهله (ص) بهذا الأمر مستبعد جدّاً، على الأقل بسبب ما تفترضه الروايات المتقدّمة من وجود علاقة وطيدة كانت تربطه بأبي بكر، الذي هو مِنْ قدامى مَنْ أسلم من الصحابة.
ولو سلّمنا أنّ النبي(ص) لم يكن يعرف بأمر خطوبتها من جبير حين أقدم هو على خطبتها لنفسه، لكن هل بقي (ص) جاهلاً بحقيقة الحال حتى بعد أن استسلّها أبو بكر من جبير بن مطعم؟ إنّ جهله بذلك هو أكثر بعداً من سابقه، ولو أنّه عرف بالأمر، فماذا كانت ردّة فعله؟ أرضيَ بالأمر دون أي تعليق إيجابيّ أو سلبيّ؟ من الغريب أن نجد صمتاً مريباً في النصوص إزاء هذه الأسئلة!
الثاني: افتراض أنّ النبي (ص) كان عالماً بالأمر إلاّ أنّ إقدامه(ص) على خطبة عائشة، ليس فيه ما يضير، أو يُستقبح، حتى لو تسبّب ذلك بإنهاء علاقة معيّنة بين شخصين، ولا يُقاس ذلك - مثلاً - بما جرى مع زينب بنت جحش، والوجه في ذلك أنّ زيداً زوج زينب كان رجلاً مسلماً، ومن الطبيعي أنّه لا يجوز لأحد أن يدخل بين المسلم وزوجته، بما يؤدّي إلى إيجاد فرقة بينهما، والنبي(ص) مع كونه مأذوناً بهذا الأمر، لكنّه كان حرجاً في الدخول في أمر يتسبّب بالفُرقة بين زيد وبين زوجه، وأما جبير بن مطعم فقد كان كافراً مشركاً آنذاك، إمّا اعتقاداً، أو بحكم تبعيّته لأبَوَيه المشركَيْن، إذ يلوح من الرواية أنه كان لا يزال فتى([28])، والتسبّب بقطع علاقة الكافر مع المسلمة ليس فيه ما يعيب.
وهذا التوجيه - لو تمّ - فإنّه لا يدفع الاستغراب، وذلك لأنّ الزواج مع المشرك إن كان جائزاً أنذاك - كما هو الراجح - أو على الأقل لم ينزل تحريمه بعد، فإنّ التساؤل المتقدّم يبقى وارداً ولو بدرجة أقلّ، لجهة أنّ إقدامه (ص) على خطوة كهذه قد تُستَغَلّ من قِبَل المشركين للتنديد بالنبيّ أو محاولة تشويه صورته، وأمّا إن كان الزواج من مشرك أمراً محظوراً، فكيف يُقدِم أبو بكر على ارتكابه أو ارتكاب مقدّماته بإعطاء الوعد لمطعم؟!
تساؤلات أخرى
ثم إنّ ثمّة تساؤلات أخرى في المقام تحتاج إلى إجابات، والتساؤلات، هي من قبيل:
أوّلاً: إنّه إذا كانت عائشة قد وُلدت في الرابعة من البعثة([29]) فمتى أقدم أبوها على تزويجها من جبير أو إعطائه هو أو والده وعداً بالزواج منها؟ فلو فرضنا أنّ ذلك تمّ عند بلوغها الثالثة من عمرها، فهذا يعني حصول ذلك في السنة السابعة من البعثة، وحينئذ لك أن تتساءل: إنّه حتى لو كان هذا الزواج مباحاً، ولم ينزل القرآن بتحريمه بعد، ولكن هل كانت ظروف التحدّي والصراع مع قريش والضغط الذي يمارسه المشركون على النبي وأصحابه تسمح لمطعم بن عديّ بالإقدام على تزويج ابنه جبير من عائشة بنت أبي بكر، وهو حسب الفرض من قدامى المسلمين وكبار رجالاتهم؟!
ثانياً: إنّه لم يتّضح المبرّر لما افترضته الروايات من تعجّب أبي بكر واستغرابه من طرح فكرة زواج النبي(ص) من ابنته عائشة، فيما بدا من سؤاله لخولة بنت حكيم «أوتصلح له وهي ابنة أخيه؟!»([30])، ليأتي جواب النبي(ص) في وقت لاحق: «أنا أخوه وهو أخي وابنته تصلح لي»([31])، والسؤال أنّه ما الموجب لتوهم حرمة عائشة على النبي(ص) وهي ليست من محارمه، ولم يكن ثمّة ما يوجب الحرمة، لا من تشريع أو غيره، وهل كان ليخفى على مثل أبي بكر أن أخوّة الإسلام لا توجب الحرمة؟
إنّها تساؤلات تَرِد على الخاطر ونطرحها بغرض التأمل ومزيد من التبصر ولو أنها كانت أسئلة يتيمة لأمكن التغاضي عنها وتجاوزها، إلاّ أنّها إذا انضمّت إلى عشرات الأسئلة السابقة واللاّحقة فإنّها ستشكل قرينة إضافية ترفع من مستوى التشكيك في الروايات الواردة في قصة هذا الزواج.
الوقفة السابعة: اضطراب وتهافت مريب
صحيح أنّ اختلاف الروايات التاريخيّة في بعض الأحيان، وفي بعض الجوانب قد لا يكون بالضرورة مؤشّراً على وضعها واختلاقها، ولا يبرّر رفضها، لأنّ الاختلاف قد يكون له ما يبرّره، كالنقل بالمعنى، أو تركيز الراوي على جانب معيّن من الصورة، أو لغير ذلك من الأسباب، إلاّ أنّ الاختلاف إذا ما وصل إلى حدّ التضارب والتعارض، فإنّه يكون مبعث توهين ومصدرَ تشكيك، وبالتّالي فإنّ كثرة الروايات المتضاربة، لا تبعث على الاطمئنان، أو الوثوق بالرواية، بقدر ما ترفع وتضاعف من مستوى التشكيك فيها، ولا سيّما عندما تتّصل القضيّة بأمرٍ اعتقادي، أو بحقلٍ من الحقول التي شكّلت أرضاً خصبة للوضع والاختلاق (التزوير في الأحاديث والروايات)، كما هو الحال في حقل الفضائل، واللّافت أنّ الروايات مورد النظر جمعت إلى كلّ المضامين القلقة والمنافية للعقل والمنطق ممّا تقدّم الحديث عنه، اضطراباً جليّاً وتهافتاً بيّناً، يتبدّى لنا في أكثر من جانب:
1ـ في تعيين المبادر إلى الخِطبة
اختلفت الروايات إلى حدّ التنافي في تعيين المبادر إلى خطبة كلّ من السيدتَيْن عائشة وسودة، أمّا فيما يرتبط بخطبة السيّدة سودة بنت زمعة، فإنّه يبرز أمامنا، وبإزاء الرواية المتقدّمة التي تتحدّث عن أنّه(ص) أرسل خولة بنت حكيم، لخطبة سودة وعائشة، أو عرض فكرة الزواج على ذويهما، روايةٌ أخرى مرويّة عن عبد الله بن عباس، وهي ظاهرة في أنّ النبي(ص) نفسه هو المبادر إلى خطبة سودة، فقد روى ابن عباس: «أنّ النبي(ص) خطب امرأة من قومه، يُقال لها سودة وكانت مصبيّة، وكان لها خمسة صِبيَة أو ستّة من بعلٍ لها مات، فقال لها رسول الله(ص): ما يمنعك مني؟ قالت: والله يا نبي الله ما يمنعني منك، أن لا تكون أحبَّ البرية إليّ، ولكنّي أُكرمك أن يضغوا (يصيحوا) هؤلاء الصبية عند رأسك بُكرةً وعشية، قال: فهل منعك منّي شيء غير ذلك؟ قالت: لا والله، قال لها رسول الله(ص): يرحمك الله، إنّ خير نساء ركبن أعجاز الإبل صالح نساء قريش أحناه (أحناهن) على ولد في صغر وأرعاه (أرعاهن) على بعل بذات يد»([32]).
والتضارب نفسه نلاحظه في شأن خطبة عائشة، فبينما نجد أنّ الرواية المعروفة والمشار إليها سابقاً، تنصّ على أنّه وبعد موت خديجة بادرت الصحابيّة خولة بنت حكيم، إلى عرض فكرة الزواج من عائشة على النبيّ(ص)، فإنّنا في المقابل نجد رواية أخرى يرويها الحاكم النيسابوري في مستدركه على الصحيحين وابن سعد في طبقاته، تنصّ على أنّ فكرة أن تكون عائشة زوجةً للنبي(ص) خَلَفاً لخديجة، جاءت من عند الله سبحانه وتعالى عبر جبرائيل، حيث جاء في هذه الرواية: «لمّا ماتت خديجة، حَزِن عليها النبي(ص)، فأتاه جبرائيل بعائشة في مهدٍ، فقال: يا رسول الله: هذه تذهب ببعض حزنك وإنّ في هذه لخَلَفاً من خديجة..»([33])، ونحوها ما رواه الطبراني في المعجم الكبير باسناده عن عائشة في حديث الخصال الستّ التي فُضّلت بها عن سائر النساء قالت: «لقد نزل جبرائيل بصورتي في راحته (راحة اليد) حين أمر رسول الله(ص) أن يتزوّجني..»([34]).
أجل ربّما يقال: إنّه لا تنافٍ بين الروايات، لأنّ من الممكن أن يكون جبرائيل عَرَضَ فكرة الزواج بها على النبي(ص) - بصرف النظر عن طريقة العرض التي اختلفت فيها الروايات كما سيأتي - وأن تكون خولة قد عرضت عليه فكرة الزواج بها أيضاً، فليس في التعدّد أيّ محذور يُوجب إسقاط الروايات.
2ـ في كيفية التعرّف على عائشة
والتضارب الآخر بين الروايات، هو حول كيفيّة تعرّفه(ص) على عائشة باعتبارها الزوجة المستقبلية له(ص)، فبإزاء الطريق الطبيعي لتعرّفه(ص) عليها، إمّا من خلال عرض خولة بنت حكيم فكرة الزواج عليه، كما نصّت الرواية المتقدّمة، أو ربما من خلال تعرّفه شخصيّاً عليها كونها ابنة صاحبه أبي بكر، والذي كان على ما يُروى عن عائشة، لا يترك يوماً واحداً دون زيارته في بيته بكرة وعشياً([35])، نجد أنّ ثمّة روايات أخرى، تنصّ على أنّ طريقة تعرّفه عليها هي طريقة إعجازيّة، وهنا، تختلف الروايات أيضاً في بيان هذه الطريقة، فظاهر الرواية المذكورة أعلاه - رواية الحاكم وابن سعد - أنّ عائشة أُحضرت بنفسها إليه(ص)، في مهد من قبل جبرائيل، ولكن ثمّة رواية أخرى رُوِيت عنها تؤكّد أنّه(ص) أُرِيَ صورتَها في حريرة، تقول: وجاء جبريل بصورتي من السّماء في حريرة، فقال: «تزوّجها فإنّها امرأتك»([36]). وفي رواية ثالثة، أنّ جبرائيل أراه صورتَها في راحة يده، كما في رواية الخصائص الستّ التي تميّزت بها عائشة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل أنّ النّبي(ص) قد أُري صورة عائشة في حريرة، أو في راحة يد جبرائيل(ع)، أو أنّها أُحضرت بنفسها إليه في مهد، أو أنّ ذلك كلّه قد حدث؟
إنّ تعدّد الحادثة أمرٌ مُستبعد جدّاً، لأنّ الروايات بحسب الظّاهر تنقل حدثاً واحداً معيّناً، ما يُثير علامة استفهام حول صحّة القضيّة من رأس ، وسيأتي مزيد كلام حول ذلك.
3 ـ بيت الزّفاف
وهكذا نجد تنافياً بين الرّوايات في تعيين البيت الذي بنى (دخل) فيه النبي(ص) بزوجته عائشة، فرواية أحمد في مسنده تنصّ على حصول ذلك في بيت أهلها «وبنى بي رسول الله في بيتنا»([37])، ولكن في رواية أخرى نجد عائشة نفسها ـ إن صحّت الرواية ـ تؤكّد على أنّه قد دخل بها النبي (ص)في بيته الذي بناه إلى جانب المسجد، وهو بيتها، قالت: «وبنى بي في بيتي هذا الذي كُنَّا فيه وهو الذي توفي فيه رسول الله(ص)»([38])!
4 ـ عمرها حين العقد عليها
ويمتدُّ التضارب إلى تحديد عمرها، حين عَقَدَ عليها النبي (ص) في مكة المكرمة، فبينما جاء في معظم الروايات أنَّ عمرها حينذاك كان ست سنين، نجد رواية أخرى عنها تقول فيها: «تزوّجني رسول الله (ص) بعد متوفى خديجة قبل مخرجه إلى المدينة بسنتين أو ثلاث وأنا بنت سبع سنين»([39]).
وقد جمع بينهما النووي بقوله إنّه كان لها ستّ وكسر، ففي رواية اقتصرت على الستّ، وفي رواية عدّت الست التي دخلت فيها»([40]).
والتضارب الذي نجده في سنّها حين العقد عليها، نجدها في سنّها حين الدخول بها، حيث تنصّ معظم الروايات، على أنّ ذلك حصل في عمر التاسعة([41])، لكن الذي يظهر من بعضها الآخر أنّ ذلك حصل، وهي في سنّ العاشرة أو الحادية عشرة([42]).
إنّ هذا التضارب والتنافي بين الروايات ليس أمراً طبيعياً ليتسنّى لنا غضّ الطرف عنه، بل إنّه في الحدّ الأدنى يثير الرّيبة والشكوك في أن تكون هذه الروايات مكذوبة ومختلقة لدواعٍ مذهبيّة وسياسيّة مختلفة، وقد ورد في بعض روايات الأئمّة من أهل البيت (ع): «إنّ مما أعان الله به على الكاذبين النسيان»([43]).
✽✽✽
المحور الثاني
نقد السند والشواهد المعارضة
حاولنا في مناقشاتنا التي سجّلناها في المرحلة الأولى من هذا البحث أن نسلّط الضوء على الثغرات التي أحاطت بأحاديث زواجه (ص) من عائشة وهي في سنّ التاسعة، وما تضمّنته هذه الأحاديث من إشكالات ونقاط ضعف لا يمكن لأيّ منصف أو باحث موضوعي أن يتجاوزها أو يغضّ الطرف عنها، ونتطلّع في الصفحات الآتية إلى دراسة المقولة نفسها لنرى إن كانت الشواهد التاريخية تساعد على تأكيدها أو نفيها، مضافاً إلى إطلالة على سند الروايات التي نقلت هذه القصة.
استغراب لا رادّ له
ولعلّ أوّل ما يواجهنا على هذا الصعيد هو هذا الاستهجان أو الاستغراب الذي يتملّكنا عندما نقرأ أو نسمع أنَّ خاتم الأنبياء(ص) قد تزوّج وهو في العقد السّادس من عمره من فتاة لَمّا تنهِ عقدها الأول، فهل هناك ما يرفع هذا الاستغراب، ويُقنعنا بأنّه لا غضاضة في هذا الزواج، وأنّه ليس في الأمر ما يبعث على التعجّب أو الاستغراب؟
صحيح أنّنا قلنا في مقدّمات هذا البحث، إنّ قضايا الزواج لا يصحّ إخضاعها لرؤيتنا الثقافيّة المعاصرة، وما فرضته من طقوس وتقاليد بشأن العلاقة بين الجنسين، ولكن السؤال: هل هناك ما يُثبت أنّ الأنثى في ذاك العصر كانت تبلغ مبلغ النساء، وتغدو مؤهّلة للزواج وتحمّل مسؤوليّاته في سنّ التاسعة من عمرها؟
يزعم المدافعون عن فكرة حصول الزواج من عائشة في عمر التاسعة، بأنّ المرأة في ذلك الزمن وفي ذلك المجتمع، كانت تبلغ مرحلة النّضج الجنسي في التاسعة من عمرها.
ولا أُخفي القارىء ظنّي بأنَّ دعوى ذلك، قد سيقت للدّفاع عمّا افترضه المدافعون أمراً واقعاً وعُرفاً سائداً، فهو جواب تبريريّ، ولذا لا يسعنا الركون إليه أو التسليم به إلاّ إذا تمّ إظهار شواهد وقرائن تثبت ليس فقط إمكانيّة بلوغ المرأة وهي في مستهلّ التاسعة من العمر، فإنّ هذا أمر قد لا يمكن إنكاره، فالواقع يؤكّده، ولهذا فقد درج الفقه الإسلامي على اعتبار التاسعة هي سنّ البلوغ بالنسبة للمرأة، بل تُثبتُ أمرين آخرين:
الأوّل: إثبات أنّ نضجها الجسدي بلغ حدّاً يجعلها مؤهّلة للعلاقة الجنسية بالرجل، وذلك قد لا يتحقّق مع بداية بلوغها المتمثّل ببدء العادة الشهرية، لأنّه لا ملازمة بين الأمرين، بل إنّهما في الأعمّ الأغلب قد ينفكّان، فتبدأ البنت برؤية دم الدورة الشهرية، لكنّها في الوقت عينه قد لا تكون مهيّأة للعلاقة الجنسية، لأنّ صغر سنّها يترافق عادة مع ضعف الاستعداد النفسيّ والجسديّ لديها، هذا الاستعداد الذي يسمح بإقامة علاقة جنسيّة سليمة معها دون أن تتعرّض للمخاطر، وربّما يكون استخدام القرآن الكريم لعبارة «بلوغ النكاح» في قوله تعالى: ﴿وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ [النساء:6] مؤشّراً إلى ما قلناه من ضرورة بلوغها مرحلة من النضج الجسدي والنفسي بما يجعلها مستعدّة لإقامة العلاقة الجنسيّة معها، وإلاّ كانت العلاقة معها أقرب إلى الاغتصاب. ويبدو واضحاً أنّ البنت لا تبلغ هذه المرحلة - مرحلة النضج الجسديّ والنفسيّ - في التاسعة من عمرها حتى لو كانت قد دخلت مرحلة البلوغ الشرعي وبدأت عادتها الشهريّة.
وقد يُقال: إنّ إثبات هذا الأمر في المقام سهل المؤنة، لأنّ إقدام النبي (ص) على الزواج بامرأة لا يُعقل حصوله إلا بعد كونها مهيّأة لذلك. وقد يُناقش البعض في أصل هذا الشّرط (وهو بلوغها مرحلة النضج الجسديّ والنفسيّ)، إذ يكفي للدخول بالمرأة مجرد بلوغها المعهود وذلك عند رؤية دم العادة الشهريّة، أو بلوغ تسع سنين هجريّة، ولذا لم ينصّ أحد من الفقهاء على هذا الشرط.
ولكنّنا نلاحظ على هذا الكلام، بأنّه يكفي دليلاً على ذلك، أنّه في حال عدم مراعاة هذا المستوى من البلوغ، فإنّه يستتبع جملة من الأضرار الصحيّة والنفسيّة والاجتماعيّة في حقّ البنت، كونها غير مستعدّة استعداداً تكوينيّاً تامّاً للمعاشرة وإقامة العلاقات الجنسية معها، ولذا لا بدّ لنا أن نأخذ هذا الشّرط بعين الاعتبار ونقول بحرمة معاشرتها إذا كان ذلك مضرّاً بها، وهذا ما تقتضيه القواعد الشرعيّة، حتى لو لم ينصّ الفقهاء على ذلك.
الثاني: إثبات أنّ الزواج من الفتاة وهي في هذه السنّ - سن التاسعة - كان أمراً معروفاً ومعهوداً بما يُخرج القضيّة عن الشذوذ الذي نشعر به اليوم، والموجب لهذا الشرط هو أنّ النبي(ص) ما كان ليُقدم على ارتكاب عمل يُعَدُّ شذوذاً أو خروجاً عن المألوف دون مبرِّر شرعيّ لذلك، لأنّ أخلاقه لا تسمح بذلك، فضلاً عن أنّ ذلك سيعرِّضه للنقد اللاّذع والتشهير من قبل خصومه وأعدائه من المشركين واليهود والمنافقين الذين كانوا يستغلّون كلَّ صغيرة أو كبيرة أو تصرّف غير مألوف، ولا سيما على صعيد ما يتّصل بالعلاقة مع الجنس الآخر، بغرض التشهير به(ص)، وإنّ قصّة الإفك التي حدثت مع السيدة عائشة نفسها، خير شاهد على كيد هؤلاء، ورصدهم لكلّ حركات النبي(ص) وما يتّصل ببيته وأزواجه.
وأن يجد الباحث شاهداً تاريخياً أو شاهدين أو ثلاثة أو أكثر على وقوع زواج، بين بنت صغيرة في السنّ مع رجل، هو في سنّ جدّها أو أبيها (الخمسين وما فوق) فهذا أمر لا نُنكره، بل ربّما حصل ذلك، ولو نادراً في زماننا، لكنّه لا يُخرِج القضيّة عن الشذوذ عن المتعارف.
وفي ضوء ذلك، فإنّ لك أن تسأل لِمَ سكت أخصام النبي (ص) عن قضيّة زواجه، وهو في العقد السادس من عمره، من بنت هي في عمر أحفاده، وتحديداً في التاسعة من عمرها؟ (هذا إذا حسبنا عمرها بالهجري، وأما إذا حسبناه بالحساب الشمسيّ، فإنّه سينقص عن التاسعة بثلاثة أشهر تقريباً) ولِمَ لم يستغلّوا ذلك بهدف التشهير بالنّبي(ص) والنيل منه، والغمز من قناته، كما استغلّوا حادثة الإفك الشهيرة ولاكتها ألسنتهم؟
إنّنا وفي الإجابة على هذا التساؤل، نجد أنفسنا أمام خيارين: فإمّا أنّ هذا الزواج من السيدة عائشة في هذا العمر، لم يحصل أصلاً، بل كانت أكبرَ من ذلك، وهم قد عرفوا ذلك، لأنّه أمر يمكن الاطّلاع عليه من خلال المعرفة الشخصيّة بالمرأة وعمرها، أو التأمّل في ملامحها الشخصيّة، ما يسمح بتقدير سنّها، وإمّا أنّ الزواج بها وهي في هذا العمر قد حصل فعلاً، ولكنّ ذلك كان شائعاً ومتعارفاً، ولذا لم يُثِر انتباه خصوم النبي(ص)، لأنّه لم يخرج عن المألوف؛ ولكن إثبات أنَّ هذا الزواج، كان متعارفاً ومنتشراً بشكلٍ اعتياديٍّ، دونه صعوبات جمّة، إذ أنّى لنا إثبات ذلك؟ وأين هي الشواهد المتعدّدة التي تؤكّد معروفيّة هذا الزواج وانتشاره؟
ربّما يحاول بعضهم العثور على شاهد هنا، أو شاهد هناك، لكنّها تبقى مجرّد مفردات لا تنهض بإثبات أنَّ ذلك كان ظاهرةً عامة أو عُرفاً سائداً.
أجل إنّ بإمكاننا التأكيد، على أنّ فارق السنّ آنذاك لم يكن يشكّل مشكلة عندهم، إلاّ أنَّ كلامنا هنا ليس في فارق السنّ بمجرّده، بل هو مرتبط بزواج الكهل، أو الشيخ من الصغيرة التي لا تزال في العقد الأول من عمرها.
زواج السيّدة فاطمة(ع)
وربّما يتحدّث بعضٌ عن أنّ خير شاهد على تزويج الفتيات في سنّ التاسعة، هو ما جرى مع السيدة الزهراء (ع) وهي من أهل البيت النبوي، فقد تزوّجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب Q في مثل سنّ عائشة أو يزيد قليلاً، لأنّها وُلدت في السنة الخامسة من مبعث النبي(ص) وتزوّجت بعد الهجرة بقليل.
لكن هذا الأمر ليس ثابتاً، وإنّما هو قولٌ من الأقوال... قال العلاّمة السيد محسن الأمين في كتاب (أعيان الشيعة): «واختُلِف في قدر عمر الزهراء يوم تزوّج بها أمير المؤمنين(ع) بناءً على الاختلاف في تاريخ مولدها.. فعلى قول أكثر أصحابنا إنّها ولدت بعد النبوّة بخمس سنين، يكون عمرها حين تزويجها تسع سنين أو عشر سنين أو إحدى عشرة سنة، لأنّها تزوّجت بعلي(ع) بعد الهجرة بسنة، وقيل بسنتين، وقيل بثلاث سنين، قال ابن شهر آشوب في المناقب: وُلِدت بعد النبوّة بخمس سنين، وأقامت مع أبيها بمكّة ثماني سنين، ثم هاجرت إلى المدينة، فزوَّجها من عليّ بعد مَقْدمها المدينة بسنتين بعد بدر، وعلى قول بعضهم إنّها وُلدت بعد النبوّة بسنتين، يكون عمرها يوم تزويجها اثنتي عشرة سنة، أو ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة، بناءً على الخلاف في أنّ تزويجها كان بعد الهجرة بسنة أو سنتين أو ثلاث، ولم يروِ أصحابنا في مبلغ عمرها يوم تزويجها أَزْيَدَ من ذلك، وفي الاستيعاب: كان سنّها يوم تزويجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصفاً، وكان سنّ عليٍّ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر، وعلى القول بأنّها وُلدت قبل النبوّة بخمس سنين، يكون عمرها يوم تزويجها عشرين سنة، وقال أبو الفرج الأصفهاني ورواه ابن حجر في «الإصابة» وابن سعد في «الطبقات»: كان لها يوم تزويجها ثماني عشرة سنة. وروى ابن سعد في الطبقات أنّ تزويجها بعد مقدم النبي(ص) بخمسة أشهر، وبنى (دخل) بها بعد مرجعه من بدر، قال: وفاطمة يوم بنى بها علي، بنت ثماني عشرة سنة، ولعلّه وقع اشتباه بين يوم تزويجها ووفاتها، لما ستعرف من أنّ ذلك سنّها يوم وفاتها، كما احتملنا وقوع الاشتباه في ولادتها بين كونها بعد النبوّة بخمس سنين أو قبلها»([44]).
وتجدر الإشارة إلى أنّ القول بولادتها بعد النبوّة بسنتين تبنّاه جمع من علماء الشيعة وعلى رأسهم الشيخ المفيد والشيخ الطوسي في المصباح، وكذلك المسعودي([45]).
روايات المنع من الدخول قبل التاسعة
وربما يستشهد البعض لتأكيد فكرة انتشار الزواج من البنت، وهي في التاسعة بالروايات التي تتحدّث عن أنّه لا يجوز الدّخول بالبنت قبل سنّ التاسعة أو العاشرة، وهي أحاديث عديدة مرويّة من طرق أهل البيت(ع)([46]).
لكنّ هذه الروايات لا تصلح شاهداً على أنّ هذ الزواج في هذا السنّ كان منتشراً وشائعاً، وإنّما تدلّ على أنّ ثمّة سقفاً أو حدّاً لا يجوز تخطّيه في مسألة العلاقة الجنسيّة مع المرأة، ويكفي مبرّراً لذلك أنّ بعض الفتيات، كنّ يبلغن مبلغ النساء في عمر التاسعة، مع ملاحظة أنّه ليس كلّ ما هو جائز ومباح يُقدِم عليه الإنسان، فالمتعـة ـ مثـلاً ـ رغـم مشروعيّتهـا لم يثبت أنّ أحداً من أئمة أهل البيت(ع) قد أقدم عليها، وكذلك رسول الله(ص)([47]).
قد يُقال: إنّ مشروعيّة الزواج من بنت في التاسعة وهو ما يؤكّده الفقه الإسلامي ويتسالم عليه وتؤكّده روايات الفريقَيْن كافٍ في رفع الاستهجان أو الاستغراب عمّا فعله رسول الله (ص)، وهو نظير ما حصل مع النبي(ص) عندما تزوج بطليقة ابنه بالتبنّي زَيد بن حارثة، فإنّ هذا الفعل كان مرفوضاً عند العرب ومستهجناً من وجهة نظرهم، ومع ذلك أقدم النبي(ص) عليه ونزلت بذلك آيات من الذكر الحكيم.
والجواب: صحيح، إنّ مشروعيّة شيء، قد تكون كفيلة لإقدام النبي(ص) على فعله، أو بالأحرى فإنّ إقدامه على فعل شيء هو دليل شرعيّته، وقد كان(ص) يُقدم على فعل بعض الأمور ليس استجابةً لرغبة شخصيّة وإنّما تحقيقٌ لغرضٍ تشريعي، كإثبات الإباحة والمشروعيّة، أو إلغاء سُنّة خاطئة قائمة على تحريمه، كما في زواجه من زينب، والسؤال: هل إنّه(ص) أقدم على هذا الزواج بطفلة في التاسعة من عمرها، لغرض تأكيد مشروعيّة هذا العمل ومواجهة سُنّة جاهليّة مثلاً؟!
إنّ هذا المعنى لا شاهد عليه، على أنّه يعني الاعتراف والتسليم، بأنّ الزواج من بنت في التاسعة من عمرها كان غير مألوف، ولو كان الأمر كذلك، وارتكبه النبي(ص) لأثار ذلك الاعتراضات والإشكالات عليه، كما أثارت قضيّة زواجه من زينب بنت جحش موجةً من الاعتراضات، حتى نزل في ذلك قرآن يُتلى، مؤكّداً أنّ ما أقدم عليه (ص) كان بأمر من الله سبحانه.
على أنّ هناك ملاحظة، لا بدّ أن نسجلّها في المقام، وهي أنّ مشروعية الدّخول بالبنت في سنّ التاسعة مبنيٌّ على تحديد سنّ البلوغ بذلك، وهو ليس أمراً مُسلَّماً ولا مُجْمَعاً عليه في الفقه الإسلامي، وإنّما هو رأيٌ اجتهاديٌّ تبنّاه مشهور الفقهاء، لكنّ ثمّة رأياً آخر قريباً في المسألة يحدّد سن البلوغ بالثالثة عشرة([48])، إلا إذا بلغت الفتاة قبل ذلك بالبلوغ الجسدي.
دور عائشة لا يتناسب مع سنّها
ولعلّ أبلغ شاهد على استبعادنا حصول الزواج من عائشة وهي في التاسعة من عمرها، هو الدور الكبير الذي قامت به مع بدء حياتها الزوجيّة، وفي سنين زواجها الأولى فضلاً عمّا جرى بعد ذلك من أحداث، وما تميّزت به في هذه المرحلة من ثقافة واسعة وقدرة على التأثير في الجمهور، مضافاً إلى معرفتها بسُنن رسول الله وأسباب نزول الآيات([49]). وما حدّثت به مباشرة ودون واسطة ما جعلها في عداد المحدّثين المُكثرين([50])، وهكذا ما روته من أحداث، ونقلته من مشاهدات تضجّ بالتفاصيل، ويكشف عن وجود مستوى عالٍ من الإدراك والمعرفة، إنّ ذلك كلّه يدفعنا إلى ترجيح نفي كونها طفلةً صغيرةً حين الزواج بها، بل الأرجح أنّها كانت امرأة ناضجة تعي الأحداث وتتابعها وتشارك فيها ليتسنّى لها بعد ذلك روايتها بدقّة، كما إنّ القيام بهذا الدور يُستبعد جداً أن تقوم به امرأة قبل أن تبلغ العشرين من عمرها، أو ما هو قريب من ذلك، إلاّ إذا كانت شخصيّة معصومة مسدّدة من قبل الله تعالى، ولا سيّما أنّ تتبّع الأحداث، وملاحظة الأحاديث، يُظهر أنّها حدّثت ورَوَت وشاركت في بعض الأحداث قبل الهجرة النبوية، فالسيّدة عائشة هي مَنْ نقل لنا حديث هجرة النبي(ص) بتفاصيلها، وما سبق ذلك من مجريات حول توجّه أبي بكر مهاجراً إلى الحبشة، ومن ثَمّ التقاؤه في الطريق بإحدى الشخصيّات وهو ابن الدُّغْنة وإعادته لأبي بكر إلى مكة وطلبه له الجوار من قريش، وهي تتحدّث ليست بوصفها شاهدة عيان وحسب، بل بوصفها شريكة في بعض الأحداث كإعدادها لجهاز النبي(ص) وجهاز أبيها أبي بكر، حيث تقول: «فجهّزناهما أحثّ الجهاز وصنعنا لهما سفرة من جراب..»([51]) إنّ بنتاً لم تبلغ بعدُ سنّ التاسعة من عمرها، أنّى لها أن تعي هذه الأحداث وتنقلها بتفاصيلها وكل ملابساتها؟
واللاّفت جداً، أنّها هي مَن نقل حديث خولة بنت حكيم([52])، وهو الحديث الذي يحكي قصة مجيء خولة إلى النبي(ص) بعد وفاة خديجة، وعرضها لفكرة الزواج عليه (ص)، وهي قصّة ملأى بالتفاصيل والأحداث ممّا لا يمكن – في العادة ـ لبنت في السادسة من عمرها، كما جاء في تلك الرواية، أن تستوعب ذلك وتلمّ به أو أن تعي كلّ هذه الأحداث وتنقلها بشكلٍ مباشر ودون واسطة أحد، كما هو ظاهر الروايات.
ثم لو أنّ رسول الله(ص) تزوّج من عائشة وهي طفلة تلعب بالأرجوحة، وتأتيها أترابها من الأطفال إلى بيتها لأجل اللّعب معها، فأنّى لها أن تروي هذا العدد من الروايات عن رسول الله(ص)([53])، والذي بلغ أكثر من ألفين من الروايات في شتّى المعارف الإسلامية!
خلاصة القول: إنّه لا ثقافة عائشة، ولا وعيها، ولا دورها الذي قامت به مع بداية حياتها الزوجيّة، تساعد على قبول أنّها كانت آنذاك في العقد الأول من عمرها.
عائشة أسلمت في أوائل البعثة
تشير كلمات بعض المؤرّخين إلى أنّ عائشة هي من أوائل الذين أسلموا في مكّة المكرّمة، الأمر الذي يشكّل قرينة إضافية ـ تنبّه لها بعض الباحثين ـ تعزّز شكوكنا في حدوث الزواج بها في سن التاسعة، يقول ابن اسحاق، بعد أن يذكر إسلام أربعة من الناس: «ثم أسلم ناسٌ من قبائل العرب، منهم سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أخو بني عدي بن كعب وامرأته فاطمة بنت الخطاب بن نفيل بن عبد العزّى أخت عمر بن الخطاب، وأسماء بنت أبي بكر وعائشة بنت أبي بكر وهي صغيرة وقدامة بن مظعون.. ثم دخل الناس في الإسلام أرسالاً من النساء والرجال حتى فشى ذكر الإسلام، وتُحدِّث به فلمّا أسلم هؤلاء النّفر وفشى أمرهم بمكّة أعظمت ذلك قريش وغضبت له وظهر فيهم لرسول الله البغي والحسد وشَخَصَ له منهم رجال، فبادوه بالعداوة، وطلبوا له الخصومة، منهم أبو جهل بن هشام وأصحابه وأبو لهب...»([54]).
إنّ هذا النصّ كما يلوح من ثناياه يتحدّث عن بدايات البعثة النبويّة، ويعزّز ذلك ما ذكره ابن اسحاق عقيبه مباشرة، ممّا يشهد بأنّ إسلام هؤلاء كان قبل السنة الثالثة من البعثة، حيث قال ابن اسحاق بعد ذكر الآية الشريفة ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾[الشعراء: 214]: «وكان الذي ينتهي إليه عداوة رسول الله (ص) ويجتمع إليه فيها أبو جهل حسداً وبغياً لِمَا خصّ به رسول الله(ص) من كرامته، ثم إنّ الله تعالى أمر رسوله(ص) بأن يصدع بما جاء به، وأن ينادي الناس بأمره، وأن يدعو إلى الله تعالى، وكان ربّما أخفى الشيء، واستسرّ به إلى أن أُمِرَ بإظهاره ثلاث سنين من مبعثه، ثم قال الله تعالى:﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾[الحجر: 94]»([55])، فلو أنّ إسلام هؤلاء الجماعة، ومنهم السيدة عائشة قد حصل في السنة الثانية من الهجرة فكم سيكون عمرها آنذاك؟
من الواضح أنه ليصحّ إسلام عائشة – أو أيّ إنسان آخر ـ وهي صغيرة، كما فرض النصّ المتقدّم، لا بدّ أن تكون قد تجاوزت سنّ التمييز، ما يمكّنها من وعي الإسلام كدين ومعتقد([56])، وإلاّ لو كانت غير مميّزة ولا تعي الأفكار والعقائد فلن يُقبل إسلامها بشكلٍ مستقلّ، وإنّما يحكم بتبعيّتها لأبويها في الإسلام، فإنّ الولد يتّبع أبويه في الدين، كما هو معروف لدى الفقهاء، وعليه فلا بدّ أن نفترض أنّها كانت ـ في أقلّ التقادير ـ في السّادسة من عمرها حين إسلامها([57])، فإذا كان عمرها في السنة الثانية من البعثة ستّ سنوات، فهذا يعني أنّها وُلدت قبل البعثة بأربع سنوات فإذا أضفنا إليها ثلاث عشرة سنة، مدّة إقامته (ص) في مكّة بعد البعثة يصبـح المجمـوع سبـع عشرة سنة، 4+ 13= 17، ويُضاف إليها سنة أخرى، لأنّه (ص) تزوّجها بعد الهجرة بسنة، وعليه فسيكون عمرها على هذا التقدير ثماني عشرة سنة حين الدخول بها.
عمرها بالقياس إلى ولادة أختها أسماء
وإليك شاهداً تاريخيّاً آخر، تنبّه إليه بعض الباحثين، وهو شاهدٌ قويّ، يثبت أنّ عمر عائشة حين دخل بها النبي كان ثماني عشرة سنة، وليس تسع سنين، ونبيّنه من خلال المقدّمات التالية:
1 ـ تشير العديد من المصادر التاريخية إلى أنّ أسماء بنت أبي بكر، كانت تكبر أختها عائشة بعشر سنين([58]).
2 ـ وتشير المصادر أيضاً إلى أنّ أسماء وُلدت قبل هجرة النبي(ص) بسبع وعشرين سنة([59])، ما يعني أنّ عمرها حين بعثة النبي كان 14 سنة، وذلك بإنقاص 13 سنة ـ وهي مدّة بقاء النبي في مكة ـ من 27 سنة.
3 ـ وبما أنّ أسماء تكبر أختها عائشة بعشر سنين، فهذا معناه أنّ عائشة وُلدت قبل البعثة بأربع سنوات، يضاف إليها 13 سنة مدّة مكث النبي في مكّة وسنة أخرى قضتها في المدينة قبل الزواج بها([60])، فيكون عمرها حين الدخول بها 18 سنة، 4+13+1=18.
وقد يُعترض على هذا الاستدلال باعتراضين:
الأول: وهو اعتراض على المقدّمة الثانية ـ والتي فحواها أنّ أسماء ولدت قبل البعثة بأربع عشرة سنة ـ بأنّها غير ثابتة، إذ إنّ ابن عساكر قد نصّ على أنّ أسماء وُلدت قبل مبعث النبي بعشر سنين([61]) وحيث إنّها تكبر عائشة بعشر سنين، فهذا يعني أنّ الأخيرة قد وُلدت مع بداية البعثة النبوية، فيكون لها من العمر حين البعثة ثلاث عشرة سنة، تضاف إليها سنة قضتها في المدينة، قبل أن تُزفّ إلى النبي(ص)، فيصبح عمرها حين الزفاف أربعة عشر عاماً.
أقول: مع أنّ بالإمكان ترجيح الرواية الأخرى في عمر أسماء، لكن حتى لو صحّت الرواية الثانية، فإنّها لا تخدم القول المشهور، بأنّها زُفّت إلى النبيّ في عمر التاسعة.
الثاني: هو اعتراض سجّله الدكتور محمد عمارة على المقدّمة الأولى ـ والتي تنصّ على أنّ أسماء تكبر عائشة بعشر سنين ـ فأكّد أنّها غير ثابتة، لأنّ الذهبي قد نصّ على أنّ أسماء «كانت أسنّ من عائشة ببضع عشرة سنة»([62])، والبضع هو ما بين 3 إلى 9 «فلو اعتبرنا ما بين أسماء وعائشة لوجدنا أنّ بضع عشرة سنة هو ما بين 13 إلى 19 سنة، وعليه، فتكون عائشة قد وُلدت في السنة الخامسة من البعثة، أي في الإسلام، وليس قبل الإسلام»([63]). فهو يسلّم أن أسماء وُلدت قبل البعثة وكان عمرها عند بعثته (ص) 14 عاماً، ولكنها كانت تكبر أختها عائشة بـ 19 سنة، ما يعني أنّ عائشة وُلدت في السنة الخامسة من البعثة.
وتعليقاً على ما ذكره الدكتور عمارة نقول:
أوّلاً: لم يوضح لنا السبب في ترجيحه للرواية التي جعلت الفارق بين أسماء وأختها عائشة بضع عشرة سنة على الرواية التي جعلت الفارق بينهما عشر سنين فقط؟ ولِمَ يا تُرى وصف الرواية الثانية: «لا تصح»؟ إنّنا لا نجد سبباً واضحاً لهذا الترجيح إلاّ الانتصار للرأي السّائد.
ثانياً: إنّنا نوافق على أنّ البضع ما بين ثلاث إلى تسع، كما نصّ على ذلك أهل اللّغة([64])، ولكن لم يبيّن لنا الدكتور عمارة السبب في ترجيحه الحدّ الأقصى للبضع وهو التسع، فلماذا لم يأخذ بالحدّ الأدنى وهو الثلاث أو الأربع؟ لتكون أسماء أكبر من عائشة بأربع عشرة سنة، ما يعني أنّ عائشة قد ولدت عام البعثة، فيكون عمرها حين زُفّت إلى رسول الله(ص) أربع عشرة سنة، كما هي النتيجة بناءً على بعض الوجوه المتقدمة.
وقفة مع إسناد الروايات
ثم إنّ لنا وقفة مع إسناد الروايات التي أرّخت لهذا الزواج، حيث إنّ معظمها أو بعضها، ينتهي إلى هشام بن عروة([65])، وهو بدوره يروي ذلك عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام، وعروة هو الآخر يروي ذلك عن عائشة وهي خالته، لأنّ عروة هذا هو ابن أسماء بنت أبي بكر، ويستوقفنا في هذا السند، اسمان:
الأول: هشام بن عروة، فإنّه شخصية، وعلى الرغم من توثيق علماء الرّجال لها، لكنّهم يذكرون استدراكاً بشأن أحاديثه التي حدَّثَ بها في العراق بسبب تساهله في الحديث هناك، كما بشأن رواياته التي حدّث بها في أواخر عمره بسبب تغيّر حفظه، يقول المزّي في «تهذيب الكمال»: «وقال يعقوب بن شيبة (في شأن هشام بن عروة): ثبْتٌ، ثقةٌ لم يُنكر عليه شيء، إلا بعدما صار إلى العراق، فإنّه انبسط في الرواية عن أبيه، فأنكر ذلك عليه أهل بلده، والذي يرى أنّ هشاماً يسهّل لأهل العراق أنّه كان لا يحدّث عن أبيه إلا بما سمعه منه، فكان تسهيله أنّه أرسل عن أبيه ممّا كان سمعه من غير أبيه عن أبيه، وقال عبد الرحمان بن يونس بن خراش: كان مالك لا يرضاه، وكان هشام صدوقاً تدخل أخباره في الصحيح، بلغني أنّ مالكاً نقم عليه حديثه لأهل العراق...»([66]).
وقال ابن حجر في ترجمته لهشام: «من صغار التابعين مجمع على تثبيته، إلا أنّه في كبره تغيّر حِفظُه، فتغيّر حديث من سمع منه في قَدْمَتِه (قدومه) الثالثة إلى العراق»([67]). ونقل عن الحافظ أبي الحسن بن القطّان أنّه قال فيه وفي سهيل بن أبي صالح: «اختلطا وتغيّرا»([68])، وعليه فما الذي يضمن أن لا تكون روايته هذه قد حدَّثَ بها في العراق، أو في أواخر عمره وبعد تغيّر حفظه واختلاطه؟
الثاني: هو والـده عـروة بـن الزبيـر، فربمـا يطعـن في رواياتـه بانحرافـه عن علـي(ع)([69]) وميلـه إلـى الأمويّين. ولكنّ الميل إلى الأمويين والانحراف عن علي(ع) لا يشـكّل في حدّ ذاته سبباً لردّ روايات الشخص، لأنّ الصحيح في نظرنا أنَّ فساد المعتقد ليس سبباً لتضعيف الراوي وردّ رواياته إذا كان ثقة في كلامه ولا يكذب في حديثه، لكنّ المشكلة في عروة هي عدم اطمئناننا إلى وثاقته، لأنّه باعترافه كان يُصدِّق أئمّة الجور فيما يقولون مع علمه بأنّه الباطل([70]). فقد رُوي عن عروة قوله: «أتيت عبد الله بن عمر بن الخطاب فقلت له: يا أبا عبد الرحمان إنّا نختلف إلى أئمّتنا فيتكلّمون بالكلام، نعلم أنّ الحقّ غيره فنصدّقهم، ويقضون بالجَوْر فنقوّيهم ونُحسّنه لهم، فكيف ترى في ذلك؟ فقال: يا ابن أخي كنّا مع رسول الله نعدّ هذا النفاق فلا أدري كيف هو عندكم؟!».
✽✽✽
المحور الثالث
دوافع القصة: السياسة والغيرة
كانت هذه جولة مستفيضة في دراسة روايات هذا الزواج سنداً ومضموناً مع ملاحظة الشواهد المعارضة وقد تبدّى لنا في المحصلة أنّ قصة هذا الزواج بالطريقة المشهورة ليس فقط لم تثبت، بل إنّ الشواهد والقرائن تساعد على نفي حدوثها، بعد ذلك فإنّ علينا أن نتصدّى للإجابة على سؤال يطرح نفسه في المقام وهو: إنّه هل تعتبرون الروايات التي أرّخت لهذا الزواج مكذوبة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمن الذي وضعها؟ وما هي مصلحته في ذلك؟
العصبيّات وسياسة مقابلة الفضيلة بالفضيلة
مع أنّنا لسنا من هواة الخصام المذهبيّ، الذي لا يرمي إلى بيان الحقائق، بقدر ما يهدف إلى «إفحام الخصوم»، مستعيناً بـ«الصارم المسلول» أو «الصواعق المحرقة»، ولا من دعاة بَخْسِ الناس حقوقهم، ولا سيّما صحابة النبي(ص)، الذين «أحسنوا الصحبة وأبلوا البلاء الحسن في نصرته وكانفوه، وأسرعوا إلى وفادته وسابقوا إلى دعوته واستجابوا له حيث أسمعهم حجّة رسالته وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته» كما وصفهم الإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع)([71])، إلا أنّه لا يمكننا إلاّ أن نأخذ في الحسبان أنّ تاريخ الصراعات الكلاميّة قد اختلق كمّاً هائلاً من الفضائل الموضوعة والكرامات المكذوبة بدافع من الغلواء المذهبيّة وحمى الانتصار للعصبيّات الضيّقة، وتلاقت مع هذا الاتّجاه المصالح السياسيّة التي غذَّت ورعت حركة الوضع وسقت شجرته لدوافع سلطوية بحتة، وهكذا غدونا أمام سيل من الفضائل المصطنعة والمثالب المنحولة، واعتُمدت في هذا السياق سياسة ماكرة، وهي سياسة مقابلة الفضيلة المنسوبة إلى أحد طرفَيْ الخصام بأختها في الطرف المقابل([72])، وأعتقد أنّه ليس من المبالغة في شيء القول: إنّ باب الفضائل والمثالب هو من أوسع الحقول مظنّة للوضع، وأخصبها تربة للاختلاق والكذب.
ولست أزعم أنّ الأحاديث الموضوعة في الفضائل، هي حكرٌ على فرقة من فرق المسلمين دون أخرى، فلدى الأطراف كافة الكثير من الموضوعات في هذا الباب كما في غيره، فكتب السُّنة اشتملت على عدد من الموضوعات الفضائليّة، كما نبّه على ذلك علماء السنّة أنفسهم([73])، وقد سبقوا إلى التأليف في الموضوعات، وكُتُب الشيعة أيضاً اشتملت على عدد من الموضوعات كما نبّه على ذلك علماؤهم أيضاً([74]).
وقد أشار الإمام الرضا(ع) في بعض الروايات المنقولة عنه إلى أن بعض خصوم أهل البيت (ع) قد وضعـوا الأحـاديث وجعلوهـا علـى عدة أصنـاف، منهـا ما جُعل في فضائلهم(ع)([75]).
مع اتّضاح ذلك نقول، إنّ المتأمّل في قصّة زواج النبي(ص) من عائشة، فيما تنقله بعض الروايات، لا يسعه إلاّ أن يتوقّف مليّاً عند بعض العلامات الفارقة التي تثير الرّيبة، وتبعث على الشكّ في أن يكون بعض ما يُروى في هذا الصدد، هو من نسج الخيال المذهبي المولع بابتكار أحاديث الفضائل وقصص المعاجز والكرامات([76]).
وأعتقد أنّ الرجوع إلى التاريخ يفيدنا، وينبّئنا أنّ ثمّة عاملاً آخر يضاف إلى العامل المذهبي المشار إليه سابقاً له دور كبير في نشر هذه الفضائل وترويجها، وهو العامل السياسي، فلو أنّنا رجعنا إلى سيرة معاوية في هذا المجال، فسنجد أنّه اعتمد سياسة جهدت في تحطيم صورة علي(ع) وتشويهها ولو باللّجوء إلى الأساليب غير النظيفة، وبالتأكيد فإنّ أفضل وسيلة يمكن لمعاوية أن يعتمدها في مواجهة فضائل «أبي تراب» هي أن تقابل كلّ فضيلة من فضائله بأختها عند غيره، وبذلك تضيع فضائله في ركام من الفضائل، وربّما تُنسب إلى غيره ممّن لا يستحقّها، وهذا الذي نذكره ليس تحليلاً أو احتمالاً لا شاهد له، كيف وقد نصّت على ذلك توصيات معاوية ورسائله إلى عمّاله في مختلف الأصقاع، فقد روي أنه «كتب إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر وفي كل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإنّ هذا أحبّ إليّ وأقرّ لعيني وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته وأشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضله، فقُرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها».
الغيرة تفعل فِعْلها
ثم إنّنا نحاول الانتقال إلى مرحلة جديدة من البحث، وهي أنّه لو أنّنا سلّمنا بصحّة الروايات وصدورها عن عائشة في أنّها تزوّجت في هذا السنّ واستبعدنا أن تكون موضوعة على لسانها لأهداف معيّنة، فإنّ سؤالاً يفرض نفسه في المقام، وهو أنّه وأمام الشكوك والاستبعادات المتقدّمة بشأن حصول هذا الزواج، فماذا يكون الموقف؟ أفهل نكذّب عائشة فيما تقول وهي الأدرى بسنّها من غيرها؟ أو إنّنا نكذِّب عقولنا؟ أو إنّ ثمّة خياراً ثالثاً في المقام لا يضطرّنا إلى تكذيب السيدة عائشة ولا تكذيب عقولنا؟
والجواب: إنّه لو صدق الرواة والناقلون في ما حدّثوا به ورووه عنها، فإنّ كلامها يحتاج إلى توجيه معقول يُبعد القضية عن رميها بالكذب، والتوجيه الذي نرتأيه هو: إنّ لدى المرأة ـ أيّة امرأة ـ كما هو معلوم حساسيّة خاصّة في موضوع عمرها، فهي تحرص دوماً على إخفائه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وكثيراً ما توحي للآخرين بصغر سنّها، هذا ما عليه دأب المرأة بشكل عام، والسيّدة عائشة ليست بِدَعاً من النساء في هذا الأمر، فهي التي جهدت لإثبات حظوتها عند رسول الله (ص)، حتى رُوي عنها: «تزوّجني رسول الله(ص) في شوّال وبنى بي في شوال، فأيّ نسائه كان أحظى عنده مني؟»([77])، كما أنّها سعت باستمرار إلى تأكيد تميّزها وفرادتها وأفضليّتها على سائر نساء النبي(ص)، وقد نصّت على فراداتها هذه في حديث الخصال الست والذي جاء فيه: «لقد أُعطِيت خصالاً ما أُعطيتها امرأة: ملكني وأنا بنت ست سنين، وأتاه الملك بصورتي فنظر إليها، وبنى بي وأنا بنت تسع سنين... وكنت أحبّ نسائه إليه، وكان أبي أحبَّ أصحابه إليه...»([78]).
إنّ هذه الرغبة الغريزية الى إثبات الفرادة والتميّز لدى عائشة الإنسان تلاقت مع غيرة أنثوية عارمة لديها، ظهرت في تصرّفات انفعالية أحياناً تجاه ضرائرها اللاّتي ينافسنها على الزوج ويشاركنها فيه، ولا أبالغ بالقول إنّ الغيرة التي عُرفت عن عائشة، قَلَّ أن نجد لها نظيراً عند سائر النساء، فقد كانت تتملّكها الغيرة من ضرائرها نساء النبي(ص) بما في ذلك السيدة خديجة والتي توفّيت قبل انتقال عائشة إلى بيت النبي بسنوات، وما ذلك إلا بسبب أن خديجة قد احتلّت موقعاً خاصاً في قلب رسول الله، لم تصل إليه كلّ زوجاته، وقصّة غيرتها من خديجة معروفة مشهورة ومذكورة في أمّهات المصادر التاريخية والروائية، وقد دفعتها هذه الغيرة إلى الانتقاص من خديجة ذات يوم بكلامٍ وجهته إلى ابنتها السيدة فاطمة(ع) عندما قالت لها: «والله يا بنت خديجة ما ترين إلاّ أنّ لأمك علينا فضلاً، وأي فضل كان لها علينا؟..».
ولم تكن عائشة تخفي غيرتها من خديجة، بل كانت تعترف بذلك وتصرّح به، فقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري حول استئذان هالة بنت خويلد أخت السيدة خديجة للدخول على رسول الله(ص): «فارتاع (ص) لذلك، فقال: اللّهم هالة، قالت عائشة: فَغِرْتُ، فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهور قد أبدلك الله خيراً منها..»([79]).
وهكذا فقد تملّكتها الغيرة عندما أحست بأنّه(ص) بصدد الزواج من زينب بنت جحش، ففي الحديث: «بين رسول الله(ص) جالس يتحدّث مع عائشة أوحى الله إليه في زينب، ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾[الأحزاب:37]، قالت عائشة: فأخذني ما قرب وما بعد لما يبلغنا من جمالها، وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها ما صنع لها، زَوَّجَها الله من السماء، وقلت: هي لتفخر علينا بها»([80]).
وقد صدق حدسها فقد فخرت زينب بنت جحش على سائر أمّهات المؤمنين بذلك، فعن عائشة: «لم يكن أحد من نساء النبي(ص) تساميني في حسن المنزلة عنده غير زينب بنت جحش، كانت تفخر على نساء النبي(ص) فتقول: إن آباءكن أَنكحوكن وإنّ الله أنكحني إيّاه من بين سبع سماوات»([81]).
وهذه الغيرة عينها هي التي دفعتها إلى تصرّفات أخرى، ككسرها لإناء صفيّة([82])، أو قولها لمليكة عندما أراد النبي الدخول بها: «أما تستحين أن تنكحي قاتل أبيك، فاستعاذت من رسول الله فطلّقها»([83])، أو قولها ـ هي أو حفصة أو كلّ نسوة النبي ـ لأسماء بنت النعمان: «إذا أردتِ أن تحظي عنده فتعوّذي بالله..»([84]).
والسؤال: إنّه إذا كانت الغيرة قد دفعت أم المؤمنين عائشة إلى كلّ هذه التصرفات فما الذي يمنع أن تدفعها الغيرة إلى ادعاءات تتّصل بتقليل عمرها؟ وهي التي سعت على الدوام لإثبات تميّزها وفرادتها، وافتخرت بما افتخرت به، فتكون قصّة زواج النبي بها في هذه السنّ الصغير قصّة انطلقت من حرصها وحسّهـا الأنثوي الهادف إلى التعبير عن تميّزها وحظوتها الخاصّة عند رسول الله(ص)، دون أن يعني ذلك بطبيعة الحال اتّهامها بتعمّد الكذب فيما يرتبط بعمرها، كيف وقد ذكرنا مراراً أنّنا نرفض الإساءة إلى نساء النبيّ والتطاول عليهن، لكن الغيرة إذا تحكّمت بالمرأة فإنّها تعمي وتصمّ وتفعل فعلها، وربّما تُفقدها السيطرة على أعصابها، ما يدفعها بشكل لا شعوريّ إلى اتّخاذ مواقف غير محسوبة العواقب، أو إطلاق مقولات غير دقيقة، وهذا المعنى ـ أعني فقدان المرأة الغيراء للسيطرة على أعصابها ـ قد روته السيدة عائشة نفسها عن رسول الله(ص)، فقد ورد في السيرة النبوية أنّه لما خرج (ص) في حجّة الوداع في السَّنة العاشرة من الهجرة كانت زوجتاه عائشة وصفيّة في صحبته وهما على جملين «وكان جَمَل عائشة سريع المشي مع خفّة حِمْل عائشة، وكان جَمَل صفية بطيء المشي مع ثقل حِمْلها، فصار يتأخّر الركب بسبب ذلك، فأمر(ص) أن يُجعل حمْل صفيّة على جَمَل عائشة وأن يجعل حِمْل عائشة على جَمَل صفيّة، وهذا الأمر أزعج عائشة فقالت كما في رواية أخرى: «يا لعباد الله، غلبتنا هذه اليهودية على رسول الله(ص)، فجاء(ص) يستعطف خاطرها... فقالت له: إنّك تزعم أنّك رسول الله(ص)! فقال(ص): أفي شكّ أنّي رسول الله أنت يا أم عبد الله؟ قالت: فما لكَ لا تعـدل! قال (قالت): فكان أبو بكر فيه حدة فلطمني على وجهي فلامه رسول الله(ص)، فقال: أما سَمِعْتَ ما قالت؟ فقال(ص): دعها فإنّ المرأة الغيراء لا تعرف أعلى الوادي من أسفلها»([85]).
وقد التفت شُرّاح الأحاديث المتقدّمة إلى هذا المعنى، ولذا وقع الكلام بينهم حول محاسبة النساء ومؤاخذتهن على الغيرة أو العفو عنهن، فقد نقل في فتح الباري عن بعض العلماء قوله: «الغيرة مسامحٌ للنساء ما يقع منها ولا عقوبة عليهن في تلك الحالة لِمَا جُبلن عليه منها، ولهذا لم يزجر النبي(ص) عائشة عن ذلك»([86]).
منشور في كتاب: تنزيها لرسول الله (ص) - لمؤلفه الشيخ حسين الخشن
وأيضا منشور في كتاب: أبحاث حول السيدة عائشة للمؤلف نفسه
[1] يقول بودلي في كتابه: الرسول: حياة محمد: ردّاً على منتقدي الزواج من عائشة وهي صغيرة السن: «.... فلم ينظروا إلى هذا الزواج على أنّه كان ولا يزال عادة آسيوية، ولم يفكّروا أنّ هذه العادة لا زالت قائمة في شرق أوروبا، وكانت طبيعية في إسبانيا والبرتغال إلى سنين قليلة، وأنّها ليست غير عادية اليوم في بعض المناطق الجبلية البعيدة في الولايات المتحدة الأميركية»، انظر: الرسول: حياة محمد، ر. ف. بودلي، تعريب عبد الحميد جودة السحار ومحمد محمد فرج، طبع دار الكتاب العربي بمصر ص174.
[2] مسند أحمد، ج 6، ص211.
[3] الطبقات الكبرى، ابن سعد، محمد بن سعد (ت:230هـ)، دار صادر ـ بيروت، ج8 ص59، وحديث اللّعب بالأرجوحة ورد في صحيح البخاري، مصدر سابق، ج4 ص215، وسنن ابن ماجة، ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني(ت:275هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر ـ بيروت، ج1 ص603، وسنن الدارمي، الدارمي، عبد الله بن مهرام (ت: 255هـ)، مطبعة الاعتدال، ج2 ص159 وغيرها من المصادر.
[4] وإليك بعض هذه الروايات حول ذلك: ففي طبقات ابن سعد باسناده إلى عائشة: «دخل عليّ رسول الله ص يوماً وأنا ألعب البنات، فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: خيل سليمان، فضحك» (الطبقات الكبرى، ج8 ص62) وفي سنن ابن ماجة: «كنت ألعب بالبنات وأنا عند رسول الله ص فكان يُسرِّب إليّ صواحباتي يلاعبنني» (سنن ابن ماجة، ج1 ص637). وفي مسند الشافعي: «تزوّجني رسول الله ص... وكنت ألعب بالبنات، فكنَّ جوارٍ يأتينني، فإذا رأين رسول الله ص تقمّعن منه، وكان النبي يسربهن إليّ» (كتاب المسند للشافعي، الشافعي، محمد بن إدريس (ت: 204هـ)، مسند الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، ص172).
[5] من هذه الروايات حديث أبي طلحة عن رسول الله (ص): «لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة» (صحيح البخاري، ج7 ص64) ويراد بالصورة: تماثيل ذوات الأرواح (المصدر نفسه ج5 ص15).
[6] انظر: المبسوط للسرخسي، ج1 ص211.
[7] صحيح البخاري، ج4 ص251، وسنن الدارمي، ج2 ص159، وسنن ابن ماجة، ج1 ص603.
[8] أنظر حول شرح هذه الكلمات: عمدة القاري، العيني، محمود بن أحمد (ت:855هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، ج17 ص34.
[9] المصدر نفسه، ج17 ص35.
[10] كما يبدو من المفاجأة والدهشة التي أصابتها عندما أُدخلت على رسول الله (ص)، على أنّه لو تمّ إخبارها بالأمر لذكرت ذلك وهي التي تحدّثت عن كلّ هذه التفاصيل في هذه الرواية أو في غيرها، بما في ذلك أخذها وهي تلعب الأرجوحة مع صاحباتها، أما قولها: «فأصلحن من شأني...» فلا يشي بأنّها قد أُخبرت بأمر الزواج وما هي قادمة عليه، أو أنّها هُيّئت نفسياً لذلك، وإنمّا هو ناظر بحسب الظاهر إلى إصلاح أمرها من الناحية الجسدية والجمالية.
[11] مسند أحمد، ج6 ص211، ونحوه ما في تاريخ الطبري، ج2 ص413 وغيره من المصادر.
[12] انظر على سبيل المثال: المستدرك للحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله الحاكم (ت:405هـ)، المستدرك على الصحيحين، تحقيق: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة، بيروت ـ لبنان، لا. ط، ج3 ص259.
[13] ففي الخبر عن السيدة عائشة: «ما نظرت إلى فرج رسول الله ص، أو قالت: «ما رأيت فرج رسول الله ص قط»، انظر:الشمائل المحمدية، الترمذي، محمد بن عيسى(ت:279هـ)، الشركة الجزائرية اللبنانية، الجزائر، ط1، 2008م، ص 192، وهو حديث مرويّ في أمّهات المصادر الحديثية.
[14] الخصال للشيخ الصدوق، ص100.
[15] على الخلاف في ذلك بين الفقهاء، حيث يرى بعضهم كفاية عدم المفسَدة في تزويج الولي للصغيرة، بينما يشترط آخرون وجود المصلحة في هذا الزواج للصغيرة أو الصغير.
[16] إنّما أقول: «إذا كانت»، لأنّه سيأتي أنّ بعض الروايات تنصّ على أن المبادِر إلى عرض الزّواج على سودة، هو النبي نفسه وليست خولة.
[17] المستدرك على الصحيحين، ج4 ص5.
[18] بناءً على القول المعروف بشرعية تزويج الصغيرة قبل بلوغها من قبل وليّها، إما لوجود مصلحة لها في الزواج أو اكتفاءً بعدم المفسدة على الخلاف في ذلك، فلو أنّ الصغيرة زُوّجت وكان زوجها بالغاً فهل له أن يستمتع بها أم لا؟ ذهب بعضهم إلى أنّ لزوجها أن يستمتع بها بغير الدخول، تمسّكاً بالإطلاقات الدالة على جواز الاستمتاع بالزوجة ولو كانت صغيرة، وقد قُيّدت تلك المطلقات بما دلّ على حرمة الدخول في الصغيرة، فتبقى سائر أنحاء الاستمتاع جائزة، لكن التمسّك بالإطلاق في المقام لا وجه له، لعدم قابلية الطفلة الصغيرة ولا سيما الرضيعة للاستمتاع، والحقيقة أنّ هذه الفتوى هي من نتائج التطبيق الحرفيّ الدقيق للفكر الأصولي والذي يتعامل مع النصوص بطريقة هندسية حرفية ويتمسّك بالاطلاقات حتى في الموارد التي يكون فيها التمسّك بالإطلاق مستلزماً للخروج بنتائج مثيرة للاستهجان العقلائي كما هو الحال في مقامنا، كما أفاد سيدنا العلاّمة المرجع فضل الله، انظر: الشاخوري، الشيخ جعفر، كتاب النكاح، تقريراً لبحوث المرجع السيد محمد حسين فضل الله، دار الملاك، بيروت ـ لبنان، ط1، 1996م، ج1 ص178، ولهذا فالأقرب إلى الصواب في هذه المسألة هو حرمة الاستمتاع بالصغيرة، وفاقاً للشهيد الثاني، انظر: الجبعي، زين الدين (ت:965هـ) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، ط2، 1983م، ج5 ص104، وتحقيق هذه المسألة موكول إلى محلّه.
[19] انظر: تاريخ الإسلام للذهبي، الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان(ت:748هـ)، تحقيق: الدكتور عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان، ط1، 1407هـ، 1987م، ج3 ص243؛ وسبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي، ج11 ص37.
[20] بحار الأنوار، ج43 ص285، وراجع ما كتبناه حول هذا الموضوع في كتاب «حقوق الطفل في الإسلام» الخشن، الشيخ حسين، دار الملاك، بيروت ـ لبنان، ط1، 1430هـ، 2009م، ص137 ـ 138.
[21] صحيح البخاري، ج6 ص135 وصحيح مسلم، ج4 ص140 وسنن ابن ماجة، ج 1 ص603 وغيرها من المصادر.. وهذا المعنى نصّت عليه روايات أهل البيتR أيضاً، فعن الامام الصادقع: «تُستأمر البكر وغيرها ولا تُنكح إلا بأمرها» انظر: وسائل الشيعة، ج 20 ص271 الحديث 10 الباب 3 من أبواب عقد النكاح وأولياؤه.
[22] سابق، سيد، فقه السنّة، دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان، ط3، 1977م، ج3 ص130.
[24] الإصابة لابن حجر، ج8 ص232.
[25] صبأ الرجل: خرج من دينٍ إلى دين. انظر: الصحاح أو تاج اللغة وصحاح العربية، الجواهري، إسماعيل بن حماد، تحقيق: أحمد بن عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين ـ بيروت، ط 4، 1407هـ،ج1 ص59، ولسان العرب، ابن منظور، محمد بن مكرم، نشر أدب حوزة، قم ـ إيران، 1405هـ، ج1 ص191.
[26] مسند أحمد، ج6 ص210، وانظر أيضاً البداية والنهاية، ابن كثير، إسماعيل بن كثير الدمشقي(ت:774هـ)، تحقيق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1988م، ج3 ص162.
[27] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي(ت:656هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، المؤسسة الجامعية للدراسات الإسلامية، ج13 ص254.
[28] انظر: تاريخ دمشق، ابن عساكر، علي بن الحسن(ت:571هـ)، تحقيق: علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، ج3 ص196.
[29] الإصابة، ج8 ص 231 ـ 232.
[30] السنن الكبرى، ج 7 ص129.
[32] مسند أحمد، ج1 ص319، والبداية والنهاية لابن كثير، ج3 ص164.
[33] المستدرك، ج4 ص5، وطبقات ابن سعد، ج8 ص78.
[34] المعجم الكبير، الطبراني، سليمان بن أحمد(ت:360هـ)، تحقيق: حمدي عبد المجيد، دار إحياء التراث العربي، مكتبة ابن تيمية ـ القاهرة، ج23 ص31 ومسند ابن راهويه، ابن راهويه، إسحاق(ت:238هـ)، تحقيق: عبد الغفار عبد الحق حسين برد البلوسي، مكتبة الإيمان ـ المدينة المنوّرة، ط1، 1412هـ، ج2 ص22.
[35] صحيح البخاري، ج 4 ص 254.
[36] الطبقات الكبرى لابن سعد، ج8 ص64.
[39] مسند أحمد، ج 6 ص280 وراجع: سنن أبي داوود، أبو داوود، سليمان بن الأشعث السجستاني(ت:275هـ)، تحقيق: سعيد محمد اللحام، دار الفكر، 1410هـ ـ 1990م، ج2 ص463 وصحيح مسلم، ج4 ص 142.
[40] شرح مسلم، النووي، محي الدين بن شرف(ت:676هـ)، دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان، 1978م،، ج9 ص207.
[41] انظر: المعجم الكبير للطبراني، ج23 ص 21 وما بعدها.
[42] وهذا واضح لو أخذنا بالرواية المتقدمة التي تنصّ على أن العقد عليها كان وهي في السّابعة، وحيث إنَّ العقد حصل قبل البعثة بسنتَيْن أو ثلاث فيكون عمرها حين الدخول بها بعد الهجرة عشر سنوات أو إحدى عشرة سنة، وقد ورد ذلك في بعض الروايات من المصادر الشيعية، ففي رواية عن أبي أيوب الخزاز قال: سألت إسماعيل بن جعفـر: «متـى تجـوز شهادة الغلام؟ فقال: إذا بلغ عشر سنين، قال: قلت: ويجوز أمره؟ قال: فقال: إنّ رسول الله(ص) دخل بعائشة وهي بنت عشر سنين وليس يدخل بالجارية حتى تكون امرأة، فإذا كان لغلام عشر سنين جاز أمره وجازت شهادته» (الكافي، ج7 ص389) وقد ضعّفَ الشهيد الثاني هذه الرواية، فقال: «وفي طريق هذه الرواية ـ مع وقوفها على إسماعيل بن جعفر الصادق(ع)ـ وهو الذي تنتسب إليه الفرقة الإسماعيلية ـ محمد بن عيسى عن يونس، فالاستدلال بها على هذا الحكم ـ يقصد قبول شهادة الصبي ـ المخالف للإجماع في غاية البعد». (مسالك الإفهام، الشهيد الثاني، زين الدين الجبعي(ت:965هـ)، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، ط1، 1413هـ، ج14 ص158)، أما السيد الخوئي فقد وصفها بالصحيحة، لكنه علّق على الاستدلا ل بها فقال: «أما صحيحة أبي أيوب الخزّاز فهي ليست رواية عن المعصومQ فلا حجّة فيها، على أن الاستدلال بها على جواز شهادة الصبي ـ بدخول رسول الله(ع) على عائشة وهي بنت عشر سنين ـ واضح البطلان» انظر: مباني تكملة المنهاج، السيد الخوئي، أبو القاسم، المطبعة العلمية، ط2، قم ـ إيران، 1396هـ، ج1 ص78.
[44] الأمين، السيد محسن، أعيان الشيعة، دار التعارف، بيروت ـ لبنان، 1983م، ج1 ص313، وقال المحقّق التستري: «واختلف في مولدها ووفاتها، أما مولدها فأكثر العامّة على أنّها ولدت قبل النبوة بخمس حين تبني قريش الكعبة، ذهب إليه محمد بن إسحاق وأبو نعيم وأبو الفرج والطبري والواقدي، قال الطبري: قال الواقدي: قال عبدالله بن محمد بن عمر بن علي: إنّ فاطمة(ع) كانت يوم بنى بها علي ابنة ثماني عشرة وقال به المدائني كما في الاستيعاب وكذلك عبدالله بن الحسن فروي عنه أنّه قال لهشام: إن فاطمة(ع) بلغت من السنّ ثلاثين سنة ورواه أبو الفرج عن الصادق(ع) أيضاً، وخالفهم ابن حجر في تقريبهم فقال: فاطمة سيدة نساء العالمين تزوجها عليّ في السنة الثانية من الهجرة وماتت بعد النبي بستة أشهر وقد جاوزت العشرين بقليل وأكثر الخاصّة على أنّه بعد النبوة بخمس، كالكليني والطبري الإمامي وإثبات المسعودي واستنادهم إلى رواية حبيب السجستاني عن الباقر(ع)... والظاهر أنّ الأصل في اختلافهم تبديل الراوي كلمة «قبل النبوة» بكلمة «بعد النبوة» أو بالعكس» ، أنظر: تواريخ النبي والآل، التستري، الشيخ محمد تقي، تحقيق: محمود الشريف، دار الشرافة، قم ـ إيران، ط1، 1416هـ، ص 24، وأيضاً قاموس الرجال، التستري، محمد تقي، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم، ط3، 1429هـ، ج12 ص332.
[45] أنظر: تواريخ النبي والآل للمحقّق التستري، ص24.
[46] أنظر: وسائل الشيعة، ج20 ص101، الباب 45 من أبواب مقدمات النكاح.
[47] أجل ورد في بعض المراسيل «أنّ علياً (ع) نكح امرأة بالكوفة من بني نهشل متعة» أنظر: المفيد، محمد بن محمد بن النعمان(ت413 هـ)، خلاصة الإيجاز في المتعة، تحقيق: علي أكبر زماني نزاد، دار المفيد للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، ط2، 1993م، ص25.
[48] تبنّى هذا الرأي بعض الفقهاء منهم العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله (رحمه الله) في رسالته في البلوغ، تقرير: السيد جعفر فضل الله، دار الملاك، بيروت ـ لبنان، ط1، 2006م.
[49] قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: «ما رأيت أحداً أعلم بسنن رسول الله ولا أفقه في رأي، إن احتيج إليه ولا أعلم بآية فيمَ نزلت ولا فريضة، من عائشة» أنظر: أم المؤمنين السيدة عائشة وأمانة الرواية، اليماني، الدكتور محمد عبده يماني، دار القبلة للثقافة الإسلامية، المملكة العربية السعودية ـ جدة، ط1، 1423هـ ـ 2002م، ص44.
[50] تأتي السيدة عائشة في كثرة رواية الحديث بعد ثلاثة من الصحابة حيث لم يسبقها منهم سوى أبي هريرة وابن عمر وأنس بن مالك»، أنظر: أم المؤمنين السيدة عائشة وأمانة الرواية، للدكتور محمد عبده يماني، مصدر سابق، ص28.
[51] مسند أحمد، ج6 ص198، وصحيح البخاري، ج7 ص39.
[52] المعجم الكبير للطبراني، ج23 ص24.
[53] رُوي عن عائشة 2210 ألفان ومائتان وعشرة أحاديث، (السُنّة قبل التدوين، محمد عجاج الخطيب، دار الفكر، دمشق، ط2، 1971م، ص475) بينما بلغ سائر ما روته أمهات المؤمنين عنه (ص) 612 حديثاً، أنظر: أحاديث أم المؤمنين عائشة للسيد مرتضى العسكري، مصدر سابق، ج2 ص35.
[54] سيرة ابن اسحاق، ج2 ص124.
[55] المصدر نفسه ج2 ص126.
[56] هذا بناء على ما هو الصحيح من صحة إسلام الصبي المميز، وهذا ما اختاره مشهور الفقهاء من الشيعة، أنظر: مفتاح الكرامة، العاملي، السيد محمد جواد(ت:1226هـ)، تحقيق: الشيخ محمد باقر الخالصي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم ـ إيران، ط1، 1419هـ، ج5 ص 251، بينما اختلف علماء السنّة في ذلك، أنظر: المجموع، شرح المهذّب، النووي، محي الدين بن شرف(ت:676هـ)، دار الفكر، ج19 ص223.
[57] وهذا التقدير يعني أنها كانت حين إسلامها أصغر من علي عند إسلامه، فإنّه على ما قيل: كان ابن ثمان حين أسلم، أنظر: سنن الترمذي، الترمذي، محمد بن عيسى(ت:279هـ)، الجامع الصحيح المعروف بسنن الترمذي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الفكر ـ بيروت، 1403هـ، ج5 ص306، والمستدرك، مصدر سابق، ج3 ص360، وذُكِر أنّ الزبير بن العوام أسلم وهو ابن ثماني سنين أيضاً.
[58] نُصّ على ذلك صريحاً في حديث ابن أبي الزناد، أنظر السنن الكبرى للبيهقي، مصدر سابق، ج6 ص204، والاستيعاب، ابن عبد البر، تحقيق: علي محمد البيجاوي، دار الجيل، بيروت ـ لبنان، ط1، 1412هـ، ج2 ص617، وسير أعلام النبلاء للذهبي، الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان(ت:748هـ)، تحقيق: حسين الأسد، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط9، 1989م، ج3 ص308، وتاريخ الإسلام للذهبي أيضاً ج5 ص355، وتاريخ مدينة دمشق، مصدر سابق، ج69 ص8 و10.
[59] هذا ما تؤكّده المصادر صريحاً، أنظر تاريخ مدينة دمشق، مصدر سابق، ج69 ص9، ويؤكّده أيضاً مقايسة عمرها حين وفاتها إلى سنة الوفاة، فقد أكّدت مختلف المصادر أنّ أسماء توفيت بعد مقتل ابنها عبد الله بن الزبير بليالٍ أو أيّام في عام 73هـ، وكان عمرها حين وفاتها مئة عام، أنظر الطبقات لابن سعد، مصدر سابق، ج8 ص250، فإذا طرحنا 73 من 100 يكون المجموع 27 سنة، وهو عمرها حين الهجرة، وبما أن الهجرة كانت بعد 13 سنة من مبعث النبي قضاها في مكّة يكون عمرها حين البعثة 14 سنة.
[60] وعلى قول إنّه قد تزوجها في السنة الثانية من الهجرة أنظر: الإصابة، ج8 ص 232.
[61] تاريخ مدينة دمشق، ج69 ص9.
[62] سير أعلام النبلاء، ج2 ص 288.
[63] أنظر: مقالة الدكتور محمد عمارة بعنوان الردّ على مَن طعن في سن زواج عائشة، نشرتها العديد من المواقع الإلكترونية منها: شبكة أنصار الإسلام وغيرها.
[64] راجع الصحاح للجوهري، ج3 ص1186، يقول: «إنّ البضع ما بين الثلاث إلى التسع، تقول بضع سنين وبضعة عشر رجلاً، وبضع عشرة امرأة، فإذا جاوزت لفظ العشر ذهب البضع».
[65] أنظر على سبيل المثال: مسند أحمد، ج 6 ص 280.
[66] تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، يوسف، تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت ـ لبنان، ط4، 1406هـ ـ 1985م، ج3 ص 239، وتاريخ بغداد أو مدينة السلام، البغدادي، أحمد بن علي الخطيب(ت463هـ)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1997م، ج 14 ص40.
[67] مقدمة فتح الباري، العسقلاني، أحمد بن علي بن محمد بن حجر(ت:852هـ)، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1988م، ص448.
[68] نقل ذلك في سير أعلام النبلاء، ولكنه ناقشه، أنظر ج6 ص35.
[69] ينقل ابن أبي الحديد عن الزهري أنّ عروة بن الزبير حدّثه، قال: حدّثتني عائشة قالت: «كنت عند رسول الله إذ أقبل العباس وعلي، فقال: «يا عائشة، إنّ هذين يموتان على غير ملّتي، أو قال ديني». وروى عبد الرازق عن معمر، قال: كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي(ع)، فسألته عنهما يوماً، فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما! الله أعلم بهما، إنّي لأتّهمهما في بني هاشم. قال: فأمّا الحديث الأول، فقد ذكرناه، وأما الحديث الثاني فهو أنّ عروة زعم أن عائشة حدّثته، قالت: كنت عند النبي(ص) إذ أقبل العباس وعلي، فقال يا عائشة: «إن سرّك أن تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا، فنظرت فإذا العباس وعلي بن أبي طالب»(شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد، ج4 ص64).
[70] أنظر: السنن الكبرى للبيهقي، مصدر سابق، ج 8 ص 166، وأورده الفريابي في صفة المنافق، الفريابي، جعفر بن محمد (ت:311هـ)، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي ـ الكويت، ط1، 1405هـ، ص103.
[71] أنظر: الصحيفة السجادية، تحقيق: السيد محمد باقر الأبطحي، مؤسسة الإمام المهدي ومؤسسة أنصاريان، قم ـ إيران، ط1، 1411هـ، ص44.
[72] أنظر: شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد المعتزلي، ج11 ص48.
[73] أنظر على سبيل المثال: تاريخ الإسلام للذهبي، ج23 ص329، فقد نقل حديث «إنّ الله ائتمن على وحيه جبريل ومحمد ومعاوية» وقد اعترف الذهبي بوضعه.
[74] أنظر: كتاب الموضوعات للسيد هاشم معروف الحسني، تحقيق: أسامة الساعدي، دار الملاك، بيروت ـ لبنان، ط1، 2010م، والأخبار الدخيلة، التستري، الشيخ محمد تقي، تعليق: علي أكبر الغفاري، مكتبة الصدوق ـ طهران، 1401هـ.
[75] أنظر: عيون أخبار الرضا، ج2 ص272.
[76] آثرتُ هنا رفع بعض الشواهد على بعض الكرامات الموهومة التي يُرجّح أنها من ابتكار الخيال المذهبي المشار إليه خشية أن تُفهم بطريقة خاطئة.
[77] سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي، ج11 ص167.
[78] المعجم الكبير للطبراني، ص30.
[79] صحيح البخاري ج4 ص231، وفي رواية أخرى: قالت: «ما حسدت امرأة ما حسدت خديجة، وما تزوّجني رسول الله إلا بعد ما ماتت...»(سنن الترمذي ج5 ص33)، وفي رواية أخرى: «ما غِرْتُ على أحدٍ من أزواج النبي ما غِرْتُ على خديجة وما ذلك إلاّ لكثرة ذكر رسول الله، لها وإن كان ليذبح الشّاة فيتبع بها صديق خديجة فيهديها لهن»، (أنظر المصدر السّابق والمستدرك ج3 ص186، وأنظر حول غيرتها من خديجة سيرة ابن اسحاق ج5 ص228 تحقيق: محمد حميد الله). وتنقُصّها لخديجة كان يؤذي رسول الله(ص) ويغضبه، لدرجة أنه ـ كما قالت عائشة نفسها ـ «غضب غضباً ما رأيته غضب مثله قط»، (مجمع الزوائد، الهيثمي، الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر (ت:807هـ)، دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1988م، ج9 ص224)، وفي رواية أخرى عنها: «فتمعر وجهه تمعراً ما كنت أراه إلا عند نزول الوحي أو عند المخيلة حتى ينظر أرحمة أم عذاب»، (أنظر: مسند أحمد، مصدر سابق، ج6 ص150، والمستدرك، مصدر سابق، ج4 ص286).
[80] طبقات ابن سعد، ج8 ص102.
[81] البكري الدمياطي، أبي بكر بن محمد(ت1310هـ)،إعانة الطالبين، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، ط1، 1997م، ج3 ص313.
[82] تقول السيدة عائشة فيما رُوي عنها: «ما رأيت صانعة طعام مثل صفيّة، أهدت إلى النبي(ص) إناءً فيه طعام، فما ملكت نفسي أن كسرته! فقلت يا رسول الله: ما كفّارته؟ فقال: إناء كإناء وطعام كطعام»(مسند أحمد، ج6 ص148)
[83] الطبقات الكبرى، ج 8 ص148.
[85] السيرة الحلبية، مصدر سابق، ج3 ص313، ومسند أبي يعلى الموصلي، الموصلي، أحمد بن علي التميمي(ت:307هـ)، تحقيق: حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، ج8 ص129، وقد وصف الشيخ الصالحي الشامي، سند الرواية الأخيرة بأنّه لا بأس به (أنظر: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، ج9 ص71).
[86] وأضاف في فتح الباري: «وتعقبه عياض بأنّ ذلك جرى من عائشة لصغر سنّها وأول شبيبتها، فلعلّها لم تكن بلغت حينئذ، قلت: وهو محتمل مع ما فيه من نظر، قال القرطبي: لا تدل قصّة عائشة هذه على أنّ الغيرى لا تُؤاخَذ بما يصدر منها، لأنّ الغيرة هنا جزء سبب، وذلك أنّ عائشة اجتمع فيها الغيرة وصغر السنّ والدلال، قال: فإحالة الصفح عنها على الغيرة وحدها، تحكم، نعم الحامل لها على ما قالت الغيرة، لأنّها هي التي نصّت عليها بقولها «فَغِرْتُ»، وأما الصفح فيحتمل أن يكون لأجل الغيرة وحدها ويحتمل أن يكون لها ولغيرها من الشباب والادلال، قلت: الغيرة محقّقة بتنصيصها والشباب محتاج إلى دليل، فإنّه(ص) دخل عليها وهي بنت تسع وذلك في أوّل زمن البلوغ، فمن أين له أن ذلك القول وقع في أوائل دخوله عليها وهي بنت تسع، وأما إدلال المحبّة فليس موجباً للصّفح عن حقّ الغير بخلاف الغيرة، فإنّما يقع الصفح بها، لأنّ من تحصل لها الغيرة لا تكون في كمال عقلها، فلهذا تصدر منها أمور لا تصدر في حال عدم الغيرة» (فتح الباري، ج7 ص106).