حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » كيف نفهم الروايات التي تميز بين ذرية النبي (ص) وغيرهم من المسلمين؟
ج »
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ما يسعني في هذه العجالة أن أقوله: إن هذا الأمر لا ينطلق من وجود تمييز تكويني أو تشريعي لذرية النبي (ص) بحيث يقتضي ذلك تغايراً في تكليفهم عن تكليف الناس، فهم في خصائصهم يتساوون مع الآخرين كما أن الشريعة ساوت بينهم وبين الآخرين؛ وقد أوضحنا ذلك في بحث: "ذرية الرسول (ص) – الخيط الرفيع بين المحبة والطبقية" من كتاب "تحت المجهر".
وأما ما أشرتم إليه بوجود بعض الروايات التي تنص على مضاعفة الثواب في حال الطاعة ومضاعفة العقاب في حال المعصية. فهذا نظير ما جاء في القرآن الكريم في نساء النبي:
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (الأحزاب: 30-31)
ومضاعفة العقاب منطلقة من أن الإساءة منهم تجر السمعة السيئة إلى رسول الله (ص) أو تثير الريبة أو تجرّئ الآخرين على استسهال المعصية لأنه إذا كانت ذرية النبي (ص) غير مبالية فما لنا نحن نكون ملكيين أكثر من الملك.
أما مضاعفة الثواب، فهي لأنهم يجرون السمعة الحسنة والذكر الطيب لرسول الله (ص)، وقد ورد عن الأئمة من أهل البيت (ع) تعميم هذا المعنى إلى شيعتهم، فقد ورد:  "إن الحسن من كل أحد حسن و إنه منك أحسن لمكانك منا ، و إن القبيح من كل أحد قبيح وهو منك أقبح لمكانك منا"

 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
 
  مقالات >> فكر ديني
خلافة الله وحفظ النظام الكوني
الشيخ حسين الخشن



 

لم يعرف تاريخ البشرية فترة زمنية تمكّن الإنسان فيها من الإمساك بزمام الطبيعة وقهرها لإرادته، كما عليه الحال في عصرنا هذا، عصر النهضة العلمية التي مكنت الإنسان من فهم الطبيعة واكتشاف أسرارها والتعرف على قوانينها الحاكمة وتفسير ظواهرها وأحداثها.

 

ولكن الحق يقال: إنّ الطبيعة لم تتعرض في كل تاريخها لهذا العدوان الشرس الذي يلتهم طاقاتها ويستنـزف مواردها ويلوث أجواءها وكل عناصرها، الأمر الذي جعل الحياة على هذا الكوكب محفوفة بالمخاطر بما جنته يدا الإنسان، ولا تزال الدراسات العلمية تطالعنا كل يوم بعدوان جديد، وليس آخر هذه الاعتداءات ما يعرف بـ "ثقب الأوزون" أو "الاحتباس الحراري" وما إلى ذلك من أرقام وأحداث مخيفة تشكل تحدياً كبيراً في وجه الإنسان، ما يفرض استنفاراً كاملاً على كافة الأصعدة القانونية والعلمية والتربوية والإعلامية... بغية وضع حد لهذه الوحشية التي تفترس الحياة بكل معانيها ومراتبها، دون أن يعني ذلك رفض التقنية الحديثة والعودة بعجلة الحياة إلى الوراء.

 

وفيما أرى أنّ المدخل الأساسي الذي لا بد أن يسبق الحديث عن المنظومة القانونية الحقوقية التي تحدد الأنشطة الإنسانية الجائزة أو الممنوعة فيما يرتبط بالنظام البيئي، هو بيان الرؤية النظرية حول دور الإنسان في الحياة وموقعه من النظام الكوني، وأهمية هذه الرؤية أنها تشكل ناظماً لحركة الإنسان، وإطاراً للمنظومة الحقوقية المشار إليها، وما يعنيني هنا هو الحديث عن الرؤية الإسلامية في هذا المجال.

 

الأرض: عنصر استقرار: وفق المنطق القرآني فقد خلق الله الأرض وزوّدها بكل عناصر الحياة في إطار مجموعة من القوانين المحكمة بعيداً عن اللهو والعبث والمصادفة، قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالحَقِّ}(الحجر:85)، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ}(الأنبياء:16)، وقد جاءت كل الاكتشافات العلميّة لتؤكد هذه الحقيقة وتظهر بما لا يدع مجالاً للشك ابتناء النظام الكوني على منطق السنن المتجانسة والقوانين المحكمة التي لا يعتورها نقص أو يشوبها خلل {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ}(السجدة:7)، {صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}(النمل:88)، ومن مظاهر الإتقان والإحكام ما يلاحظ من أن الكرة الأرضية ورغم حركتها الدائمة فإنها تبدو مستقرة ساكنة لا يشعر قاطنوها بهذه الحركة، فهي أشبه بمهد الطفل الذي يهتز بهدوء ما يُشعر الطفل بالأمن والأنس. وقد تنوعت وتعددت التعابير القرآنية عن هذه الحقيقة، فتارة يُعبِّر سبحانه وتعالى عن الأرض بأنها قرار {أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا}(النمل:61)، {اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً}(غافر:64)، وأخرى بأنها فراش {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا}(البقرة:22)، {وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ المَاهِدُونَ}(الذاريات:48)، وثالثة بأنها مهاد {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا}(النَّبأ:6)، {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(الزُّخرف:10)، ورابعة بأنها بساط {وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا}(نوح:19) إلى غير ذلك من التعابير.

 

وهكذا فقد تضافرت الآيات القرآنية التي تتحدث عن تزويد الله سبحانه الأرض أو الفضاء الكوني بكافة العناصر التي تحفظ استقراره وتوازنه، بما يكفل الحياة الهانئة لكل الكائنات، من هذه العناصر: الجبال {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}(النحل:15)، ومنها: الماء {وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}(الأنبياء:30)، وهكذا الأنهار   {أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا}(النمل:61)، ومنها: السماء {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا}(الأنبياء:32)، ومنها: النجوم {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ البَرِّ...}(الأنعام:97)، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالقَمَرَ نُورًا...}(يونس:5).
 وقد شاءت العناية الإلهية إضفاء مسحة من الجمال والجلال على الأرض وما يحيط بها، فأينما تطلعت الباصرة وامتدت اللامسة فسوف تدهشها الروعة ويبهرها الحسن والجمال، وتذعن للفكرة القائلة: إنّه ليس بالإمكان أفضل مما كان، قال تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}(ق:6).

 

الاستخلاف ومتطلباته: أمام هذا النظام الكوني المتناسق وما فيه من إحكام وإتقان، وروعة وجمال يطرح السؤال التالي نفسه: ما هو دور الإنسان في هذا النظام هل هو دور السلطان الذي يتصرّف في مملكته كما يحلو له؟ وهل أطلق الخالق يده ليعبث في هذا الكون ويخلّ بتوازنه ويشوّه جماله ويدمر الأخضر واليابس؟ أم أنه وضع له برنامجاً لا يجوز له تخطيه، ورسم له خطة طريق لا يجوز لها تجاوزها؟ 

 

من الواضح أن الرؤية القرآنية ترتكز على اعتبار الإنسان خليفة الله على الأرض، وقد اختاره الله لهذه المهمة بسبب ما يمتلكه من مؤهلات وطاقات تجعله الأقدر على الإبداع والتطور، كما وتجعله الأكفأ من بين سائر المخلوقات للنهوض بأعباء هذه المهمة الجليلة، أعني مهمة خلافة الله، وذلك على الرغم من اعتراض الملائكة العفوي على هذا الاختيار، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}(البقرة:30). لكن هذه المهمة ليست مهمة تشريعية بقدر ما هي تكليفية، وليست منصباً بالمعنى السلطوي، وإنما هي اختيار لحمل الرسالة والأمانة التي عجزت السماوات والأرض عن حملها {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}(الأحزاب:72).

 

إن للخلافة متطلبات ومتقضيات من أهمها رعاية الخليفة للأمانة التي عُهد إليه بحفظها، ما يعني أن الخلافة تتلازم مع المسؤولية ولا تنفك عنها «اتقوا الله في عباده وبلاده فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم»(نهج البلاغة)، فإذا انحرف الإنسان عن خط المسؤولية فأفسد في الأرض وعبث بمقدراتها وأخرجها عن وظيفتها التكوينية كمهاد ومستقر يكون بذلك خائناً للأمانة وخارجاً عن مقتضى الخلافة.

 

التسخير والعبث: أجل أن من شؤون الخلافة ومتطلباتها منح الخليفة حق الإشراف والسيطرة على الأرض، وإطلاق يده في التصرف الهادف، وكذلك لا بد أن يمنح حق الانتفاع بطاقاتها وخيراتها، وهذا ما تكفل به الله سبحانه، فأعدّ الأرض وذللها لصالح الخليفة وجعلها طيّعة ومنقادة لإرادته، يستفيد من خيراتها، ويستعين بها على تحسين حياته وظروف معاشه، وهذا هو المراد بالتسخير الوارد في القرآن الكريم، قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ}(لقمان:20)، وقال سبحانه: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}(الملك:15)، إلى غير ذلك من الآيات، إلاّ أن التسخير لا يعني بحال من الأحوال منح الخليفة سلطة على إفساد الكون والعبث بنواميسه وتدمير طاقاته، أو إخراج الأرض عن وظيفتها كمقر آمن وقابل للحياة ومحتضنٍ للمشروع الإلهي في إقامة العدل بما يهيئ للخليفة بلوغ الكمال المعنوي والمادي والعيش بكرامة وحرية، وفي ضوء ذلك يتضح أن التسخير هو امتنان على الإنسانية بجميع أجيالها وليس على جيل بعينه، وبالتالي فالطاقات المودعة في هذه الأرض ليست ملكاً لجيل دون غيره، بل هي ملك للبشرية جمعاء، ما يعني أنّ تصرف أي جيل في هذه الطاقات واستهلاكه لموارد الطبيعة لا يجوز أن يؤثر على قدرة الأرض على التجدد بما يحول دون استفادة الأجيال القادمة.

 

وخلاصة القول: إن تصرف الخليفة في الأرض واستفادته من طاقاتها هو أمرٌ مشروع بلا ريب، شريطة أن لا يكون تصرفاً تدميرياً عبثياً يؤثر على حق الأجيال اللاحقة في الاستفادة منها، أو يجعل إمكانية الحياة عليها صعبة أو يؤدي إلى فناء الأجناس الحيوانية وانقراضها... فهذه التصرفات العدوانية وأمثالها ـ سواء تحققت بشكل دفعي أو تدريجي ـ غير مسموح، بها لأنها خروج عن مقتضى الخلافة وضوابطها، وللحديث صلة.





اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon