حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » كم كان عمر الزهراء (ع) حين زواجها من أمير المؤمنين (ع)؟ هل صحيح أن الإجماع هو على التسع من عمرها؟
ج »
 
▪️يوجد اختلاف كبير بين العلماء في تحديد عمر سيدتنا الزهراء سلام الله عليها حين زواجها من أمير المؤمنين عليه السلام، وتترواح هذه الأقوال بين تسع سنوات وعشرين سنة.
 
▪️مرد هذا الاختلاف إلى أمرين:
 
- الأول: الاختلاف في تاريخ مولدها، فهل ولدت قبل البعثة بخمس أم بعدها بخمس أو باثنتين؟ 
 
- الثاني: الاختلاف في تاريخ زواجها من أمير المؤمنين عليه السلام، حيث إن ثمة خلافاً في أنها تزوجت بعد الهجرة إلى المدينة بسنة أو بسنتين أو بثلاث.
 
▪️المعروف عند كثير من المؤرخين - كما ينقل التستري في تواريخ النبي (ص) والآل (ع) - أنها ولدت قبل البعثة النبوية بخمس سنين، وهذا ما ذهب إليه محمد بن إسحاق وأبو نعيم وأبو الفرج والطبري والواقدي وغيرهم، وعلى هذا سيكون عمرها حين الزواج ثماني عشرة سنة أو يزيد.
 
▪️ ونقل العلامة الأمين "أن أكثر أصحابنا" على أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنين، وعلى هذا سيكون عمرها حين الزواج تسعاً أو عشراً أو أحد عشر عاماً، تبعاً للاختلاف في تاريخ الزواج.
 
⬅️ الظاهر أنه ليس هناك إجماع على أنّ عمرها عند الزواج بها كان تسع سنوات، فقد ذهب الشيخ المفيد في "مسار الشيعة" أنها ولدت بعد مبعث النبي (ص) بسنتين، وهو ظاهر الشيخ الطوسي في المصباح، بل نقل الشيخ عن رواية أنها ولدت في السنة الأولى لمبعثه الشريف، وحينئذ إذا كانت قد  تزوجت في السنة الأولى من الهجرة فيكون عمرها حين الزواج ثلاث عشرة سنة، وإذا تزوجت في السنة الثانية للهجرة سيكون عمرها أربع عشرة سنة، وإذا تزوجت في السنة الثالثة سيكون عمرها خمس عشرة سنة.
 
 وقد رجح التستري وغيره من علمائنا القول بولادتها بعد البعثة بخمس، استناداً إلى بعض الأخبار المروية عن الأئمة(ع).. وكيف كان، فتحقيق المسألة واتخاذ موقف حاسم يحتاج إلى متابعة.. والله الموفق.

 
 
  مقالات >> عقائدية
أصول الإسلام - هل المعاد أصلٌ؟
الشيخ حسين الخشن



ما هي أصول الإسلام؟ - هل المعاد أصلٌ؟

 

إنّ السؤال الذي يتحتّم علينا أن نجد جواباً واضحاً عليه: ما هي الأصول التي يكون الاعتقاد والأخذ بها - شرطاً أو شطراً - موجباً لاعتبار الإنسان مسلماً، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، ويكون إنكارها كلاًّ أو بعضاً، عمداً أو جهلاً، تقصيراً أو قصوراً موجباً لخروجه عن الإسلام؟

والجواب: إنّ المعروف أن الإسلام يتقوم بالإيمان بالأصول، دون الفروع، وإليك بيان ذلك:

 

   أولاً: ما المقصود بالأصل[1]؟

 

 إنّ أصول الدين الإسلامي هي التي يكون للاعتقاد بها تمام الموضوعية في انتساب الإنسان إلى الإسلام ويكون إنكارها أو التشكيك بها كلّاً أو بعضاً عمداً أو سهواً أو غفلةً واشتباهاً موجباً لخروجه عن الإسلام، سواء انتحل الشخص ديناً غير الإسلام أو لم ينتحل ديناً أصلاً. وبعبارة أخرى: الأصل هو الذي يُكسب الاعتقادُ به الإنسانَ الهوية الإسلامية، ويسلبه عدم الاعتقاد به تلك الهوية. فما هو الأصل الذي يحمل هذه الميزة؟

ولك أن تقول: إنّ أركان الإسلام العقدية ، وإن شئت فقل: عقائد الإسلام على نحوين:

 

النحو الأول: الأركان التي يكون للاعتقاد بها موضوعية في تلبّس الإنسان بالإسلام واكتسابه الهوية الإسلامية، بحيث يشكّل إنكار أي واحد منها خروجاً من الإسلام، سواء أكان الإنكار عناداً وتقصيراً، أو غفلة وقصوراً[2].

 

النحو الثاني: الأركان التي يلزم الإيمان بها دون أن يكون إنكارها في حد ذاته مستلزماً للكفر، إلاّ إذا رجع ذلك إلى تكذيب المرسِل (الله) أو الرسول.

ويدخل في النحو الثاني الكثير من المعتقدات، كالإيمان ببقية الرسل والملائكة، والإيمان بخاتمية الرسالة المحمدية، والإيمان بعصمة النبي (ص).. فهذه وأمثالها تُعدُّ من أركان الإيمان وضروريات الإسلام، لكن لو أنّ شخصاً لم يؤمن بأحدها فلا يخرج عن الدين إلاّ إذا رجع إنكاره إلى تكذيب النبي (ص)، فلو أنّ مسلماً لم يؤمن بالملائكة لجهلٍ منه بذلك وعدم معرفته بهذا الأمر فلا يحكم بكفره ما دام مؤمناً بالله ورسوله.

   وأما النحو الأول، فمن الأكيد أنه يدخل فيه كلٌ من الإيمان بالله تعالى والإيمان بوحدانيته والإيمان بنبوة سيدنا محمد (ص). والإيمان بالله تعالى وبوحدانيته يمكن اختصارهما بأصل واحد هو أصل التوحيد، فإن المؤمن بوحدانية الله هو يقيناً مؤمن بالله تعالى، ومعنى كون الاعتقاد بالتوحيد وبالنبوة الخاصة من الأصول، أنه لو أنكرهما أو أحدهما شخص لم يُحكم بإسلامه، ولو كان إنكاره غفلةً أو قصوراً، ولهذا يُعَدُّ الإيمان بالله ورسوله (ص) أصلين من أصول الدين.

ولا يخفى أنّ علماء المسلمين يتفقون في الجملة على أنّ إنكار أصل من أصول الدين مخرج عن الإسلام، ولكنهم يختلفون في عدد أصول الدين، فإنّ لكل فرقة من الفرق الإسلاميّة أصولاً اعتقادية تخصّها، فللمعتزلة أصولٌ تخصّهم، وللأشاعرة أصولهم، وللإماميّة أصولهم، وهكذا فإنّ لكلّ فرقة من الفرق الإسلامية أصولاً ومعتقدات تخصّها.

 

وقد لاحظنا[3] أنَّ بعض المذاهب توسّعت في هذا الباب كثيراً، وذهبت إلى أنّ المكفّرات لا تقتصر على إنكار أصل من الأصول، بل إنّ إنكار ضروري من ضروريات الدين موجب للكفر أيضاً، كإنكار وجوب الحجاب أو الصلاة مثلاً، وتشدّد الخوارج في هذا الأمر، فحكموا بكفر مرتكب المعصية الكبيرة ولو لم يكن مُنْكِراً لحرمتها، فمن اغتاب مسلماً مثلاً، فهو كافر، لأنَّ الغيبة هي من كبائر الذنوب.

وسوف نثبت بالدليل أنّ الأصول بهذا المعنى لا تنطبق إلاّ على الإيمان بأصلين، وهما: الإيمان بالله ووحدانيته، والإيمان بالنبوّة بالمعنى الأخص، فيكون الخروج عن الإسلام متمثلاً بإنكار أحد هذين الأصلين أو التشكيك به، أما الأصل الثالث المعروف والمشهور وهو الإيمان بالمعاد فمع أنّه من أركان الإسلام وضرورياته التي لا تخضع للتشكيك، بيد أنّ كونه أصلاً بالمعنى المتقدّم غير واضح، بل هو مثار جدل بين الفقهاء، هذا ناهيك عن سائر الأصول التي تعرف بأصول المذهب كالإمامة والعدل عند الشيعة، أو العدل والمنزلة بين المنزلتين عند المعتزلة، أو غيرها عند غيرهم، وقد أوضحنا هذا الأمر بالتفصيل في كتابات وبحوث أخرى، ولا بأس أن نشير هنا إلى حصيلة تلك البحوث على نحو الاجمال.

ولكن وقبل الدخول في بيان ذلك، لا بدّ أن نشير إلى أنّ الحكم بكفر منكر الأصل ولو كان جاهلاً قاصراً، نطرحه هنا كأصل موضوعي لأنّ ثمة رأياً آخر في المسألة[4] وهو أنّ القاصر ليس بكافر، وهو قول مبني على أنّ الكفر لا يرادف صرف عدم الإيمان بل هو يساوق الجحود والإنكار، وهذا يعني أنّ الكافر هو خصوص المُنْكِر جحوداً.

 

 ثانياً: أصول الإسلام

 

  1. الشهادتان قوام الإسلام

 

إنّ تقوّم الإسلام بالشهادتين - أعني الشهادة لله بالوحدانية وللنبي محمد (ص) بالرسالة - هو من البديهيّات والواضحات، ولذا لم يستشكل أحدٌ من المسلمين في أنّهما أصلان من أصول الدين، وهذا ما تؤكّده الأدلّة والشواهد الكثيرة من الكتاب والسنّة والسيرة، وبيان ذلك:

 

 أولاً: الكتاب، ودلالته على شرطية الإيمان بالله والإيمان بالرسول (ص) في تحقّق الإسلام يمكن أن تستفاد من العديد من الآيات، ومنها: قوله تعالى: { وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا }[الفتح:13]، وهذه الآية كما هو جلي قد عدّت من لا يؤمن بالله وبرسوله كافراً وأنه له عذاب السعير.

وقال تعالى: { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [البقرة: 23-24] وقد استدل بها السيد الخوئي على كفر من لا يؤمن بالله ورسوله[5]، والظاهر أنّ الوجه في دلالتها على المطلوب أنّها تحدّت الذين هم في ريب من نبوته (ص) بالإعجاز القرآني، وتمثّل التحدي بدعوتهم إلى مضاهاة القرآن الكريم والإتيان بسورة من مثله، فإن لم يستطيعوا ذلك فهذا يمثل حجة عليهم، ويكشف عن أنّ القرآن منزل من عند الله تعالى، وعندها إذا أصروا على تكذيب النبي (ص) رغم عجزهم عن مضاهاة القرآن فهذا يوجب استحقاقهم النار التي أعدت للكافرين، ما يعني أنّهم كفار بسبب كفرهم برسول الله (ص).

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 151-152]، وهذه الآية المباركة تحكم بكفر الذين يكفرون بالله ورسله، ومعلوم أنّ سيدنا محمد (ص) هو أحد رسل الله (ص)، قال تعالى: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ} [آل عمران:144]، ولكنْ هل إن الكفر المتفرع على عدم الإيمان برسل الله تعالى هو على حد سواء بلحاظ كافة الأنبياء (ع)، أم أنّ ترك الإيمان برسول الله محمد (ص) يوجب الكفر مطلقاً أكان الشخص عالماً جاحداً أم جاهلاً قاصراً، بينما ترك الإيمان بغيره من الأنبياء لا يوجب الكفر إلا إذا كان ذلك عن جحود؟ هذا ما أجبنا عليه تفصيلياً[6].

 

ثانياً: السنّة القولية، فقد ضمّت السنة المباركة عشرات الروايات الدالّة على تقوّم الإسلام بمضمون هاتَيْن الشهادتَيْن، وأنّ مَنْ أقرّ بهما حُكِم عليه بالإسلام وجرت عليه أحكام المسلمين، وإليك بعض هذه الروايات:

  • ورد في المصادر الحديثيّة للمسلمين السُّنة ما يدلّ بوضوح على ذلك، من قبيل ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أنّ رسول الله (ص) قال يوم خيبر: "لأعطينّ هذه الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله يفتح الله على يديه"، قال عمر بن الخطّاب: ما أحببت الإمارة إلاّ يومئذ، قال: فتساورتُ لها رجاءَ أن أدعى لها، قال: فدعى رسول الله (ص) عليّ بن أبي طالب فأعطاه إياها، وقال: "امشِ ولا تلتفت حتّى يفتح الله عليك"، فقال: فسار عليّ شيئاً، ثم وقف ولم يلتفت فصرخ: يا رسول الله على ماذا أُقاتل الناس؟ قال(ص): قاتلهم حتّى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله، فإذا فعلوا فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلاّ بحقها وحسابهم على الله"[7].
  • وهذا المعنى تؤكده العديد من روايات الشيعة عن أهل البيت (ع)، منها: ما رواه سماعة في الموثق عن أبي عبد الله (ع) أنّه قال: "الإسلام: شهادة أن لا إله إلاّ الله والتصديق برسول الله، به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس"[8].

 

ثالثاً: السيرة النبوية، فإنّ المعروف من سيرة رسول الله (ص) أنّه كان يكتفي في إسلام المشركين أو غيرهم ممّن يدخلون في الإسلام بمجرّد نطقهم بالشهادتَيْن، ولذا نراه قد اعترض على ما فعله بعض صحابته من قتلهم رجلاً يهودياً بعد تشهده الشهادتين، ولم يقبل (ص) اعتذارهم على ما فعلوه بأنّه - أي اليهودي - إنّما نطق بالشهادتين ليدرأ عنه القتل، فقد روى البخاري في صحيحه بإسناده عن أبي ظبيان قال: سمعت أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما يحدث قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة[9]من جهينة، قال: فصبحنا القوم فهزمناهم قال: ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، قال: فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله قال: فكفّ عنه الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتله! قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فقال لي: يا أسامة أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله! قال: قلت: يا رسول الله إنما كان متعوذاً، قال: أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله! قال: فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم"[10]. وهذا أمر وردت فيه عدة أخبار[11].

 

إنّ المستفاد من هذه السنة القولية والسيرة الفعلية لرسول الله (ص) - مضافاً إلى الآيات القرآنية المباركة الواردة في هذا الشأن - أمران:

الأمر الأول: إنّ الإيمان بالله الواحد، والإيمان بنبوّة سيدنا محمد بن عبد الله (ص)، هما من الأصول التي يتقوّم بها الإسلام، وأنّ مَنْ أنكر أحدهما فلا يُحكم بإسلامه ولا إيمانه.

الأمر الثاني: إنّ الإيمان بالأصلين المذكورين كافٍ في اكتساب الهوية الإسلامية، وأنّه لا دخالة لأمر آخر في ذلك.

 

تنبيه: الأصل في النبوة هو الإيمان بالنبوة بالمعنى الخاص، والمراد بذلك الإيمان بنبوة سيدنا محمد (ص)، فلو أنّ إنساناً آمن بنبوة سائر الأنبياء ولم يؤمن بنبوته (ص) فلا يحكم بإسلامه، ولو كان معذوراً في عدم إيمانه، أما لو أنّ شخصاً آمن بنبوته (ص) ولكنه لم يؤمن بنبوة سائر الأنبياء، فإن كان عدم إيمانه بنبوتهم غفلةً أو جهلاً منه فلا يحكم بكفره وأما إذا كان ذلك عناداً وتكذيباً حتى مع التفاته إلى أنّ القرآن الكريم قد أكد على ضرورة الإيمان بهم فسوف يعدّ حينئذٍ كافراً لتكذيبه لما جاء به النبي (ص). 

 

  1. المعاد ضرورة دينية وليس أصلاً

والكلام المتقدّم حول تقوّم الإسلام بالإيمان بالله والإيمان برسوله يدعونا إلى التساؤل عن موقع المعاد في منظومة الاعتقاد الإسلامي، حيث إن ظاهر ما تقدّم من تقوّم الإسلام بالشهادتين ينفي كونه أصلاً من أصول الدين؟

 والجواب: إنه وعلى الرغم من أنه قد اشتُهر على ألسنة الخاصة والعامة كون المعاد هو الأصل الثالث من أصول الدين، وعلى ذلك التقت كلمة المسلمين على اختلاف مذاهبهم، ومعنى كونه أصلاً - بحسب ما تقدّم - أن يُحكم بكفر من لم يؤمن به، ولو كان عدم إيمانه لغفلةٍ أو قصور. ولكنّ الإنصاف أنّ إثبات كون المعاد أصلاً بالمعنى المتقدّم لم ينهض عليه دليل، ولذا ذهب غير واحد من علماء الإسلام إلى نفي كونه أصلاً بهذا المعنى، وعليه فلا يحكم بكفر من آمن بالله ورسوله (ص) دون أن يؤمن بالمعاد، جهلاً منه بذلك، وإنّما يُحكم بكفر منكر المعاد باعتبار أنّ إنكار المعاد ملازم - عادةً - لإنكار النبوّة وتكذيب الرسالة، وتظهر الثمرة فيمن لم يلتفت إلى هذه الملازمة، لقرب عهده بالإسلام مثلاً، أو التفت إليها لكنّ شبهة معينة دفعته إلى تفسير المعاد بنحو آخر غير المعاد الجسماني، وإليك توضيح ذلك:

 

  • الفقهاء الذين نفوا أصليّة المعاد

 

مع أنّ المعروف كون المعاد[12]أصلاً من أصول الدين ويحكم بكفر منكره[13]، لكنّ الذي يظهر من كلمات جمع من الفقهاء التأمّل أو التشكيك في كون المعاد أصلاً بالمعنى المشار إليه، ومن هؤلاء: الفقيه السيد كاظم اليزدي، ويظهر من بعض الفقهاء المعلقين على العروة موافقته، يقول رحمه الله في تحديد الكافر: "والمراد بالكافر من كان منكراً للألوهية أو التوحيد أو الرسالة أو ضرورياً من ضروريات الدين مع الالتفات إلى كونه ضرورياً بحيث يرجع إنكاره إلى إنكاره الرسالة"[14].

والذي يلوح من هذه العبارة أنّ المعاد - بنظره - ليس من أصول الدين بالمعنى المتقدّم للأصل، ولذا علّق السيد الخوئي على فقرة "أو الرسالة" بالقول: "أو المعاد"، وعلّق السيد أبو الحسن الأصفهاني على عبارة: "والأحوط الاجتناب عن منكر الضروري مطلقاً" بالقول: "خصوصاً في منكر المعاد"[15]، فهو - أي السيد الأصفهاني - يعتبر المعاد من ضروري الدين، وبناؤه الأمر على الاحتياط يفيد تشكيكه في كون المعاد من الأصول التي يستلزم إنكارها الكفر مطلقاً.

وهكذا فإنّ جمعاً من الأعلام ذهبوا إلى هذا الرأي أو استقربوه، ومن هؤلاء الأعلام: السيد الخميني، فإنّه وفي دراسته الاستدلالية لهذه القضية شكّك في دخالة "الإيمان بالمعاد" بقول مطلق في انتساب المرء إلى الإسلام وامتلاكه الهوية الإسلامية، ولم يستبعد تقوّم الإسلام بمعناه الرسمي بالاعتقاد بالألوهية والتوحيد والنبوّة فقط[16]. ومنهم أيضاً: الميرزا هاشم الآملي ( 1412 هـ)[17]، والشيخ محمد علي الأراكي (1415هـ)[18] والشيخ إسحاق الفياض[19]، والشهيد مرتضى المطهري[20]، والشيخ جواد التبريزي[21] والسيد تقي القمي[22]، وغيرهم[23].

 

  • الوجه في عدم كون المعاد أصلاً

وربما كان الوجه فيما ذهب إليه هؤلاء الأعلام من نفي كون المعاد أصلاً بالمعنى المشار إليه للأصل (وهو الذي يتوقّف الانتساب إلى الإسلام على الإيمان به ويُعدُّ منكره كافراً ولو كان ذلك لغفلة) هو:

أولاً: التمسك بالإطلاق اللفظي أو بمفهوم بعض الروايات المتقدمة، ومنها موثقة سماعة عن الإمام الصادق (ع) والتي نصّت - وهي في مقام بيان تحديد الإسلام وبيان من هو المسلم - على الاكتفاء بالشهادتين في جريان أحكام الإسلام على غير المسلم، فيستفاد منها بمفهوم الحصر أنّ الشهادتين دون سواهما هما المدخلان في الإسلام. ومنها: قوله (ص) لعلي (ع) بعد أن أمره بدعوة يهود خيبر إلى الشهادتين: "فإذا فعلوا فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم"، فإنه بإطلاقه ينفي دخالة أمر آخر.

ثانياً: التمسك بالإطلاق المقامي، فإنّ خلو النصوص - من الآيات والروايات - من التأكيد على كون المعاد أصلاً، مع أنّ مسألة إنكار المعاد مسألة ابتلائية، والحال أنّ النصوص قد تطرقت إلى سائر الأصول، لهو دليل على نفي أصليته، وتقدّمت الإشارة إلى أنّ السيرة الفعلية للنبي (ص) جرت على الاكتفاء في قبول إسلام الأشخاص بالتلفّظ بالشهادتَيْن، ولم يأخذ (ص) عليهم ضرورة الإيمان بالمعاد كشرطٍ لاكتسابهم الهوية الإسلامية، قال المحقق الأشتياني ( 1319هـ): "وعدم ذكره في خبر من أخبار الباب ربما يشهد على عدم كونه أصلاً مستقلاً وكونه من فروع تصديق النّبي صلى الله عليه وآله، كما يظهر من بعض الأصحاب... والقول بكون السّكوت عنه من جهة وضوح أمره وعدم الاختلاف فيه وكونه معتبراً في الإيمان بالاتّفاق شطط من الكلام، إذ ليس أمره أوضح من أمر التّوحيد والنّبوّة مع التّصريح باعتبار الاعتقاد والإقرار بهما في جميع الأخبار، نعم؛ في غير واحد من الآيات إشارة إلى كونه أصلاً مستقلاً بل في بعضها دلالة على ذلك، وإن كان في أكثر الآيات الواردة في هذا الباب ما يدلّ على كونه كسائر الضّروريّات الدّينيّة كالصّلاة والزّكاة فراجع إليها، بل يستفاد من الآيات الكثيرة مزيد اهتمام بشأنه، وأنّ كلّ نبيّ كان مأموراً بتبليغه وأنّ إنكار النّبوات في غالب الأعصار كان مستنداً إلى إنكار المعاد والبعث، بل ربما كان إنكار الصانع مستنداً إليه، كما يظهر لمن راجع الآيات الواردة في هذا الباب وتأمّل فيها. وأمّا القول بأنّ الأخبار ليست في مقام بيان تمام ما يعتبر في الإيمان فلا ينافي عدم التّعرض للمعاد ففاسد جدّاً ولا يصدر ممّن له أدنى دراية بعد الرّجوع إلى تلك الأخبار"[24].

ويجدر بنا التنبيه إلى أنّ عدم أخذ المعاد كشرط مقوم للإسلام وعدم الطلب ممن يدخل الإسلام الإقرار به، لا يقلل من أهميته ولزوم الإيمان به، ولا يخفى كثافة النصوص الدينية التي تؤكد عليه وتنصّ على ركنيته. وربما تُرك أخذه في الأصول - كما ترك أخذ غيره من ضروريات هذا الدين - على اعتبار أن الإيمان بالأصلين المذكورين سيقود بشكل تلقائي إلى الإيمان بسائر الأركان ومنها المعاد.

  • مستند القول بكون المعاد أصلاً

قد تبيّن أنّه ليس هناك اتفاق على كون المعاد أصلاً من أصول الدين بالمعنى المتقدّم للأصل، فما ذكره بعض الفقهاء من الاتفاق على كونه أصلاً[25]، ليس ثمة ما يشهد له، ولذا رأينا أنّ السيد الخوئي يشير إلى أنّ فقهاءنا قد أهملوا عدّ المعاد في عداد الأصول، مع أنّه لا وجه لهذا الإهمال برأيه[26]، لوجود الدليل على ذلك. وكيف كان فما ذكر أو يمكن أن يذكر كدليل على أصلية المعاد هو الوجوه التالية:

الوجه الأول: ما تبناه السيد الخوئي من أنّ الله تعالى قد قرن الإيمان بالمعاد بالإيمان به تعالى في أكثر من آية من آيات الكتاب الكريم، كما في قوله تعالى: { إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ } [النساء: 59] وقوله سبحانه: { إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ } [البقرة: 228] وقوله عزّ من قائل: { مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ } [البقرة: 232] إلى غيرها من الآيات[27].

ويمكن أن يلاحظ على كلامه بأنّ مجرد مجيء "الإيمان بالمعاد" في القرآن الكريم مقروناً بـ"الإيمان بالله" لا يدلّ في نفسه على كون المعاد أصلاً، وإلاّ فقد اقترن الإيمان بالأنبياء السابقين (ع) مع الإيمان بالله تعالى في بعض الآيات، كما في قوله تعالى: { فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}[آل عمران: 59]، أو قوله تعالى: { وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } [النساء: 152]، ولم يعتقد أحد ومنهم السيد الخوئي أن الإيمان بالأنبياء السابقين أصل من أصول الدين. وكذلك قرنت بعض الآيات الإيمان بالكتب والرسل والملائكة مع الإيمان بالله تعالى، كما في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا }[النساء: 126]، ولم ينصّ أحدٌ من الفقهاء على أنّ الإيمان بالكتب والملائكة من أصول الدين بحيث يُحكم بكفر من لم يؤمن بذلك ولو لقصور أو غفلة. وكذلك اقترن العمل الصالح مع الإيمان بالله في أكثر من آية[28]، ولم يتوهّم أحدٌ أنَّ العمل الصالح من أصول الدين، وهكذا قُرن الإحسان إلى الوالدين بعبادة الله وعدم الشرك به تعالى في أكثر من آية من آيات الذكر الحكيم[29] وقُرِنَ شُكْر الوالدين بشكر الله أيضاً[30]، مع أنَّ شُكر الوالدين لا يقاس بشكر الله سبحانه.

الوجه الثاني: إنّ الارتكاز المتشرّعي قائم على عدّ المعاد من أصول الدين.

ويلاحظ على ذلك أنّه لو سلمنا بالارتكاز - إذ قد يناقش في أصل وجوده - وسلمنا بامتداده إلى زمان المعصوم وتلقيه عنه – إذ يحتمل تكونه لاحقاً واستناداً إلى الفتاوى – فإنه يمكن القول بكونه ناشئاً عن التلازم بين إنكار المعاد وإنكار النبوّة، لـ "وضوح عدم الجمع بين الاعتقاد بالنبوّة وإنكار المعاد"[31]، وهو وضوح لا ينكر، لكنّ ذلك لا يمنع من حصول شبهة لدى البعض ما يبدد الوضوح المشار إليه، كما هو الحال في الفتى اليافع الذي لم يؤمن - بحكم بيئته البعيدة عن الثقافة الإسلامية - سوى بمضمون الشهادتين.

الوجه الثالث: اهتمام القرآن الكريم بقضية المعاد اهتماماً بالغاً ما جعل قضية المعاد قضية محوريّة في القرآن الكريم، بحيث قلّ أن تخلو سورة من سوره من ذكر المعاد تصريحاً أو تلويحاً، وقد قام بعض العلماء بإحصاء الآيات الواردة في المعاد فبلغت زهاء ألف وأربعمائة آية، ويُنقل عن السيد محمد حسين الطباطبائي بأنّ الآيات التي تتحدّث عن المعاد تصريحاً أو تلميحاً تربو على الألفين[32]، وهذا ما يدعو إلى التساؤل: أيبلغُ أمرٌ من الأهمّية حدّاً تَنْزِلُ فيه من آيات الكتاب الكريم ما يوازي مقدار ثلث القرآن الكريم ثم لا يكون أصلاً من أصول الدين الإسلامي؟! وأَضِفْ إلى ذلك أنّ الإيمان بالمعاد ممّا تلاقت عليه كلُّ الديانات السماوية وغيرها، قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } [البقرة: 62]. كما أنّ المعاد وفق المنطق الديني هو هدف الخلقة وهو دار القرار والحياة الحقيقيّة الأبدية، أما الدنيا فهي دار مجازٍ وممرّ، قال الله تعالى: { وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [العنكبوت: 64].

ويلاحظ عليه: إنّ ذلك كلّه لا يثبت سوى محوريّة المعاد في منظومة الاعتقاد الإسلامي، وأنّه ركنٌ من أركان الدين وضرورة من ضرورياته التي لا يرقى إليها الشك، ولكنّه لا يثبت كونه أصلاً بالمعنى المتقدِّم للأصل، وهو الذي يُحكم بكُفر مَنْ لم يؤمن به ولو كان عدم إيمانه لشبهة أو غفلة. فلعل الشارع لحكمة معينة لم يُنِطْ اكتساب الهوية الإسلامية بالإيمان به، وإنما اكتفى - بعد الإيمان بالله تعالى - بالاعتقاد بالرسول، وهو ما سيقود بشكل تلقائي إلى الإيمان بالمعادن وغيره من عقائد الإسلام.

وبناءً على ما تقدم فلا يمكننا الحكم بكفر منكر المعاد عندما يكون إنكاره لشبهة أو لجهل قصوري مثلاً، إلا إذا حكمنا بكفر منكر الضروري مطلقاً، فإن المعاد من أبرز ضروريات الدين، وهذا ما تناولناه مفصلاً في كتاب: "من هو الآخر الديني؟"، الجزء الأول من موسوعة "فقه العلاقة مع الآخر الديني"؛ فليراجع.

  • هذا المقال من كتاب "من هو الآخر الديني؟" الجزء الأول من موسوعة "فقه العلاقة مع الآخر الديني".
  • الكاتب: العلامة الشيخ حسين الخشن
  • تمّ النشر في 30 - 7 - 2024 مـ


[1] لا يخفى أنّنا لا نملك نصّاً في الكتاب أو السنة يصنّف الدين إلى أصول وفروع، ويحدّد لنا معنى الأصل أو الفرع، أو يبيّن عدد الأصول والفروع، ومع ذلك فإنّ هذا التصنيف هو تصنيف صحيح وقد استفاده علماء الإسلام واستقوه من مضامين الكتاب والسنة، راجع تفصيل الكلام حول ذلك في كتاب أصول الاجتهاد الكلامي. ص 99.

[2]  يقول السيد الخوئي: "ولا بدّ وأن يعلم أن الاقرار بهذه الأمور الأربعة (الاعتقاد بالله وبوحدانيته، والإيمن بالرسول (ص)، وبيوم القيامة) له موضوعية في التلبس بحلية الاسلام ، وإنكار أي واحد منها في حد نفسه موجب للكفر ، سواء أكان مستندا إلى العناد واللجاج ، أم كان مستندا إلى الغفلة وعدم الالتفات الناشئ عن التقصير أو القصور ، وقد دلت الآيات الكثيرة أيضاً على كفر منكر المعاد"، مصباح الفقاهة، ج 1، ص 390.

[3] راجع للتوسع حول ذلك كتاب العقل التكفيري.

[4]  راجع: موسوعة فقه العلاقة مع الاخر الديني، الجزء الأول منها: "من هو الآخر الديني؟"، ص 53 وما بعدها.

[5] شرح العروة الوثقى ( موسوعة الإمام الخوئي) ، كتاب الطهارة، ج 3، ص 53.

[6]  موسوعة فقه العلاقة مع الآخر الديني، الجزء الأول منها: "من هو الآخر الديني؟"، ص 53 وما بعدها.

[7] صحيح مسلم، ج 7، ص 121.

[8] الكافي، ج 2، ص 26.

[9] الحرقة: "بضم المهملة وبالراء ثم قاف وهم بطن من جهينة"، فتح الباري، ج 12، ص 171.

[10] صحيح البخاري، ج 8، ص 36، وصحيح مسلم، ج 1، ص 67.

[11] عيون أخبار الرضا (ع)، ج 2، ص 70، صحيح البخاري، ج 1، ص 103.

[12] وينص كثير من الفقهاء على أن المعاد الذي هو الأصل بنظرهم إنما هو المعاد الجسماني، قال العلامة المجلسي: "واعلم أن المعاد الجسماني مما يجب الاعتقاد به ويكفر منكره ، أما المعاد الروحاني أعني التذاذ النفس بعد المفارقة وتألمها باللذات والآلام العقلية فلا يتعلق التكليف باعتقاده ولا يكفر منكره ولا منع شرعاً ولا عقلا من إثباته"، بحار الأنوار، ج 7، ص 50، وقال السيد الخوئي: " الايمان بالمعاد الجسماني والاقرار بيوم القيامة والحشر والنشر وجمع العظام البالية وارجاع الأرواح فيها، فمن أنكر المعاد أو أنكر كونه جسمانيا فهو كافر بالضرورة"، مصباح الفقاهة، ج 1، ص 390.

[13]  قال السيد الخوئي: "وقد دلت الآيات الكثيرة أيضاً على كفر منكر المعاد"، مصباح الفقاهة، ج 1، ص 391، وادعى المولى محمد تقي المحلسي الاتفاق على كفر منكر المعاد الجسماني، روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 485.

[14]  العروة الوثقى، ج 1، ص 144. 

[15] المصدر نفسه، ج1، ص 144.

[16] قال: "ثمّ إنّ اندراج منكر المعاد أيضاً في الكفّار حقيقة، ودعوى كون الإسلام عبارة عن الاعتقاد بالأركان الأربعة ، والاعتقاد بالمعاد داخل في ماهيته ، أيضاً لا يخلو من إشكال ، بل منع ؛ لإطلاق الأدلَّة المتقدّمة الشارحة لماهية الإسلام الذي به حقنت الدماء... فدعوى كون الإسلام هو الاعتقاد بالألوهية والتوحيد والنبوّة ، غير بعيدة "، كتاب الطهارة ج 2، ص 445.

[17] قال: "ثم إنه لا شبهة ولا ريب في أنّ منكر الألوهية والرسالة والتوحيد نجس، وأما منكر المعاد مثل الكسروي القائل بأن اللَّه لا يكون شأنه الانتقام فهل يكون نجساً أم لا؟ ربما يقال بأنه يصدق الكفر عليهم، فإنّ في الآيات أنّ من كان يؤمن باللَّه واليوم الأخر يكون مؤمناً، وأما من لا يكون كذلك أي لا يكون فيه الايمان باللَّه وباليوم الأخر معا فيكون كافراً، ولا يخفى إنه لو رجع إلى إنكار الرسالة فسيجيء حكمه ولكن مع قطع النظر عن ذلك فما هو الظاهر إنه لا يصدق الكفر على هذا العنوان أي عنوان إنكار المعاد نعم يصدق عليه الكافر بكفر أخروي"، المعالم المأثورة، ج 2، ص 227. ومقصوده بالكسروي - ظاهراً - هو السيد أحمد الكسروي التبريزي الذي كان قاضياً، واغتيل 1365، وقد كان شكك في بداية تحوله عن الخط الديني ببعض الأفكار والعقائد الشيعية حتى رمي بالتسنن، ثم ألف بعض الكتب في هذا المجال وهاجم الإمام الصادق (ع)، ثم ابتعد بعد ذلك عن التشيع والتسنن وعن عقائد الإسلام كلية، واقترب من التشكيك في الدين حتى اتهم بالإلحاد، راجع: الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 24، ص 24، ومستدركات أعيان الشيعة، ج 1، ص 245، وقيل: إنّ الذي قام باغتياله هم جماعة السيد الشهيد نواب صفوي ( فدائيان إسلام)، مستدركات أعيان الشيعة، ج 1، ص 246.

[18] قال: "إنّما الكلام في المعاد الجسماني، فهل منكره مثل منكر الألوهيّة، أو الرسالة في كون كفره من جهة فقدان الركن الدين فيه، وهذا مبنى على أنّ الاعتقاد بالمعاد الجسماني يكون كالاعتقادين السابقين في الركنيّة للإسلام، أو أنّ كفر صاحبه من باب كفر منكر الضروري"، ثم قال بعد ذلك بشأن المعاد الجمساني: "لا يستقلّ العقل بإثباته وتقوّم الدين به . فالدليل في كون منكر هذا القيد ( جسمانية المعاد) كمنكر الأصل ، وأنّ اعتقاد القيد كاعتقاد الأصل له موضوعيّة وركنيّة ينحصر في التعبّد، كأن قام الدليل على أنّ الإسلام يتحقّق بالتوحيد والنبوة والمعاد الجسماني، أو ما يفيد هذا المعنى، ولكن لم يرد بهذا المعنى"، الطهارة، ج 1، ص 545.

[19] قال تعليقاً على كلام السيد اليزدي المذكور في المتن: "عدم ذكر المعاد بلحاظ أن إنكار الرسالة يستلزم إنكاره والتصديق بها تصديق بالمعاد فإن الايمان به من أظهر ما اشتملت عليه الرسالة السماوية فلا يكون إنكار المعاد سبباً مستقلاً للكفر كالتوحيد والرسالة ، كما أن الايمان به ليس قيداً مستقلاً في الاسلام" تعاليق مبسوطة، ج 1، ص 90.

[20] استقرب أنّ أصول الدين اثنان: وهما التوحيد والنبوة، فمنكر أحدهما كافر، وأما منكر المعاد فهو إنّما لا يُعدّ مسلماً باعتبار أنّ إنكار المعاد يلازم إنكار النبوة ذاتها، راجع: النبوة، ص76.

[21] وكذلك الشيخ جواد التبريزي، يقول: ".. فالظاهر أن الاعتقاد بالتوحيد والرسالة واليوم الآخر من الواجبات النفسية، وكذا الاعتقاد بالكتب والرسل والملائكة فيجب تحصيل العلم والاعتقاد بها ، إلاّ أن الاعتقاد لا يكون به الإسلام المحكوم معه الشخص بحقن دمه وحرمة ماله ، بل المحقق للإسلام الموضوع لما ذكر هو الاعتراف بالتوحيد ورسالة النبي (ص) من غير أن يظهر المعترف خلاف اعترافه وأنه لا يعتقد ما اعترف به ، وما ذكر من الاعتقادات مقوم للإيمان"، تنقيح مباني العروة ( كتاب الطهارة) ، ج 2، ص 190.

[22] راجع: عمدة المطالب، ج 1، ص 188، فقد أفاد أنه لا دليل من القرآن على كون المعاد أصلاً من الأصول.

[23] قال السيد الترحيني: "شاع عند الإمامية أنّ الاعتقاد بالتوحيد والنبوة والمعاد هو أصل الدين، والإمامة أصل من أصول المذهب لا الدين، والذي يقتضيه النظر أن أصول الدين أمران: التوحيد والنبوة الخاصة فقط، ويدل عليه ـ بالإضافة إلى سيرة النبي الأعظم (ص) من قبول إسلام الشهادتين ـ الأخبار الكثيرة.."، الإحكام في علم الكلام، ص 9.

[24] بحر الفوائد في شرح الفرائد، ج 1، ص 282، (طبعة قديمة).

[25] قال الأشتياني ( 1319 هـ): " أنّ ظاهرهم الاتّفاق على كون المعاد بل المعاد الجسماني أصلا مستقلاً في قبال سائر أصول الدّيانات لا أن يكون اعتباره في الإيمان كاعتبار الاعتقاد بسائر الأمور الثّابتة من النّبي صلى الله عليه وآله أصولا وفروعاً"، بحر الفوائد في شرح الفرائد، ج 1، ص 282، (طبعة قديمة).

[26]  التنقيح في شرح العروة، ج 2، ص 59، وكذلك فقد أشار إلى إهمال الفقهاء لكون المعاد أصلاً تلميذه الشيخ التبريزي، انظر: تنقيح مباني العروة ( كتاب الطهارة) ، ج 2، ص 190.

[27]   التنقيح في شرح العروة، ج 2، ص 59.

 

[28] كما في سورة العصر في قوله تعالى: { وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } .

[29] راجع: البقرة: 83، النساء: 36، الأنعام: 151، الإسراء: 23.

[30] قال تعالى: { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14].

[31] كتاب الطهارة للسيد الخميني، ج3، ص445.

[32] الإلهيات للسبحاني المجلد 2 ص664 ـ منشورات المركز العالمي للدراسات، قم 1411 هـ.

 


تحميل الملف



اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon